من ذكريات الشيخ علي الطنطاوي
كنت أدخل على شكري بك القوتلي متى شئت، أفتح الباب وألج، أو أقرعه وأنتظر هنيهة ثم أدخل ..
أما هاشم الاتاسي فقد كان خيراً منهم، بقي بابه مفتوحاً للجميع، وبقي أباً للجميع، لم تختلف حياته وهو رئيس عما كانت عليه قبل أن يكون هو الرئيس، حتى الشرطي الذي وقفوه على باب داره قال له يوماً، وأنا أسمع، عشية ليلة باردة، يا ابني رح الى أهلك وأولادك فاسهر معهم ونم عندهم، فإنها ليلة باردة، وأنا لا أحتاج اليك، فالحامي هو الله، فلما تردد أكد عليه الكلام وشدد الأمر حتى انصرف، فما كاد يبتعد حتى ناداه، ومشى اليه خطوات، فأعطاه بعضاً من المال ليأخذ به شيئاً معه الى عياله.
كان هاشم بك يجول كل عشية جولة في أطراف البلد بسيارته، ليس أمامه حرس، ولا وراءه جند، وكان يصلي في مسجد المرابط القريب من القصر الجمهوري بالمهاجرين -والقصر كان في دار الوالي ناظم باشا الذي أنشأ حي المهاجرين- فكانوا يبعثون له من القصر قبل صلاة الجمعة من يمد له سجادة صغيرة يحفظ له مكانه في الصف الأول، فيجيء حسن آغا المهايني -الذي ترك حي الميدان وسكن في طرف المقهى في ساحة آخر الخط (أي آخر خط المهاجرين) فيترك المسجد كله ليصلي على هذه السجادة ولا يقوم عنها، فلما كثر ذلك منه جاءه الشرطي يسأله أن يقعد في مكان آخر، سأله بلطف ولين، فيصرخ الآغا بأعلى صوته: يا ابني هذا بيت الله، و كلنا عباد الله، فليس لأحد من العبيد أن يفضل نفسه على غيره في بيت سيده إلا بإذنه، إن المسجد يا ولدي لا يحجز فيه مكان لأحد، من سبق كان هوالأحق بالمكان".
ذكريات الشيخ علي الطنطاوي - الجزء الرابع ص97
هذه مواقف أشبه بالأساطير، ولكنها لم تكن في حياة السوريين يومها مما يستغربه الناس، حتى تغير الزمان
وسوم: العدد 820