الجدل حول سلاح المقاومة في غزة
من الملفات المهيجة للجدل أشد من سواها في خطوات المصالحة الفلسطينية الحالية ؛ ملف سلاح المقاومة في غزة . السلطة الفلسطينية أو فتح ، والاثنتان سيان ، السلطة هي فتح ، وفتح هي السلطة ؛ تلح على نزع هذا السلاح وفق مبدئية أننا " دولة " ، وأن الدولة قانونيا يجب أن تكون ذات سلاح واحد . وهو كلام لا يستقيم مع الواقع القائم في غزة والضفة ، فليس فيهما دولة فلسطينية ، بل توهم دولة ، خيال دولة ، قوالب دولة مفرغة المحتوى ، والواقع القائم أننا ما زلنا في مرحلة محاولة التخلص من الوجود الإسرائيلي العسكري والاستيطاني في الضفة ، والهيمنة الإسرائيلية غير المباشرة على غزة ، وإلحاح السلطة على نزع سلاح مقاومة غزة في مباحثات المصالحة الحالية تنفيذ لأحد مبادىء اتفاق أوسلو الذي اعتمد المفاوضات وسيلة لحل الخلاف بين الطرفين مستبعدا الالتجاء للسلاح ، وطبق الاستبعاد على الفلسطينيين ، وظلت إسرائيل متحررة من تطبيقه ، وبذا يكون الإلحاح على نزع سلاح المقاومة في غزة تنفيذا لرغبة إسرائيل ومصلحتها . وهي سعت إلى نزعه في المحادثات التي تلت الحروب الثلاث التي شنتها على غزة ، وأخفقت في سعيها ، وسعت وما زالت تسعى لنزع سلاح حزب الله . إنها تريد العرب بلا سلاح ، وفي هذا السياق حلت أميركا الجيش العراقي القديم ، وشغلت مع إسرائيل الجيش العراقي الجديد الصغير بحروب داخلية لا تنتهي ، وألقي بالجيش السوري و حزب الله في محرقة مهلكة منذ سبع سنوات ، وشغلوا الجيش المصري في سيناء في مقاتلة الجماعات المسلحة ، وفي مناشط اقتصادية وتجارية ليست من مهام الجيوش ، وتتطرف إسرائيل إلى حدود غريبة في تخوفها من أي سلاح عربي مهما كان بعيدا عنها جغرافيا ، فأبدت قلقها منذ أيام من وجود صواريخ بعيدة المدى لدى جماعة أنصار الله اليمنية . ما أرادته إسرائيل للعرب في شأن السلاح لم تتجرأ على إرادته دولة لدولة أخرى تعاديها أو حاربتها مرة أو أكثر ، والحلفاء الذين هزموا ألمانيا في الحرب العالمية الأولى والثانية لم يذهبوا إلى درجة حرمانها من كامل قوتها العسكرية . وفي الحرب العالمية الأولى مثلا ، حظر المنتصرون عليها صناعة الطائرات ، فابتكرت العسكرية الألمانية المعروفة بذكائها وعراقتها ( واسم ألمانيا في جذره اللاتيني يعني الحرب ) الصواريخ تغلبا على ذلك الحظر . إسرائيل تريد العرب من حولها بلا سلاح سوى سلاح الشرطة ، ربما ، وأمة بلا جيش قوي وسلاح رادع لا بقاء لها ، والأسد دون مخالبه وأنيابه ليس أسدا ، وهذا ما تريده إسرائيل للعرب أيا كان تصنيفهم معتدلين أو معادين لها . سلاح المقاومة في غزة هو الذي أكره إسرائيل مرغمة قلع جيشها ومستوطنيها من غزة في 12 مايو / أيار 2005 متخلية عن قول رئيس وزرائها الأسبق بيجن الذي قاله في ميدان فلسطين وسط غزة : " غزة لنا " ، وقول شارون إنه لا فرق عنده بين مستوطنة نيتساريم جنوبي مدينة غزة وتل أبيب ، وتطمين رابين لمستوطني كفار داروم شرقي دير البلح بأنه سيوفر لهم أمنا يجعلهم يشربون الشاي لا مبالين بدوي صواريخ المقاومة . والمقاومة في غزة هي التي أوقفت الجيش الإسرائيلي على الحدود 51 يوما متهيبا خطورة اقتحام القطاع بريا في أطول حرب بين إسرائيل وجهة عربية . ونزعم زعما نحسب له قدرا مهما من الصواب أن الضفة لو امتلكت بعد أوسلو حرية العمل عسكريا في مواجهة الوجود العسكري والاستيطاني الإسرائيلي لما قفز فيها عدد المستوطنين من 100 ألف وقت توقيع الاتفاق إلى 600 ألف الآن . وأظهرت المقاومة الفلسطينية في الضفة في الانتفاضة الثانية والانتفاضة الثالثة ، انتفاضة القدس ، ضراوة هائلة في شجاعتها أوجعت الإسرائيليين حتى جذور روحهم ، ولو فسح لها المجال لأحدثت تغييرا كبيرا في المعادلة الفلسطينية _ الإسرائيلية لمصلحة الجانب الفلسطيني . سلاح المقاومة في غزة لا يجب أن ينزع ، وما عجزت عنه إسرائيل بالحرب لا يجب أن يعطى لها سهلا ميسرا من جانب السلطة ، وفي وسع السلطة أن تحاجج إسرائيل بأنها انسحبت من غزة ، وأن ما ظل منطبقا على الضفة من قيود أوسلو في شأن السلاح المقاوم لا يجب أن ينطبق على غزة مهما كانت ظلال الهيمنة الإسرائيلية ما زالت تمتد إليها بحكم قيود أوسلو وحدوده الأخرى . طبعا السلطة تتخوف من استعمال هذا السلاح ضدها عند أي خلاف مستقبلي مع حماس خاصة ، أو أن يظل هذا السلاح سيفا مصلتا فوقها خلال إدارتها القادمة للقطاع . هذا تخوف منطقي ، ويمكن تجنب مخاطره بالصدق والإخلاص في العلاقة بين كل المكونات الفلسطينية مقاومةً وسياسة ، وممنوع تسلل المصلحة والتأثير الإسرائيليين إلى هذه العلاقة . إسرائيل رهيبة في وأد أصغر حق فلسطيني وأصغر مصلحة فلسطينية ، وما لم تتصرف كل المكونات الفلسطينية وفق هذه الرؤية المعيارية فلن نصل إلى شيء سوى السراب مثلما هو حادث حتى الآن منذ تطبيق أوسلو في مايو / أيار 1994.
وسوم: العدد 741