قراءة في الصميم

حكم البابا

من أول الثورة والمسلمون السنة يحملون العلوي والمسيحي والدرزي على كفوف الراحات، استشهد باسل شحادة فاحتفى بشهادته المسلمون قبل المسيحيين، وكُسر صليب كنيسة في الرقة، فأعلن آلاف المسلمين على صفحاتهم مسيحيتهم، وفي حماه التي قتل فيها حافظ الأسد أكثر من ثلاثين ألفاً من أهلها في مجزرة 1982 شاهدت لافته كُتب عليها "العلويون اخوتنا وشركاءنا في الوطن الآن وبعد سقوط النظام"، وإمعاناً في التسامح سمت الثورة احدى جمعها باسم صالح العلي، وأول سفير للثورة أُسند لمنذر ماخوس العلوي لمزيد من الطمأنة، وفي جنيف بدلاً من أن تُرفع صور ضحايا مجزرة الكيماوي، أو صورة أي من شهداء الثورة، أو معتقليها ومن أبرزهم حسين هرموش الذي تعرضت عائلته للتدمير، ولا أحد يعرف مكانه اليوم أو ما إذا كان حياً أو ميتاً، وإمعاناً في المازوشية وجلد الذات رُفعت صورة عبد العزيز الخير ابن عقلية وأفكار هيئة التنسيق الذي سبق وضُرب في القاهرة على أيدي سوريين مناصرين للثورة..

دُمّرت حوران، وقصفت الغوطة بالكيماوي، وجوّعت أحياء الثورة في دمشق وريفها، واستبيحت حمص، وأصبحت دير الزور مدينة أشباح، ويندر أن يمر يوم لايقصف فيه ريف ادلب وجبل الزاوية، ومنذ شهرين تُستهدف حلب بالبراميل، ولم تبق مئذنة جامع لم تُعامل كهدف، ولم يسلم قرآن من التدنيس، فما الذي سمعناه من هؤلاء الذين اعتبرناهم اخوتنا وأهلنا وناسنا، والذين تغاضينا عن عدم مشاركتهم بقتال النظام وبقاء أحيائهم آمنة بحجة وضعهم الخاص، وأنهم أبناء أقليات؟

للأسف لاشيء، لم يستنكر أحد قصف جامع، ولم ينفعل أحد منهم ضد أي قصف طال مناطق المسلمين السنة، أما أن تسقط عدة قذائف هاون على حي باب شرقي المسيحي، وأن تُفتح معركة الساحل السوري وجبال العلويين، وأن تجري معركة في قرية درزية، فياغيرة الدين والطائفة والمذهب، وعندها سيكتشف ميشل كيلو فجأة وبعد ثلاث سنوات من المذابح الطائفية لمسلمي سورية السنة على يد العلويين والشيعة أن معركة الساحل السورية ستجر سورية إلى حرب طائفية لاتبقي ولاتذر، وستصرخ ريما فليحان أنكم يجب أن تحيدوا القرى الدرزية عن المعارك في سورية، وسيعلن فؤاد حميرة أن سبب المذبحة العلوية ضد السنة هو خوفهم وعدم طمأنتهم من قبل الثورة، وستبعق مارسيل شحوارة بأعلى صوتها أن على المسيحيين أن يهاجروا، وأن البلد لم تعد لهم بعد أن حاول شخص اجبارها على فرض الحجاب، ثم بعد كل طلبات الحماية والنأي عن النفس ومادخلنا وفخار يكسر بعضه، يأتي هؤلاء أنفسهم ليطالبوا بدولة مدنية يملكون فيها حقوقاً متساوية مع المسلمين السنة الذين هُجروا وقُتلوا واغتصبت نسائهم (ولم تُجبر على ارتداء الحجاب) ودمرت أرزاقهم، وهم كانوا شهوداً متفرجين على ذلك، مرّةً بحجة أنهم أقليات وأصحاب وضع خاص، ومرّةً بحجة أنهم مع السلمية!!

الآن اللعب صار على المكشوف، والأقليات تستخدم اليوم في سورية وماحولها نفس تكتيك اليهود في الغرب بعد النازية: إذا انتقدتني فأنت معاد للسامية، مع تغيير المصطلح، إذا انتقدتني فأنت طائفي، وأنا يحق لي أن أدافع عن طائفتي، أما إذا دافعت أنت عن اسلامك فأنت تكفيري ارهابي، ولايخجل صحفي شيعي لبناني مثل حازم الأمين يدّعي وقوفه مع الثورة السورية، من اتهام تنظيم القاعدة وجبهة النصرة وتنظيم دولة العراق والشام الاسلامية بالارهاب والتكفير، في حين عندما يأتي الحديث إلى حزب الله يسميه باسمه فقط من دون أن يضيف أي صفة تكفيرية أو ارهابية أو طائفية إلى اسمه، معترضاً فقط على مشاركته في الحرب السورية!!

ثلاث سنوات من عمر الثورة دلت أننا وحدنا، وسنبقى كذلك إلى أن ننتصر، وعندها ستتبدل المواقف وسنكتشف خيالاً روائياً ومواهب في القص ورواية الحكاية لدى الأقليات للتبرير واعادة التموضع، عندما يكتشفون أن لا كيري ولا أوباما ولا بوتين ولا هولند هم ضمانة حمايتهم، وأن موقف شجاع مثل موقف الأم بيلاجيا والأخوات الراهبات (ربما هو الأشجع لشخصيات دينية اسلامية أو مسيحية أو درزية أو مدنية عبر كل تاريخ الثورة السورية) في قول كلمة الحق، والذي صمت عنه البعض، واستنكره البعض الآخر هو الوحيد القادر على حمايتهم، والنظر إليهم باعتبارهم مواطنين كاملي المواطنة!!

كفوا عن الخوف من الرايات السود، لأنها لاتخيف إلاّ جماعة النظام، ومن بينهم من هو متموضع وراء خطوط الثورة، أو شكلوا كتائب وخذوا المبادرة وانزلوا قاتلوا بأنفسكم، لكن في كل الأحوال أوقفوا مراهناتكم على قدرة بشار الأسد وجيشه وطائفته على اخماد الثورة، وبجهد عقلي بسيط ستدركون أن المليونين لايستطيعون غلبة عشرين مليون لديهم عزيمة جبارة على القتال كما ترونه وتسمعونه في سورية منذ أكثر من ثلاث سنوات وحتى اليوم

ملاحظة لذوي النسب المتدنية من الذكاء ، مفهوم الأقليات في المادة يُقصد منه تحديداً منهم ، يُفضل في قرارة نفسه نار بشار الأسد ولا جنّة الاسلاميين.