بوتين وترامب : بيان اللقاء الذي لم ينعقد ...

لا حل سياسي ينتجه القصف والتدمير والتجويع والتهجير !!!

التقى الرئيسان ترامب وبوتين لقاءين عابرين على هامش قمة ( منتدى التعاون الاقتصادي ) لدول آسيا والمحيط الهادي ( أبك ) بمنتجع (دانانج) بفيتنام . سلام عابر ، وبعض المجاملات ، وشهادة مفتاحية من بوتين لزميله ترامب تؤكد : أن بوتين والمخابرات الروسية ، لم تتدخل في الانتخابات الأمريكية ، القضية التي يحقق فيها الكونغرس الأمريكي ، والمدعي الخاص الذي توكل بالقضية .

ترامب فرحٌ جدا بشهادة بوتين ، وهو متمسك بها ، وكررها أكثر من مرة على مسامع الصحفيين الأمريكيين : بوتين قال إنه لم يتدخل وأنا أصدقه . مرة ثانية يؤكد ترامب للصحفيين على متن طائرته : في كل مرة ألتقي فيها بوتين يؤكد لي أنه لم يتدخل في الانتخابات الأمريكية .

شهادة بوتين التي نستطيع أن نسميها ( المنقّذة ) أو ( المنجّية ) والتي يتمسك بها ترامب لراحة نفسه أمام لجنة التحقيق ، دفعت ترامب إلى أن يوافق لبوتين على ورق أبيض يملأ فيما بعد بما سمي ببيان بشأن الوضع في سورية ، ورق أبيض سطر فيه الروس والإيرانيون لأنفسهم ما يشاؤون.

صباح السبت ، وبعد أن أعلن بوتين عن البيان الذي كتبه على سجيته ، ظل الناطقين باسم الأبيض الأبيض ، والخارجية الأمريكيين حائرين ، فبينما الروس يتحدثون عن ( بيان مشترك بين الرئيسين ) كانت الخارجية الأمريكية تعلم يقينا أن الرئيسين لم يجتمعا حول طاولة واحدة ولو لدقائق ، وبينما الروس يعددون ويفصلون ويوزعون الجوائز والأدوار ، كان الدبلوماسيون الأمريكيون في مكانة من ( لا قرا ولا درى ) أو على طريقة بعض هيئات المعارضة السورية ( مغيبون ويقضي الناس أمرهم ).

 وبعد أن اضطرت المرجعيات الأمريكية إلى الاعتراف بالبيان ، أو الصمت عنه على الأقل أصبح البيان ، الذي كتبه عنصر مخابرات روسي ، من الذين كانوا يعبثون بإرادة الشعب الأمريكي أيام الانتخابات الأمريكية ، مادةً للتحليلات ، وأفقا لتحقيق حل سياسي قريب ، يكشف الغمة عن السوريين ، ويعيد إلى حياتهم الأمن والاستقرار مع الحرية والكرامة !!.

 ومع شهية المحللين العرب للكلام الواهم والحالم إلا أن معهد الحرب الأمريكي قطع قول كل خطيب بتقريره الذي أكد فيه ( واشنطن سلمت سورية لموسكو ) !! حتى هذه الخلاصة ليست جديدة فمنذ الخنوع أو الخضوع للفيتو الأول واجترار مقولة ( حل سياسي ) كان واضحا أن الولايات المتحدة ممثلة بشخصية الرئيسين : أوباما وترامب ما تزال ماضية على طريق تسليم سورية لموسكو ..

وكالة رويترز من طرفها أكدت على اللقاء العابر بين الرئيسين ، وكررت مرتين الحديث عن ( الشهادة الهدية ) التي تطوع بها بوتين لزميله المأزوم ، وأشارت إلى الحمل غير الشرعي ، والولادة القيصرية للبيان موضع الحديث ..

بعض الناس رأى جديدا في عودة البيان إلى الحديث عن وحدة الأرض السورية . حديث جيد دون أن ننسى أن هذا المطلب هو مطلب روسي بامتياز ، وأنه إزاء ما يقوم به الأمريكان عمليا على الأرض السورية ، وفي منطقة شرق الفرات تحديدا ، يبقى الكلام الأمريكي مؤطرا بإطار : كلام الليل يمحوه النهار ..

وحين يتوقف محدودو الإدراك من سوريين وغيرهم عند مطلب الحل السياسي الذي ما زال يتقاذفه الروسي والأمريكي ، دون أن ترتقي عقولهم للسؤال : أي حل سياسي تصنعه أسراب الطيران الروسي بالاشتراك مع طيران التحالف الأمريكي بالاعتماد على الميليشيات الشيعية والقسدية ، وكلها ترمي عن قوس واحدة نساء سورية وأطفالها  والمستضعفين من رجالها ، ثم يؤمن على أنا ما يسعى إليه الروسي والأمريكي هو حل سياسي ؟! وإذا كان هذا القصف وهذا الدمار وهذا القتل والتشريد هو طريق الحل السياسي ، فكيف يكون الطريق إلى الحل العسكري ؟! بالله عليكم أيها العقلاء أجيبوا ..

لقد ضمن البيان المكتوب بالحبر الروسي واليد الروسية لترامب اللامبالي ، والمشغوف بقضاياه الشخصية ، والذي يلتمع نفط الخليج العربي أمام عينيه ذهبا يريد أن يحصل على الحصة الأكبر منه ، لقد ضمن ترامب هذا تفاهما عسكريا لعدم الاحتراب في منطقة شرق الفرات حيث يسيطر مع حلفائه ، وحيث بقايا النفط السوري ، الذي تم استنزافه على أيدي الدواعش حلفائه السابقين .

لقد ضمن ترامب لنفسه حق الادعاء بحيازة شرف الانتصار على داعش بتدمير مدينة الرقة الأمر الذي سيظل يزاود عليه وبه أمام أنصاره .

وبالمقابل فإن الروس بما كرسوه لأنفسهم من خلال هذا البيان ، فقد جير لهم ترامب حق التصرف منفردين على الأرض السورية . ثم حق قطع الطريق على جنيف لفرض الحلول الروسية – الإيرانية – الأسدية  على الشعب السوري في أستانة أو سوتشي ..

وحين يتحدث بعض المغفلين عن مطلب ترامب المتمثل في الحد من النفوذ الإيراني في المنطقة يكفي أن نذكرهم أن إيران خلال الأشهر العشرة الأخيرة قد أقامت أكبر قاعدة عسكرية لها جنوب سورية على بعد 50 كم عن حدود الجولان ، وهي المسافة نفسها التي اشترطها الصهاينة ، وضمنها الأمريكيون .. ...

إننا وإزاء كل ما نرى ونسمع نؤكد ...

* أن الحل السياسي لا يكون إلا عبر الحوار السياسي ، الحوار السياسي الذي لا تشترك فيه القاذفات ولا البوارج ولا المدرعات ولا البراميل ولا السارين ..إن أي حل يفرض من خلال هذه الأدوات لن يكون حلا سياسيا ، ولن ينقاد الشعب السوري إليه .

* إن التفاوض على الحل السياسي ، لا يتضمن التفاوض على أي حق من حقوق الإنسان الأولية . ولن يكون هناك دخول في حل سياسي لا يسبقه التوقف عن قتل الناس ، وحصارهم ، وتهجيرهم ، واعتقالهم . لن يكون حل سياسي لا تكون عتبته إطلاق سراح جميع المفقودين ، والكشف عن مصير جميع المفقودين ، وإلا فالحديث عن الحل السياسي هو مناورة رخيصة يلعب عليها الطغاة والمستبدون معا .

* لن يقر في سورية حل سياسي ، وهي محتل من قبل العديد من الدول ، والكثير من الميليشيات . وإذا كانت هناك رغبة جادة في الحل السياسي فيجب أن يكون المدخل إليه : انسحاب كل قوى الشر بعد أن سقطت ذريعة وجودها كسر داعش ، وإخراجها من الرقة ودير الزور .

* لا أحد يفاوض عن السوريين ، ولن تقهر قوة السلاح إرادة الشعوب . هذه هي الحقيقة التي حاول البيان البوتيني – الترامبي تجاهلها . إن التحدي أمام السوريين كبير ، ولكن الزمن المفتوح على جدلية الحق والباطل ، سيجعل الحق الأحق بالنصر والبقاء.

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 746