جرى حوار بيني وبين المفكر الجزائري المهندس الميكانيكي مالك بن نبي-يرحمه الله تعالى..حول مفهوم الحضارة..وذلك عقب محاضرة ألقاها على مدرج جامعة الملك عبد العزيز بجدة عام 1971م.حيث ذكر في محاضرته أن الحضارة نتاج تفاعل الإنسان مع التراب..وأن الحضارات سواء لا اختلاف بينها..وكان بذلك يرد على المفكر سيد قطب- يرحمه الله تعالى-الذي كان يصر على القول:أن الإسلام هو الحضارة ولا حضارة مع غير الإسلام..وليدلل مالك بن نبي- رحمه الله تعالى-على وجهة نظره في المساواة بين الحضارات ضرب مثلاً بمعادلة كيميائية:(هيدروجين + أكسجين+ شرارة = ماء) ثم قال:أن المعادلة الحضارية (تراب + إنسان + الزمن = حضارة)شبيهة بهذه المعادلة الكيميائية وحيث أن المعادلة الأولى تنتج ماء الحياة وهو واحد لا يتعدد..فإن المعادلة الثانية تنتج حضارة واحدة لا تتعدد..وبحكم تخصصي الكيميائي وجدت أن الربط بين المعادلة الكيميائية والمعادلة الحضارية على النحو الذي بسطه فيه تبسيط مخل للغاية..فالمسألة من وجهة نظري أكثر تعقيداً من ذلك..وفي نهاية المحاضرة قلت له:إن المعادلة الكيميائية(هيدروجين + أكسجين+ شرارة = ماء)التي طرحتها أخي المهندس الفاضل هي حالة من حالات التفاعل بين الهيدروجين والأكسجين وفق شروط محددة..فإذا تغيرت الشروط فإن نتائج التفاعل ستتغير إلى أنواع أخرى من الماء منها(الماء الأكسجيني،الماء الثقيل).وبالمقابل فإن معادلة(تراب + إنسان + الزمن = حضارة) تعطي نتائج متنوعة تبعاً لتنوع سلوك الإنسان وتنوع كفاءاته ومهاراته وثقافته..واسمح لي أن أقترح حالة أخرى للمعادة مع استخدام عبارة (مادة) فهي أشمل من عبارة(تراب) لتصبح على النحو التالي:(الإنسان + المادة + منهج = تنوعاً حضارياً).أنا أؤيدك بأن كل تفاعل بشري مع المادة ينتج أثراً حضارياً..وأنا لست مع سيد قطب-يرحمه الله تعالى-الذي يقول:(لا حضارة إلا مع الإسلام)ولست معكم إذ تقول:(الحضارات سواء)وأنا بكل تأكيد مع التنوع الحضاري..فثار وغضب وضرب بيده سطح المكتب قائلاً:هذه فلسفة لا معنى لها..وراح يكرر الحضارات سواء لا فرق بينها..فقلت:الحضارة بكل تأكيد ثمرة كل جهد يبذل لعمارة الأرض وإقامة الحياة وفق ثقافة ما..وحيث أن الثقافات ليست سواء فالحضارات ليست سواء..وبعد أعوام قرأت له كتاباً يتحدث به عن تنوع الحضارات..إنّهُ نهجُ الكِبارِ البَاحِثين عَنِ الحقيقةِ المُنكِرين لِذواتِهم..رحمه الله تعالى وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنة.