إسلام الإخوان المسلمين والإسلام الأمريكاني
هذان التعبيران وردا في كتابات اثنين من المفكرين الإسلاميين المعاصرين.
والشهيد سيّد قطب تحدّث، من جانب آخر، في مطلع الخمسينيات من القرن العشرين، في كتابه "دراسات إسلامية"، عن شيء اسمه: "إسلام أمريكاني"! وهو الإسلام الذي يفصّله أبناء "الحضارة المادية" بما ينسجم مع تصوراتهم وقيمهم وأهوائهم، وهو إسلام يختفي منه الجهاد، وتكون النظرة فيه إلى الأخلاق والاقتصاد ونظام الحكم وقضية المرأة... مطابقة للنظرة الغربية، أو في أقل تقدير، غير متعارضة معها، والإسلام الأمريكاني هذا يتبناه كذلك المهزومون روحياً، من أبناء المسلمين، فضلاً عن المشبوهين والأتباع. فالمهزومون روحياً لا يقبلون لأنفسهم أن يتنصّلوا من الإسلام، كما أنهم لا يتصوّرون حضارة وثقافة وتقدّماً خارج المنظومة الغربية. ولا بد إذاً أن يكيّفوا الإسلام مع الثقافة الغربية، فما اعتبره الغربيّون قيماً عليا فهو من الإسلام، وما اعتبروه قيماً هابطة – بزعمهم- فالإسلام بريء منه. ولا بأس عندهم من ليّ أعناق النصوص، والتعسّف في تفسير نصوص القرآن والسنّة والسيرة النبوية والتاريخ الإسلامي.. بما ينسجم مع نظرتهم هذه. (ألا ساء ما يحكمون).
وإذا كان ما تحدث عنه الإمامان البنا وقطب قد مضى عليه نحو نصف قرن، فإن الحاجة إلى تصحيح نظرة المسلمين إلى الإسلام ما تزال قائمة.
صحيح أن وعي الناس بالإسلام قد قفز قفزات هائلة، وأن أسباب الاعتذار بالجهل قد ضعفتْ، لكن هيمنة الطاغوت الأمريكي قد طمّت وعمّت، وأصوات أبواقها كادت تغطي على أصوات أهل الإيمان... وتقدّم آباء الجهل إلى المنصّات يعلّمون المسلمين كيف يكون الإسلام الصحيح! وقام العرّابون ليسوّقوا الإسلام الأمريكاني بطبعته الجديدة المنقحة.
إنه بعد المدّ الهائل للصحوة الإسلامية، وبعد أن أصبح دعاة الإسلام ملء سمع الدنيا وبصرها، وبعد أن ارتقى وعي الناس بحقيقة الإسلام... لا نزال نرى من يمسك بعصا غليظة ويصرخ عبر وسائل الثقافة والإعلام: إن هناك إسلاماً مقبولاً ليس فيه سياسة ولا اقتصاد ولا جهاد، وليس فيه اعتراض على بيع الأوطان، ونشر الطغيان... وإسلاماً مرفوضاً يريد له أصحابه أن يحكم الحياة، وأصحابه هؤلاء رجعيون متطرفون متعصبون إرهابيون أصوليون...
وإذا كان من المنتسبين لهذه الأمة من يجهل الحقائق أو يتجاهلها، فإن قادة الغرب وزعماء اليهود ما فتئوا يؤكدون أنهم يعرفون حقيقة الإسلام، وإن حاربوه ظلماً وعُلوّاً، وإن مما يقولونه: "لا يوجد إسلام متطرف وإسلام معتدل، إنما هو إسلام واحد، هو الذي يواجهنا به الاستشهاديون الجدد. وعلينا أن نرسم مخططاً لتفريغ الإسلام الفكري من محتواه الجهادي، وتحويل طاقات شبابه إلى التعبد والخلوات وأعمال الإصلاح والإحسان والمشروعات الخيرية، والتنكب عن الممارسات السياسية... إذا لم نستطع تحويل هذه الطاقات إلى أنواع الفجور. وإن جهودنا تتطلب إيجاد فصام بين إسلامين: إسلام يقبل باحتلال الأرض، ويمارس الركوع للعدو، وإسلام ثان يؤكد أنه من لم يغزُ ولم يحدّث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق!". [مقتبس من مقال للدكتور موسى الكيلاني، في جريدة الدستور الأردنية، 16/11/1994م].
نعم، هكذا يفهم أولئك، وهكذا يخططون. أفما آن لأبناء هذه الأمة أن يعرفوا حقيقة دينهم، ويتمثّلوها، ويعلّموها أبناءهم؟!.
الذين يدعون إلى إسلامٍ أبتر شائهٍ، حريٌّ بهم أن يعيدوا النظر في موقفهم، فزيفهم مكشوف، وبضاعتهم مردودة عليهم، ولئن زخرفوا القول غروراً إلى حين، فمَن ذا يدفع عنهم عذاب الله في الدنيا والآخرة؟.
دعاة الإسلام الأمريكاني هؤلاء، فيهم الأعداء الألدّاء، وفيهم المضبوعون والمهزوزون والجاهلون والمداهنون... تختلف دوافعهم، ويتفقون في العمل على تضليل الأمة وتمرير الخديعة.. يحرّفون الكلم عن مواضعه من أجل أن يحصلوا على "شهادات حسن سلوك" من الطواغيت، ويدرؤوا عن مصالحهم العاجلة أذىً يهدّدها فيحيدون عن الإسلام الذي أنزله الله، إلى إسلام آخر "مصنّع" يُرضي أرباب الجاهلية.
ألا فليعلم الذين استكبروا، وليعلم الذين استُضعفوا، أن صورة الإسلام جليّة كالشمس، بل هي أظهر، وأن الإسلام قادم كالضياء بل أمضى.
(هو الذي أرسلَ رسولَه بالهدى ودين الحقّ ليظهره على الدّين كلّه ولو كره المشركون).
وسوم: العدد 739