سِرّ الأُخوّة في الله
[باختصار، من رسائل جماعة الإخوان المسلمين]
ليست الأخوّة، أيها الأحبّة، مما يُشترى بمال أو يورث عن أبٍ، فالمحبة سرّ ينقدح في قلوب المؤمنين إذا شاء الله له أن ينقدح، والأخوّة روح يبعثها الله في الأفئدة إذا أراد الله لها أن تأتلف وتقترب:
(لو أنفقتَ ما في الأرضِ جميعاً ما ألّفتَ بين قلوبهم. ولكنّ اللهَ ألّفَ بينهم). {سورة الأنفال: 63}.
(واذكروا نعمةَ الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً). {سورة آل عمران: 103}.
فالأخوّة إذاً نعمة قُدسية تشرق بها القلوب التي رضي عنها مقلّب القلوب، وهي منحة من الرحمن الرحيم يُغدقها على المؤمنين من عباده الذين عَلِمَ منهم صِدقَ إيمانهم وعميق إخلاصهم.
ولذا كانت الأخوة في الله صفة مرافقة للإيمان، فلا أُخوّة بدون إيمان، ولا إيمان بدون أخوّة. وإنْ وجدتَ أُخوة ولم تجد من ورائها إيماناً فهو التقاء مصالح وتبادل منافع، وإن وجدتَ إيماناً ولم تجد بجانبه أخوّة فهو إيمان ناقص يحتاج إلى معالجة، لأن الله تعالى يقول: (إنّما المؤمنون إخوة). {سورة الحجرات: 10}. وهي سرّ من أسرار الله القدسية لا يخضع لمقاييس الناس ولا تجري عليه موازينهم، وتمتلئ به النفس دون مقدّمات وتُروى به القلوب في لحظات. يجتمع المؤمنان ولم يَسْبِق لهما تعارف، فإذا هما أخَوان لا يُطيق أحدهما فراق أخيه.
إنها امتزاجُ روحٍ بروح، وتصافحُ قلبٍ مع قلب. إنها الشراب الطهور الذي يسقيه الله لعباده المؤمنين، فإذا بالمحبة تنبض في عروقهم وتسري مع دمائهم، وتتألق في وجوههم.
إنها عجيبة من عجائب الروح لا يدركها إلا ربّ الروح، والروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً. فلنستمع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: "الأرواح جنود مجنّدة، ما تعارف منها ائتلف، وما تناكرَ منها اختلف". رواه مسلم.
وسوم: العدد 825