المجلس العلمي الأعلى يؤطر خطباء الجمعة بورقة إطار خاصة بخطبة الجمعة
استدعي خلال الأسبوع الماضي خطباء مدينة وجدة من طرف المجلس العلمي المحلي لسحب ورقة إطار خاصة بخطبة الجمعة الغرض منها تأطيرهم . ومعلوم أن تأطير الأشخاص هو تكوينهم وجعلهم أطرا متخصصة في مجال ما . وأما تأطير موضوع فيكون من خلال وضع هيكل عام له يحدد معالمه . ولا شك أن ورقة المجلس العلمي الأعلى رمت عصفورين بحجر كما يقال، واستهدفت في آن واحد تأطير موضوع خطبة الجمعة ، ومن خلاله تأطير الخطباء ولسان حالها المثل المشهور : " أطري فإنك ناعلة " أي يا معشر الخطباء اركبوا أمر الجمعة فأنتم عليه أقوياء إذا ما أفدتم من هذه الورقة الإطار .
ولقد قدم لهذه الورقة فضيلة الأمين العام للمجلس العلمي الأعلى السيد محمد يسف فذكّر فيها بشأن خطبة الجمعة العظيم، الشيء الذي أعطاها قدسية بفضل ما تقدمه من توجيه وإرشاد، وقد اقتضت حكمة الله عز وجل لأجل ذلك أن تتكرر كل أسبوع لتكون هادية للناس . وذكّر فضيلته أيضا أن خطبة الجمعة أمانة شرعية تتحمل مسؤولية حفظها مؤسسة العلماء باعتبارهم ورثة الأنبياء ، وهو حفظ لا يتأتى إلا بتشخيص واقعها للوقوف على ما قد يعتريها من اختلالات لتجاوزها . وكشف بعد ذلك عما ترنو إليه المؤسسة العلمية، وهو استعادة خطبة الجمعة وظيفتها الشرعية لخدمة الإنسان فردا وجماعة، وتبليغه حقائق الوحي المنزل .
وبعد ذلك ذكّرت الورقة الإطار بأهمية خطبة الجمعة كخطبة دينية تهدف إلى تزكية النفوس وتبصيرها بما عليها من واجبات دينية ودنيوية ، فهي خطبة تلقى في بيوت الله عز وجل ،التي أقدس الأماكن، وخير البقاع ، كما أنها جزء من عبادة الصلاة يوم الجمعة الذي هو خير أيام الله عز وجل .
وتناولت الورقة بعد ذلك واقع خطبة الجمعة ، فسجلت تحسنا في أداء كثير من الخطباء رسالتهم إلا أنه لا زال التطلع إلى البلوغ بها درجة الكمال لم يحصل بعد ، وما زالت المردودية المرجوة منها لم تتحقق ، وما زال تأثيرها في الناس محدودا لعجزها في ترسيخ الثوابت ، ولعجزها في مجاراة ومنافسة تأثير وسائل الإعلام في الناس ، ولعجزها في مسايرة أحوال الناس ، ولعجزها في تطويق الفتن ، والخلاف ، والظواهر السلبية المتفشية في المجتمع الشيء الذي جعل الناس يلتمسون بدائل عنها لدى وسائل الإعلام ، ولضعف شديد ملحوظ في مستويات بعض الخطباء خصوصا في البوادي ، ولعدم انخراط بعضهم في قضايا المجتمع وهموم الناس وما يشغل بالهم مع إثارة قضايا لا تعنيهم ولا طائل من ورائها مع تجاهل هويتهم العقدية والمذهبية والوطنية، فضلا عن التقصير في توعيتهم بالضروري من علوم الدين ، والتقصير في تحصينهم وإعطائهم المناعة اللازمة .
وبعد سرد ما يعتري خطبة الجمعة من اختلالات مسجلة ،تقترح الورقة الإطار أسسا لتجاوزها والارتقاء بها لتقوم بوظيفتها على الوجه الأكمل ، ومن تلك الأسس مراعاة حرمة منبر الجمعة ،وقدسيته ،وتنزيهه عن كل عبث بحيث يشترط فيمن يعلوه الورع والتجرد من الأهواء، لأنه ينوب عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويتعين عليه بموجب ذلك الاقتداء به في خطبه ، كما أنه ينوب عن الإمامة العظمى التي تلزمه بالتقيد بتوجيهاتها . ولا يجوز للخطيب أن يستغل منبر الجمعة لأغراض سياسية أو نقابية ، أو يتخذه وسيلة لنشر أفكاره و فرض آرائه بل يتحدث باسم الإسلام .
وترى الورقة الإطار أن الارتقاء بخطبة الجمعة يتطلب تأهيل الخطباء عن طريق تكوين مستمر متكامل علما وسلوكا ، وتزويدهم بالمعارف والمهارات الضرورية ، وتوعيتهم بأهمية مهمتهم الخطابية ،وما تتطلبه من سمت حسن لأن الناس يتأثرون ويقتدون بهم . وتقترح الورقة الإطار تزويدهم بدليل محين باستمرار ، وتمكينهم من آليات تحرير وإلقاء الخطب، وتجنيبهم مزالق الارتجال. وتشير الوثيقة أيضا إلى ضرورة معرفة الخطيب بأحوال الناس، وهمومهم ،واهتماماتهم، وعوائدهم ،وأعرافهم ،وتقاليدهم، ونفسياتهم ،وتطلعاتهم ، فضلا عن معرفة ما يدور في الساحة من آراء وأفكار متضاربة ، وكذا الوعي بدور نوعين من الفاعلين: نوع منسجم مع الطرح الديني للأمور وآخر مخالف له.
وتقترح الوثيقة الإطار أيضا تجديد أسلوب الخطابة ،وتنويع أساليبها دفعا للرتابة والملل ، واختيار المواضيع المهمة التي تلقى التجاوب من السامعين ، وتجنب القضايا المثيرة للخلافات والفتن والنزاعات ، وتصفية الحسابات ، وكل القضايا التافهة التي لا جدوى من ورائها ولا نفع ، فضلا عن مراعاة مستويات الناس ومخاطبتهم بما يفهمون مع تنكب التعقيد في الأسلوب أو الركاكة ، ولا بأس بتوضيحات بالعامية والأمازيغية عند الضرورة . وتدعو الورقة إلى التيسير والتبشير، وزرع الثقة في النفوس مع الرفق بهم وتحاشي الغلظة الفظاظة ، وترغيبهم في التسامح، والانفتاح، والوسطية، والاعتدال . وتطالب الوثيقة الخطباء بارتداء الجلباب والسلهام، واعتماد العصا ، وتقصير الخطب ، مع تحاشي الارتجال المستخف بالمخاطبين ، و تجنب المواضيع المتسلسلة لغير ضرورة ، أو نقل الخطب من الأنترنيت أو من الدواوين القديمة المتجاوزة ، وتجنب الإشارة إلى مصدر الخطب الموحدة حفاظا على تشويق المخاطبين مع حسن الإلقاء ، وتحاشي الأخطاء، والإسراع في الأداء ، ومع الإخلاص في الدعاء للإمام الأعظم .
وتنتهي الورقة الإطار بالتنويه بالعمل الجماعي من خلال تكريس مركزية المؤسسة العلمية إشرافا وتوجيها ، وتبادل الخبرات ، وتكامل العاملين في الحقل الديني على مستوى المجالس العلمية الجهوية والمحلية مع ضرورة انضباط الخطباء على وجه الخصوص والتزامهم بتوجيهات المؤسسة العلمية .
وتقترح الورقة استثمار مسابقة المجلس العلمي الأعلى للخطبة المنبرية لتكون آلية للارتقاء بها .
وسوم: العدد 751