لبّيك اللهم لبّيك
[ من مقال للدكتور مصطفى السباعي، في افتتاحية العدد العاشر من مجلة حضارة الإسلام، ذو الحجة 1383هـ ]
ما بال هؤلاء الناس يغْدون ويروحون؟ ما بالُهم طائرين في الجو، مسرعين في البر والبحر، هجروا رفاهية الحياة، وفارقوا الأهل والأولاد، وتخفّفوا من الهموم والأعباء، وتجرّدوا من المطامع والأهواء، وتناسَوا الكراهية والبغضاء، ولبسوا الخفيف البسيط من اللباس، وتواضعوا فلا عُلُوّ ولا كبرياء، وتساوَوا فلا أغنياء ولا فقراء، وابتسموا فلا هموم ولا أحزان، واتقوا فلا رفث ولا عصيان، وتعاونوا فلا تقاطع ولا هجران، وتعارفوا وهم شتى في لغاتهم لا يتكلمون إلا بلغة القرآن.
عيونهم باكية، وألسنتهم ذاكرة، وجوارحهم خاشعة، ونفوسهم كريمة، وجباههم ساجدة، تائبون متطهرون، راجون مؤمِّلون، داعون الله لأنفسهم وأهليهم وأصدقائهم بالخير، سائلون لأمتهم العزّة والسيادة، ولبلادهم الكرامة والسعادة.
يطوفون حول البيت لا يذكرون إلا الله، ويقفون في عرفات فلا يسألون إلا الله، ويجتمعون في منى يحْصِبون الشيطان، يبتهجون في العيد بذبح الأضاحي، وصلة القربى وإعانة البؤساء والمُعْوِزين والضعفاء.
جاؤوا من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معدودات، ويشكروه على ما أنعم، ويتوبوا إليه مما أذنبوا، ويتداركوا ما فرطوا، ويَغُذّوا السير نحو الأمل المنشود، ويُجدِّدوا العهد على استرجاع المجد المفقود، وليحطّموا قيود العبودية، وليرفعوا أعلام الحرية، وليَهْدوا بعد أن يهتدوا، وليُرشِدوا بعد أن يسترشدوا، ولينصروا دين الله بعد أن تقاعسوا حتى اجترأ على دينه كل فاجر، وليحموا أوطانهم من عدوان الكافرين، وتسلط الغادرين، ومؤامرات الذئاب، وسرقات اللصوص، ولتكون كلمة الذين كفروا السفلى، وكلمةُ الله هي العليا، والله قوي عزيز.
ألا إنهم أنصار الله دعاهم ليجدّد حياتهم وأرواحهم وأخلاقهم، فلبّيك اللهم لبّيك!.
لبّيك، سنسرع إلى تلبية ندائك، وسنُهرَع إلى لقائك، وسنصغي السمع إلى أوامرك ونواهيك، وسنجد في نفوسنا ذكريات المجد والخلود التي شاءت إرادتك أن تنطلق من حول بيتك المحرم، وسنزور رسولك وحبيبك المصطفی صلّى الله عليه وسلّم، اعترافاً منا بفضله، وتجديداً للعهد معه أن لا نُلقي اللواء الذي تسلّمناه منه جيلاً بعد جيل، واستمداداً منه صلّى الله عليه وسلّم بعض عزماته التي بلّغ بها رسالتك، وأدّى بها أمانتك، عسى أن نسير على هديه، ونتخلّق بأخلاقه، ونكون معه في جنات رضوانك.
لبّيك اللهم لبّيك. لبّيك لا شريك لك لبّيك. إن الحمد والنعمة لك والملك. لا شريك لك.
وسوم: العدد 988