(وَلا يزالونَ يُقاتِلونَكم حتى يَرُدّوكم عن دينكم إن استطاعوا).
[من مقال للشيخ محمد سيد طنطاوي، في مجلة الأزهر، عدد المحرم 1422ه = نيسان 2001م]
بيان لشدّة عداوة الكفار للمؤمنين ودوامها.
أي: ولا يزال المشركون يقاتلونكم أيها المؤمنون ويُضمِرون لكم السوء ويداومون على إيذائكم لكي يرجعوكم عن دين الإسلام إلى الكفر إن استطاعوا ذلك وقدروا عليه. والتعبير بقوله: "ولا يزالون" المفيد للدوام والاستمرار، للإشعار بأن عداوة المشركين للمسلمين لا تنقطع، وأنهم لن يكفُّوا عن الإعداد لقتالهم ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، فعلى المؤمنين ألا يغفُلوا عن الدفاع عن أنفسهم.
(ومَن يَرتَدِد منكم عن دينه فَيَمُت وهو كافرٌ فأولئك حَبطت أعمالُهم في الدنيا والآخرة، وأولئك أصحابُ النار هُم فيها خالدون).
"حبطت أعمالهم" أي: بطلت وفسدت، وأصله من الحَبَط، بفتح الباء، وهو أن تأكل الدابة أكلاً كثيراً تنتفخ معه بطونها فلا تنتفع بما أكلت ويفسد حالها وربما تموت من ذلك. شبّه سبحانه حال مَن يعمل الأعمال الصالحة ثم يفسدها بارتداده فتكون وبالاً عليه، بحال الدابة التي أكلت حتى أصابها الحبط ففسد حالها.
والمعنى: ومَن يرتدد منكم عن دين الإسلام، فيمت وهو كافر دون أن يعود إلى الإيمان، فأولئك بطلت جميع أعمالهم الصالحة، وصارت غير نافعة لهم لا في الدنيا، بسبب انسلاخهم عن جماعة المسلمين، ولا في الآخرة، بسبب ردّتهم وموتهم على الكفر، وأولئك الذين هذا شأنهم أصحاب النار هم فيها خالدون خلوداً أبدياً كسائر الكفرة، ولا يغني عنهم إيمانهم السابق على الردّة شيئاً.
كذلك من الأحكام التي أخذها العلماء من الآية أن الردّة تُحْبِط العمل في الدنيا سواء أمات المرتد على كفره أم عاد إلى الإسلام قبل موته، بدليل قوله تعالى في آية أخرى: (لَئن أشركتَ لَيَحبَطَنّ عملُكَ). فقد علّق الحبوط بمجرد الشرك، والخطابُ، وإن كان للنبي صلى الله عليه وسلم، فالمُراد أمته لاستحالة الشرك عليه.
وسوم: العدد 937