تداول مقولة " عندنا وعندهم " سبة لنا ومعرة حوّلناها إلى موضوع تسلية وتندر بأنفسنا
من المقولات الأكثر تداولا عبر وسائل التواصل الاجتماعي مقولة : " عندنا وعندهم " وهي مقولة تتعلق بمقارنة حال أمتنا العربية بحال غيرها من الأمم في كل المجالات . ويتبادل المتواصلون عبر وسائل التواصل الاجتماعي فيديوهات وصور وعبارات تقارن بين تخلفنا وانحطاطنا وبين تطور وتقدم غيرنا . ولقد صارت عبارة " عندنا وعندهم " سبة لنا ومعرة إلا أننا مع شديد الأسف نحوّلها إلى موضوع تسلية وتندر وسخرية من أنفسنا . ومن المثير للشفقة أن نتسلى بصور ومشاهد من تخلفنا وانحطاطنا مقارنة بصور ومشاهد من رقي وتطور غيرنا، و ذلك يدل على غياب إحساسنا بشيء اسمه الكرامة ، و قد سهل علينا الهوان لهواننا كما قال الشاعر" من يهن يسهل الهوان عليه ".
ومن المشاهد المنقولة عبر وسائل التواصل الاجتماعي على سبيل المثال لا الحصر، والتي تعرّض بنا ،ونحن ياحسرتاه خير أمة أخرجت للناس ، والأمة الشاهدة على الناس ، والتي حوّلناها بوعي منا أو دونه إلى موضوع تسلية وتندرما يلي :
ـ مقارنة طريقة أكلنا كبشر بطريقة أكل كلاب غيرنا .
ـ مقارنة حال غيرنا على متن وسائل النقل العمومي وهم مستغرقون في مطالعة الكتب والجرائد ، بحالنا ونحن نرفع عقيرتنا بالكلام العابث والصخب .
ـ مقارنة حال غيرنا وهم يقفون بنظام لركوب الطائرة ،أو القطار أو الحافلة أو الترام ... بحالنا ونحن نتنافس و نترافس لركوبها .
ـ مقارنة حال قطّ غيرنا وهو ينتظر الضوء الأخضر الخاص بالراجلين ليمر ، بحالنا ونحن بشر لا نبالي بالأضواء المنظمة لحركة المرور .
ـ مقارنة حال غيرنا في ملاعب كرة القدم وهم يشجعون فرقهم بأساليب حضارية بحالنا ونحن نتصرف بهمجية .
ـ مقارنة حال أبناء غيرنا في مدارسهم وهم يدرسون بجد واجتهاد ونظام و تربية واحترام، ونتائج بحال أبنائنا وهم يعبثون وفي فوضى عارمة، وبلا تربية، وبلا أخلاق ،وبلا احترام ، وبلا نتائج.
ـ مقارنة حال انتخابات غيرنا ،وما تسفر عنه من نتائج منزهة عن كل غش وتزوير أو تشكيك بحال انتخاباتنا التي تحيط بها الشكوك .
ـ مقارنة ديمقراطية غيرنا الحقيقية والجادة بديمقراطيتنا المزيفة والشكلية والعابثة.
ـ مقارنة بساطة وزراء غيرنا الذين يتصرفون كأشخاص عاديين في الشوارع وعلى متن وسائل النقل العمومي بحال وزرائنا الذين يعشقون الأبهة وركوب سيارات الدولة الفارهة ، وارتياد أفخم الفنادق والمطاعم .
ـ مقارنة حال برلمانيي غيرنا الذين تمر جلساتهم في منتهى الجدية والمسؤولية بحال البرلمانيين عندنا الذين يغطون في النوم وينشغلون بهواتفهم الخلوية خلال الجلسات .
ـ مقارنة حال المسيحيين في كنائسهم وفي ساحة الفاتكان وهم في خشوع وسكينة كأن على رؤوسهم الطير بحالنا في المساجد والمصليات وفي الحج ونحن في صخب، وتدافع، واقتتال ، وفتنة .
ـ مقارنة حال فنون غيرنا الراقية بحال فنوننا المنحطة .
ـ مقارنة حال إعلام غيرنا المتطور والمهني بحال إعلامنا المتدني الفاقد للمهنية والمصداقية .
ـ مقارنة حال رياضة غيرنا المتقدمة والناجحة بحال رياضتنا الفاشلة المتعثرة .
ولو شئنا الاستمرار في مقارنة حال غيرنا بحالنا في كل المجالات لطال بنا الحديث ، و لكان دائما غيرنا في العلياء، ونحن في الحضيض. وتشهد على ذلك العديد من الفيديوهات والصور التي نتبادلها يوميا بلا خجل عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لا لنصحح انحدارنا نحو الحضيض بل لنتسلى بذلك ، وكأننا خلقنا لنكون أضحوكة ، و لنكون موضوع تندرغيرنا بنا . وكل منا يضحك ملء فمه من حالنا ،وكأن الأمر لا يعنيه ، وكأننا نسخر من غيرنا لا من أنفسنا . ونحضر السهرات المنحطة التي يحييها بعض المهرجين المحسوبين على الفن والذين يخوضون في مقولة " عندنا وعندهم " ونقضي الساعات الطوال في الضحك والقهقهة حتى تذرف عيوننا من الضحك ، ونصفق للمهرجين بحرارة ، وهم يسخرون منا. ونتبادل فيما بيننا فيديوهاتهم التافهة لنتسلى بالسخرية من أنفسنا راضين بالدنية والمعرة .
فمتى سنفيق من غفلتنا ، ونضع حدا للعبث بأنفسنا، والتفكه بحالنا، ونحن نقارنه بحال غيرنا ، ونسخر بما عندنا مقابل الإشادة بما عند غيرنا عوض أن ندخل في منافسة مع هذا الغير لنتفوق عليه في كل أحوالنا ، وقد أكرمنا الله عز وجل بدين الإسلام لنتبوأ به مرتبة قيادة البشرية ومرتبة الشهود عليها ؟
وسوم: العدد 747