ترقّبوا مزيدا من التغريب
هل ترون الهجمة التغريبية ستتوقف وهي حرّة طليقة متوحشة لا يعترض طريقها عائق و معها السياسة والإعلام والمال وسلبية المجتمع ؟ إن النخبة العلمانية تزداد شراسة مستقوية بفلسفة وأدوات العولمة وبفراغ الساحة الجزائرية من الحصون الواقية التي انهارت وأصبحت مهددة من داخلها.
بعد تغريب المدرسة الذي وصل نقطة اللارجوع ترقّبوا خطوات عملية حثيثة من طرف الأقلية الايديولوجية التي خلا لها الجوّ ، مثل :
- التخلي التدريجي عن اللغة العربية في التعليم الابتدائي بدءا بإدخال اللهجة العامية وانتهاء بتنصيب الفرنسية ، هذا أمر مخطط له منذ مدة وصرّح به أصحابه وظهر غضبهم على لغة الضاد ألف مرة وتنادوا علانية بوجوب إعطاء مكان الصدارة للغة موليير وحرف "غ" Rالعزيز على قلوبهم.
- فما الذي سيحول دون ذلك ؟
- بعد إقصاء القرآن الكريم نهائيا من المنظومة التربوية سيأتي دور أقسام تعليمه في المساجد لتُحوّل إلى محاضن علمانية كما طالبت الوزيرة ، ورغباتُها أوامر ، ولم يعُد لآي الذكر الحكيم والأحاديث النبوية أي وجود في كتب اللغة العربية فضلا عن غيرها ، هم لا يطيقون البسملة فكيف يتيحون المجال للوحي ؟
- رفع التجميد عن تعميم تسويق الخمور الذي غضوا الطرف عنه بعد ردّة الفعل الشعبية الرافضة له ، لكنهم لا يبالون بالرأي العام طويلا ، مع العلم أن أرقام تجارة الخمور في الجزائر تبلغ سقفا مرتفعا جدا بحيث يكاد يبلغ دخل خمارات العاصمة دخل حانات باريس كما قالت جريدة لوموند ونقلته عنها جريدة ليبرتي بكل اعتزاز !لا يجوز التغافل عن هذه الحقيقة : يكفي النظر إلى عدد قارورات الخمر المنتشرة في الطرقات والساحات والغابات وكل مكان لقياس ضخامة الظاهرة ، وهذا ما تستند إليه النخبة اللائكية لتحرير تسويق الكحول باعتباره مطلبا شعبيا!!!
- مراجعة قانون الاسرة لمنع تعدد الزجات نهائيا ، تسليط المرأة على الرجل بقوة القانون ، تسوية الذكر والأنثى في الميراث ، حرية المرأة في أن تتزوج من تشاء من دون ولي ومن أي دين كان ، وحتى بالملحد ، ما الذي يمنع حدوث هذا ؟ الجمعيات النسوية اليسارية المجهرية هي سيدة الموقف ، نشاطها باهر في نظر المتحكمين في شؤون البلد ، مطالبها مشروعة مستمدة من الإعلان العالمي لحقوق الانسان ومقررات مؤتمرات الأسرة في بكين والقاهرة ، وهناك سابقة ماثلة بالقرب منا تُغري بالاقتداء.
- إباحة الشذوذ الجنسي رسميا باعتباره حرية شخصية ، جرائدهم تؤيد ذلك وتلمّع أسماء الشواذ وصورهم وتروّج أخبار " نجاحاتهم " ومكاسبهم هنا وهناك ، وقد أصبحت الظاهرة تُلاحظ بجلاء خاصة في المدن الكبرى ، فلماذا لا يتمّ الاعتراف بها قانونيا ؟
- تيسير مهمة التنصير بناء على حرية المعتقد الذي ينص عليه الدستور ، ولا يجهل أي مراقب أن التنصير لم يعد يقتصر على حالات معزولة بل أصبح ظاهرة حقيقية في ظلّ الكلام الرسمي عن أن " الشعب الجزائري كله مسلم " – وهو مجرد شعار للتخدير - ، والكنائس المسيحية تسرح وتمرح ، ومناطق معينة معروفة غدت فيها المسيحية واقعا ماثلا ، بدعم شبه صريح خاصة من الوسائط الاعلامية المشهورة ببغضها لكل ما هو مسلم.
- بعد تجفيف منابع التعليم الديني في المدرسة على جميع المستويات سيأتي الدور على جامعة الأمير عبد القادر والمعاهد الدينية في الجامعات الأخرى لتجد نفسها أمام خياريْن : إما الإغلاق أو قبول طلبة لا علاقة لهم بالعلوم الشرعية بتاتا ، لا علما ولا أخلاقا ، أي انتهاء التعليم الاسلامي في الواقع ، وقد بدأ هذا المسعى منذ إلغاء الشعب الاسلامية في الثانويات فأصبحت تلك الجامعة والمعاهد تستقطب – في الغالب – الفاشلين والمتهوّرين ، وهي ليست مؤهلة لإصلاحهم فيقومون هم بإفسادها.
هذه احتمالات واقعية جدا لا يستطيع عاقل استبعاد حدوثها مع اجتماع عوامل الغطرسة العلمانية وتواري الحصانة الوطنية النفسية والفكرية . الناس يتساءلون أين المراجع الدينية والأحزاب الاسلامية ؟ وأنا أقول أين المتبجحون بالوطنية المحتكرون لها ؟ إذا غابوا اليوم فمتى يظهرون ؟ أم أن وطنيتهم مجرد دعوى لا تثبت أمام الإملاءات الفوقية مهما أوغلت في اللاوطنية؟
فهل من هبّة وطنية قوية من جزائريين أصحاب أصالة وأنفة وهمّة يوقفون المدّ العلماني المتغطرس ، يجمعون في تناغم طبيعي بين الأصالة والحداثة بعيدا عن الجامدين باسم الدين والمنحلين باسم التنوير ؟
وسوم: العدد 738