هل يعقل أن يكلف بوزارة وصية على التعليم وزير لا يستطيع الحديث باللغة العربية وإذا تحدث بالعامية تتعتع ؟
دأبت وسائل التواصل الاجتماعي على نشر فيديوهات لوزير التربية الوطنية يتحدث باللهجة العامية وهو يتتعتع ،ولا يكاد يفهم من كلامه شيء ، وقد صار بذلك موضوع تندر المتواصلين عبر هذه الوسائل . ولا ندري كيف تم اختيار وزير على رأس وزارة يفترض في من يتولاها أن يكون حاذقا باللغة العربية إلى جانب لغات أخرى . ولا يكفي أن يكون من ينتدب لتدبير شأن هذه الوزارة من خريجي معاهد أجنبية ،علما بأن التخرج من هذه المعاهد يشكل عند البعض عقدة انبهار إذ يكفي أن يكون المرء خريج تلك المعاهد ليكون بمنأى عن الشك في كفاءته وقدرته على تدبير الشأن الوزاري أو غيره ،وإن كان لا يجيد تركيب جملة باللغة العربية . وكان من المفروض أن يشترط في من يقترح أو يتقدم لتدبير شأن وزارة التربية الوطنية وهي وزارة معارف أن يكون مجيدا للغة العربية لأن إجادتها تعتبر صيانة للهوية الوطنية . وصدق الأديب مصطفى صادق الرافعي رحمه الله إذ يقول : " ما ذلت لغة شعب إلا ذل ، ولا انحطت إلا كان أمره في ذهاب وإدبار ، ومن هذا يفرض الأجنبي المستعمر لغته فرضا على الأمة المستعمرة ،ويركبهم بها ، ويشعرهم عظمته فيها ، ويستلحقهم من ناحيتها ، فيحكم عليهم أحكاما ثلاثة في عمل واحد : أما الأول فحبس لغتهم في لغته سجنا مؤبدا ، وأما الثاني فالحكم على ماضيهم بالقتل محوا ونسيانا ، وأما الثالث فتقييد مستقبلهم في الأغلال التي يصنعها ، فأمرهم من بعدها لأمره تبع " .
ولقد صدق ظن الرافعي علينا إذ صار أمرنا تبعا لمحتل الأمس الذي رحل جيشه الغازي، وظل غزوه الفكري جاثما على صدورنا ، فسجنت لغته لغتنا سجنا مؤبدا ، وقتل بذلك ماضينا إذ صرفنا عن لغتنا التي تصلنا به فنسيناه نسيانا ، وصار أمرنا لأمره تبع، وقد ألقى في روعنا أنه لا وجود لنا دون وجوده ودون وجود لغته . ومن المؤسف أن تظل حيله تنطلي علينا وننخدع له، و قد كثر فينا من يراهن على لغته لكسر قيد التبعية له ، وأنى يكسر القيد من يتخذه سوارا في يده ؟ ومن مظاهر الخضوع لمحتل الأمس الانبهار بلغته والرهان عليها، ذلك أنه ما كادت وزارة التربية الوطنية عندنا تعلن عما سمته شعبة الباكلوريا الدولية أو شعبة الباكلوريا الفرنسية ، وهو بدعة فرنكوفونية انتدب لتسويقها وزير التربية السابق حتى تهافت الآباء والأولياء على تسجيل أبنائهم فيها طمعا في توفير مناصب شغل لهم ،لأن تلك الناصب لا تنال باللغة العربية كما خطط لذلك محتل الأمس الذي سجننا في دائرة فقدان الثقة بأنفسنا وبهويتنا وبلغتنا . وينفق الآباء والأوليات مبالغ مالية معتبرة تصرف لدعم أبنائهم في تعلم اللغة الفرنسية ، ولا يبالون بعجز أبنائهم عن تركيب جملة بسيطة في اللغة العربية . ومن العبارات المتداولة والشائعة بينهم عبارة : " اللغة العربية لا تطعم خبزا كما تطعم ذلك الفرنسية وأخواتها " . وكيف يكون للعربية شأن عندنا، وقد أوكل أمر التربية والتعليم لوزير لا يستقيم لسانه بالعربية، ولا يركب جملة مفيدة بها ، ويسأل من حوله عن بعض معانيها ودلالتها وهو يتلعثم باللهجة العامية ، يفعل ذلك بسحنة تشي بالزهو والسخرية من هويته اللغوية ،ولا يشعر بخجل، وليس في وجهه ماء كما يقال . ومن عيوب العاجزين عن الحديث باللغة العربية عندنا أنهم لا يرون بأسا في عجزهم لأن قدرتهم على الحديث باللغة الفرنسية تنزههم عن العيب والدنية ، فيكفي أن يقلد الواحد منهم الفرنسي في لثغته ورطانته ليكون سيدا محترما. ووزير التربية الوطنية الحالي كسلفه يشعر بالزهو والخيلاء لأن لسانه يلهج بلغة محتل الأمس و لكن لا يستقيم كلامه باللغة الوطنية . ولقد سجل على الوزيرالسابق قوله يوما وهو يخطب في جمع : " سأتحدث باللغة الفرنسية لأنني أفصح فيها " ولم يخجل من كونه لا يكاد يبين باللغة العربية .
وقد ظن الوزير الحالي أن تدبير شأن قطاع التربية والتعليم كتدبير شأن الداخلية والشرطة ،ذلك أن هذا الأخير إذا كان يدبر بصرامة وشدة عسكرية ، فإن الأول إنما يدبر بعلم وحكمة . ولا يكون تغيير قطاع التربية والتعليم نحو الأجود بالتهديد والوعيد وإحصاء عدد غياب المدرسين الذين أدلوا بمبررات تبرر غيابهم لعلة أو غيرها، والذين أحصتهم حواسيبه مع أن الذين أفلتوا من إحصائها قد يكونون أضعاف من برروا غيابهم ولا لوم عليهم ،ولا يكون بالحرص على صباغة أو طلاء جدران المؤسسات التربوية ،أو تغيير أشكال طاولاتها مع العلم أن وراء ذلك ما وراءه من صفقات، والصفقات دائمة مربحة حينما يتعلق الأمر بهذا القطاع الذي يعتبر بقرة حلوب ، وهي صفقات تسيل اللعاب ، وإنما يكون التغيير بإصلاح حقيقي يمس جوهر تعثر القطاع عوض اعتماد مراهم لا تصل إلى عمق الجرح ولا تداويه . وأول تغيير يفضي إلى إصلاح المنظومة التربوية هو رد الاعتبار للغة الوطنية ، ورد الثقة بها إلى نفوس أبنائها ، ورصد ميزانية محترمة لنقل العلوم والمعارف من اللغات الأجنبية إليها كما نقلت عنها اللغات بالأمس يوم كانت في أوج ازدهارها المعرفي . فإذا كانت ميزانية البحث العلمي من الضآلة عندنا ،وعلى ضآلتها تنفق على لغة الغير، فكيف يمكن للغة العربية أن تكسر القيد الذي قيدتها به لغة محتل الأمس ، وزادها إحكاما أبناؤها من طينة وزير التربية الذي يريد تعميم التعليم بلغة المحتل للقضاء على ما بقي من الهوية الوطنية العربية الإسلامية .
وفي غياب المساءلة والمحاسبة يخرج وزير التربية خرجات إعلامية تعكس أميته الواضحة في اللغة العربية ، وعدم أهليته لتدبير شأن قطاع حين يرتكب فيه المتعلم في السلك الابتدائي خطأ لغويا في لغته الأم لا يعذر ويحاسب عليه وتدحرج نقطته ، وقد يرسب بسبب ذلك في حين لا بأس على الوزير من العجز التام عن الحديث بالعربية واللحن فيها والتعتعة حتى في عاميتها .
وأخيرا نقول إن لقطاع التربية والتعليم أهله القادرون على تدبير شأنه، وما عقمت أرحام المغربيات أن تلد هؤلاء، ولكن هذا زمن تولى فيه الأمور إلى غير أهلها ووجب انتظار الساعة فيه . ولقد حانت ساعة انهيار قطاع التربية برمته ،فهل ستتدارك الأمة انهياره قبل حلول ساعة الندم ولات حين مندم ؟
وسوم: العدد 743