البسملة إرهاب.. النجمة حداثة!

أقر وأعترف أن الأقليات الطائفية والعسكرية والفكرية والعرقية نجحت في تمزيق الأمة الإسلامية، وإخراجها من دائرة الفاعل إلى دائرة المفعول به, وأنشأت أوضاعا جغرافية وسياسية واجتماعية وثقافية؛ لا تتفق مع طموحات الأغلبية وآمالها، وصارت الشعوب الإسلامية مجرد جاليات مضطهدة في أوطانها لا تملك من أمرها شيئا، وتحلم بالعدل والحرية والكرامة فلا تجد غير الظلم والقمع والمهانة!

خذ على سبيل المثال بلدا مسلما مثل الجزائر وما جرى له منذ استقلاله عن العدو الصليبي الفرنسي عام 1962 بعد مائة وثلاثين عاما من الاحتلال الدموي الفاشي الذي غيّر الهوية واللغة والمجتمع. كان الإسلام هو راية المجاهدين الخفاقة ووقودهم الروحي وسلاحهم الذي لا يفل. وانتهي بالمجاهدين إلى طرد فرنسا المتوحشة من بلادهم التي قدمت أكثر من مليون شهيد.

عقب الاستقلال، ترك المحتلون حزبا من أكبر أحزاب الجزائر تأثيرا، اسمه حزب فرنسا! لم يكن الحزب معلنا رسميا مثل بقية الأحزاب، ولكنه كان معروفا ومعلوما لدى الناس؛ لأنه حزب الأقلية النافذ، ولا تستطيع قوة أن تتجاوزه. حزب فرنسا هو عسكر الجيش، ورجال الدرك، وأعضاء السلطة التنفيذية والمحلية والقضائية والخارجية، والأبواق الصحفية والإذاعية والتلفزيونية، والتجار الكبار اللصوص الذين يسرقون بالقانون ( السُّرَّاق كما يسميهم التوانسة). حزب فرنسا يقابل إلى حد كبير ما يسمى بالدولة العميقة في بلاد الربيع العربي الذبيحة، هذا الحزب هو من قاد أكبر مذبحة ضد المسلمين بعد الاستقلال.

في أوائل التسعينات كان على رأس البلاد رجل عسكري طيب اسمه العقيد الشاذلي بن جديد، أراد لبلاده أن تأخذ مسارا طبيعيا يحقق لها الأمن والسلام والتطور إلى الأفضل، ويقلم أظفار اللصوص والفسدة والعملاء. سمح الرجل بإجراء انتخابات حرة نزيهة ففازت جبهة الإنقاذ الإسلامية بالأغلبية الساحقة في مرحلتها الأولى، بينما تراجع الحزب الرسمي للسلطة (جبهة التحرير) إلى المؤخرة، ولكن حزب فرنسا لم يحتمل فوز الإسلاميين في الجولة الأولى، فألغى الجولة الثانية، وأجرى الدماء أنهارا على أرض الجزائر المسلمة، وعلى مدى عشر سنوات أباد أكثر من ربع مليون مسلم بريء تحت لا فتة مقاومة الإرهاب والعنف!

في خلال السنوات العشر أتى حزب فرنسا بعدد من الرؤساء يأتمرون بأمره، وحين بدا لبعضهم أن يحارب الفساد والبلطجة السياسية، فقد تمت تصفيته على مشهد من الناس في مناسبة عامة!

الأخطر من ذلك هو تحرك حزب فرنسا في مجال استئصال الإسلام، فقد أصبح كل مسلم إرهابيا حتى يثبت العكس ويعلن أنه غير مسلم! وانطلقت أذرع الحزب القوية في مجالات التعليم والتربية والثقافة والإعلام والتاريخ والسينما والأدب لتنال من الإسلام، وتشوه تاريخ الجهاد الوطني الجزائري، وتقدم الاستعمار الفرنسي في صورة ناصعة ومضيئة وكأنه لم يذبح أكثر من مليون جزائري منذ وضع أقدامه النجسة على أرض الجزائر المسلمة الطاهرة، مع تسويغ أخطائه وخطاياه، ومحاربة اللغة العربية ومطاردتها في التخاطب الرسمي والشعبي، فضلا عن التعليم.

بعد المذابح؛ تجرأ وزراء جزائريون باسم الحداثة والعلمانية على مصادمة المشاعر الشعبية بتصريحات رخيصة تنال من الإسلام والمسلمين. وكان أحدث ما جرى في وزارة التعليم حذف البسملة من افتتاحيات الكتب المدرسية، وكأن البسملة هي التي تعوق تحديث المجتمع وتقدمه وتطوره، وتصر وزارة التعليم على حذف البسملة لأنها من منظور الوزيرة المختصة واسمها نورة بن غبريط؛  ليست ضرورية في كل الكتب، وهو ما جعل بعض الأحزاب المعارضة تطالب برحيل الوزيرة لأنها ستتسبب في انفجار اجتماعي.

جمعية العلماء المسلمين الجزائريين أصدرت بيانا رأت فيه أن حذف البسملة من الكتب المدرسية، خاصة في المرحلة الابتدائية أمر مؤلم، لأن البسملة جزء من الهُوية والعقيدة، وأن الدستور هو المرجعية العليا للبلاد يبدأ بالبسملة، وأن بيان أول نوفمبر/ تشرين الثاني، هو المرجعية الثورية العليا، لسيادة البلاد، يبدأ بسم الله الرحمن الرحيم، ويؤكد ثوابت وهُوية الوطن، وأن خطابات رئيس الجمهورية، تبدأ أيضا بالبسملة.

وتساءلت الجمعية: لماذا التركيز على الأطفال في الابتدائي ومحاولة تنشئتهم على قيم علمانية غير دينية، وإفساد ما تبنيه الأسرة من قيم وأخلاق؟ وما هو الهدف من حذف البسملة الآن، وأية أجندة يخدمها مثل هذا الإجراء؟ وهل تنقص البلاد مشكلات، حتى نضيف إليها مثل هذه المشكلات؟   

اهتمام الوزيرة الجزائرية بحذف البسملة لا يوازيه اهتمامها بتوفير المرافق الناقصة في كثير من المدارس، ولا مشكلة ازدحام الفصول في العديد منها، ولم توجه الوزيرة نظرها إلى العذاب الي يعانيه أولياء الأمور في توفير الكتب المدرسية بعد أن نفضت الوزارة يدها من منحها مجانا للطلاب، وتركتهم يشترونها من المكتبات الخارجية التي يتعنت أصحابها في بيعها، بل رفض كثير منهم عملية البيع!

 عندما تترك السلطة القضايا المهمة، وتتخلى عن حل مشكلات المواطنين، وتتجه إلى استئصال الإسلام، وتشويه الهوية، وإعلان الولاء للمحتل الصليبي، فهذا يعني أن هناك خللا فادحا في واقع المسلمين التعساء.

ماذا يعني أن تنشغل السلطات الجزائرية، بتحديد ضوابط الأذان في المساجد،  وتحسين صوت المؤذن و«كيفية الأذان وصيغته، وإصدار بطاقة فنية، تُحدد  الضوابط التقنية المتعلقة بجمالية الأذان،  و«المقامات الموسيقية»، التي يجري عليها الأذان ...؟

ألم يكن من الأجدى الاهتمام برفع كفاءة الأئمة والخطباء والوعاظ ليفيد منهم الناس، ويزداد الوعي الإسلامي، وفهم الشريعة الغراء، وتقليل عدد الجاهلين بالإسلام وتشريعاته الإنسانية؟

ما يجري في الجزائر المسلمة، هو ما يجري في معظم البلاد العربية والإسلامية، وهو للأسف جريمة منكرة يتم فيها استئصال الإسلام عيني عينك، والمبررات الكاذبة موجودة سلفا: الإرهاب، التطرف، التشدد، بوساطة خونة اليسار والعلمانية..

كيف وصلت بنا الحال إلى أن نجد نجمة داود على أغلفة بعض الكتب المدرسية في أم الدنيا، وهي رمز لعدونا النازي اليهودي، الذي يذبح الفلسطينيين على مدار الساعة، ويستولي على أرضهم ومياههم وثرواتهم، ولا نجد غضاضة في تقبل هذه النجمة في كتبنا بينما نضيق بالبسملة؟ هل صارت البسملة إرهابا، والنجمة حداثة؟

ماذا تريدون يا حزب فرنسا في الجزائر، وأحزاب الدول الصليبية الأخرى في أرض الإسلام؟، إلى أين تمضي الجاليات الإسلامية المضطهدة في بلاد المسلمين؟

الله مولانا. اللهم فرّج كرب المظلومين. اللهم عليك بالظالمين وأعوانهم!

وسوم: العدد 743