القدس لا تقبل المساومة
يبدو أنّ الإدارة الأمريكيّة برئاسة ترامب جادّة في محاولاتها لتصفية القضية الفلسطينيّة لصالح المشروع الصّهيوني، قبل أن تعلن عمّا سمّته "صفقة القرن" وذلك من خلال نيّتها الاعتراف بالقدس "عاصمة اسرائيل الموحدّة"، يشجّعها في ذلك الخنوع الرّسميّ العربيّ للسّياسة الأمريكيّة دون نقاش، وفي حال نفّذت أمريكا سياستها التي تتناقلها وسائل الاعلام من تصريحات وتسريبات لمسؤولين أمريكيين، فإن ذلك لا يشكّل خرقا أمريكيّا للقانون الدّولي، ولقرارات مجلس الأمن الدّولي، وللوائح حقوق الانسان فحسب، بل سيتعدّى ذلك إلى إشعال نار حرب على الأمّتين العربيّة والاسلاميّة، والتي قد تقود إلى حرب كونيّة ثالثة، فالقدس القديمة التي تبلغ مساحتها حوالي كيلو متر مربع واحد ليست قطعة أرض عاديّة، فهي تحوي أقدس المقدّسات الاسلاميّة والمسيحيّة، فالمسجد الأقصى جزء من عقيدة المسلمين، كونه قبلتهم الأولى، ومعراج خاتم النّبيّين، وثالث الحرمين الشّريفين، وأحد المساجد الثّلاث التي تشدّ إليها الرّحال. وكنيسة القيامة الأكثر قداسة للمسيحيين. وكلّ متر في القدس فيه شاهد تاريخيّ على عروبة المدينة، وبالتّالي فإنّ المسّ بالقدس سيدخل المنطقة في حروب دينيّة، يعرف مشعلوها متى يبدأونها، لكن لا هم ولا غيرهم يعرفون متى ستنتهي، لكن بالتّأكيد فإنّ أحدا دولا وشعوبا لن ينجو من لهيبها.
إنّ بعض الأنظمة العربيّة التي سمحت لبعض وسائل الاعلام فيها، وبناء على تعليمات أمريكيّة، بنقل نباح بعض كلاب أمريكا حول فلسطين وشعبها وقدسها في محاولة بائسة لجسّ نبض الشّارع العربيّ، حول ما يخطط للمنطقة، لا تدرك هي الأخرى أنّ المسّ بالعقيدة الدّينيّة للشعوب، له عواقبه الوخيمة على تلك الأنظمة قبل غيرها، وسيشكّل تهديدا حقيقيّا لها ولمصالح أمريكا التي تحميها.
فالقدس جوهرة الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة، والعاصمة السياسيّة والدّينيّة والتّاريخيّة والاقتصادية والحضاريّة للشعب الفلسطيني ودولته العتيدة، لا تقبل المساومة، وهي خطّ أحمر، إذا ما تمّ تجاوزه فإنّ السّحر سينقلب على السّاحر. فالشّعوب التي تمّ تضليلها وتخديرها لعقود خلت، لا بدّ أن تصحو من سباتها الطّويل، والمسّ بالقدس هو ناقوس الخطر الذي سيعيدها إلى وعيها، وإذا ما انتهكت حرمات المسجد الأقصى فإنّ ذلك يعني أنّ الكعبة المشرّفة في مكّة، والمسجد النّبويّ في المدينة المنوّرة لن تبقى آمنة هي الأخرى.
وسوم: العدد 749