هل تُفلحُ مساعي رَأْبِ الصدع بين الفصائل

على وقع الاختراق الذي أحدثَته داعش للحدود الإدارية لمحافظة إدلب، تتعالى الأصوات لحمل الفصائل على تناسي خلافاتها، و تشكيل غرفة عمليات واحدة، إن لم تكن موحَّدة، للتصدي لها، و إفشال مخطط النظام في تثبيت مواقعه، على أطراف المحافظات الثلاث " حماة، و إدلب، و حلب "، و هو يرى أنّ مرحلة تثبيت مناطق النفوذ، للدول النافذة في الملف السوري قد بدأت.

هذا في الوقت الذي ما تزال فيه الفصائل تنظر إلى معارك شمال حماة، كحرب استنزاف أشعلت فتيلها هيئة تحرير الشام، لأهداف لا تعنيها كثيرًا، و هي غير متحمِّسة إلى مؤازرتها، و لاسيما بعد الذي كان منها؛ لذلك لم تلْقَ دعواتُ التوحُّد، و مساعي رأب الصدع، كثيرَ استجابة.

فما تزال الفصائل على رأيها في الانتصاف من الهيئة، قبل أن تذهب معها إلى إعلان النفير العام؛ فعلى الرغم من المساعي للوصول إلى اتفاق يُفضي إلى:

ـ تشكيل غرفة عمليات مشتركة، و إعادة تفعيل جيش الفتح.

ـ طيّ ملف المعتقلين الثوريين المغيبين في السجون السرية للهيئة، و الكشف عن مصيرهم.

ـ إعادة الحقوق المسلوبة للفصائل، و في مقدمتها: أحرار الشام، و الزنكي، و جيش الأحرار.

ـ التخلي عن حكومة الإنقاذ، الذراع التنفيذية الجديدة للهيئة، و التراجع عن جملة القرارات التي تكرّس سلطة الأمر الواقع، و تُلغي المؤسسات التي لها مرجعية قانونية، باعتبارها ذات أبعاد وطنية.

و ذلك عقب الاجتماع الذي ضمّ كلاًّ من: القائد العام لـ(هيئة تحرير الشام) أبا محمد الجولاني، و القائد العام لـ(أحرار الشام) حسن صوفان، و القائد العام لـ(جيش الأحرار) أبا صالح طحان، و القائد العام لحركة (نور الدين الزنكي) توفيق شهاب، إلى جانب الشرعيين: عبدالله المحيسني، و مصلح العلياني.

فما تزال تلك الفصائل الثلاثة تتردّد في التلاقي مع الهيئة، في ظلّ وجود تلك الملفات العالقة؛ فالأمر لا يعدو أن يكون تسريبات إعلامية، نشرتها مجموعات إعلامية مقربة منها، لمواجهة حالة التململ التي باتت تشهدها الحواضن الشعبية، التي تلقي بتبعات ما آلت إليه الأمور على سلوكياتها.

مؤكّدٌ حصولُ اجتماعات مكثفة خلال الأيام الماضية، حسبما أفادت مصادر مطلعة في أحرار الشام، لتشكيل غرفة عمليات مشتركة، قادت إلى إرسال تعزيزات على خطوط التماس مع داعش؛ لكنها نفت الوصول إلى صيغة نهائية للصلح، إلى حين نزول الهيئة على شروط الفصائل؛ و بذلك تكون الفصائل قد نقلت الكرة إلى ملعب الهيئة، بعد اتهامها إياهم بالتخاذل عن نصرة الجبهات.

و قد زاد من تعقيد هذه المساعي، أنّ الفصائل ترى في مأزق الهيئة، فرصة لاستنزافها: سياسيًا، و عسكريًا، و بشريًا، و هي مستعجلة لرمي طوق النجاة لها، طالما أنّ ثَمّة أجنحة فيها ما تزال تنظر إلى داعش من زاوية " التنظيم "، لا بلْ هناك من يذهب إلى قيامها بغضّ الطرف عن اختراقها الحدود الإدارية لمحافظة إدلب، تمامًا كالنظام، و الروس؛ لتصفية حساباتها مع الفصائل التي أخرجتها منها ذات يوم.

هذا فضلاً على أنّ تركيا لا تبدي حماسة في ذلك، و هي التي أمدّت جسور الثقة مع الزنكي مجددًا، و تريد من الأحرار أن تتريث في تطبيع العلاقات معها، ريثما تسفر معركة الأجنحة في تنظيم القاعدة عن مزيد من الأوراق الرابحة في يدها، و لاسيما أن روسيا و حلفائها ما زالوا يتحركون في حدود المنطقة المتفق عليها، ضمن المنطقة الرابعة لخفض التصعيد، و هي ترى في زج داعش و تسهيل تحركاتها، أمرًا غير مقلق لها، و لا يتقاطع مع مساعيها في تثبيت نفوذها في محافظة إدلب. 

و غير بعيد عن هذا نظرة الفصائل إلى طريقة تعامل الهيئة مع ملف معتقلي داعش، إذ تحاول الهيئة إدخال ملفهم إلى ملف المعتقلين، الذي أدرجته الفصائل على قائمة شروطها، للتفاوض عليهم مقابل إخراج الثوار من معتقلات الهيئة، لكن الفصائل شددت على أن مصيرهم لا يمكن أن يقاس بالقادة الثوريين، ويجب إبقاؤهم خارج إطار المفاوضات.

و قد أثار هذا الأمر أثار استغرابها، إذْ كيف تطلب الهيئةُ إخراجَهم من سجون الفصائل، في الوقت الذي تسعى فيه لقتاله، بدعوى اختراقه للحدود الإدارية لمحافظة إدلب.

و ثَمَّة أمرٌ أخيرٌ يستدعي كثيرًا من التعجب، و لا يحمل على التفاؤل، و لا ترتاح له تركيا كثيرًا، هو استحضارُ شخصيات لا تُخفي صلتها بتنظيم القاعدة، كعبد الله المحيسني، و مصلح العلياني، إلى تلك الاجتماعات، في الوقت الذي تجهدُ فيه الهيئة لإقناع المراقبين بقطع صلتها به، و قيامها بحملة اعتقالات لقيادات تواصلت مع أيمن الظواهري. 

وسوم: العدد 751