كيف يدافع اللهُ عن الذين آمنوا؟
[ مختصراً من "في ظلال القرآن" للشهيد: سيّد قطب ]
لقد شاء الله تعالى أن يجعل دفاعه عن الذين آمنوا يتم عن طريقهم هم أنفسهم، كي يتم نضجهم في أثناء المعركة. فالبِنية الإنسانية لا تستيقظ كل الطاقات المذخورة فيها كما تستيقظ وهي تواجه الخطر، وهي تدفع وتدافع، وهي تستجمع كل قوتها لتواجه القوة المهاجمة.. عندئذ تتحفز كل خلية لتؤدي دورها، ولتؤتي أقصى ما تملكه وما هي مهيأة له من الكمال. وتجمع كل طاقاتها، كي يتم نموها، ويكمل نضجها، وتتهيأ بذلك لحمل الأمانة الضخمة والقيام عليها.
والنصر السريع الذي لا يكلف عناء، والذي يتنزل هيّناً ليناً على القاعدين المستريحين، يعطل تلك الطاقات عن الظهور.
وذلك فوق أن النصر السريع الهين اللين سهل فقدانه وضياعه. أولاً لأنه رخيص الثمن لم تُبذل فيه تضحيات عزيزة. وثانياً لأن الذين نالوه لم تُدرَّب قواهم على الاحتفاظ به ولم تشحذ طاقاتهم وتحشد لكسبه، فهي لا تتحفز ولا تحتشد للدفاع عنه.
وهناك التربية الوجدانية والدربة العملية، تلك التي تنشأ من النصر والهزيمة، والقوة والضعف، ومن المشاعر المصاحبة لها.. من الأمل والألم، ومن الفرح والغم.. ومعها التجمع في العقيدة والجماعة والتنسيق بين الاتجاهات في ثنايا المعركة وقبلها وبعدها وكشف نقط الضعف ونقط القوة، وتدبير الأمور في جميع الحالات.. وكلها ضرورية للأمة التي تحمل الدعوة وتقوم عليها وعلى الناس.
من أجل هذا كله، ومن أجل غيره مما يعلمه الله.. جعل الله دفاعه عن الذين آمنوا يتم عن طريقهم هم أنفسهم، ولم يجعله لُقْية تهبط عليهم من السماء بلا عناء.
وسوم: العدد 878