أيّهما المعيار: التاريخ أم الوحي؟
[ من "كتاب الأمة: الظاهرة الغربية في الوعي الحضاري" – العدد 73 ]
إنّ التاريخ الذي هو مجموع الفعل البشري، ليس معياراً لصواب وصحة الفعل البشري ومصدراً لتقويمه، وليس معياراً لاختبار الوحي والحكم عليه، وإنما الوحي، بمصدريته، هو المعيار وهو الحاكم على الفعل البشري، والمصوّب لمسيرة المجتمع، والمقوّم لها، والمبين لمواطن الجنوح والخطأ وأسباب السقوط والانقراض... فالوحي هو مصدر الأحكام والتشريع، وليس التاريخ. والوحي هو الذي يحدّد وظيفة التاريخ، ويلفت النظر نحو سنّته وعبرته.. فعلوّ الكفر والظلم والاستبداد السياسي لفترات تاريخية قد تفوق أعمار أجيال متتابعة، لا يعني أن الامتداد التاريخي يختبر صوابية وصحة المسير ويؤكدها، بل إن الوحي يعتبر ذلك الالتواء مُؤْذناً بخراب العمران، ومورثاً للعواقب المدمّرة، ولم يكن علوّ فرعون وامتداده مئات السنين دليل صحة مساره، وخطأ دعوة الرسل، وإنما جاءت النبوة لتؤكد أن هذا الركام التاريخي وهذه المساحة الزمنية وهذا العلو في الأرض هو نوع من الغثاء والعبث والفساد في الأرض، وأن المستضعفين من قوم موسى سيرثون الأرض ويؤُمّون أهلها إلى الخير ويصوّبون مسيرة التاريخ، قال تعالى: (ونُريدُ أن نَمُنَّ على الذين استُضعِفوا في الأرضِ ونجعلَهم أئمةً ونجعلَهم الوارثين، ونُمكّنَ لهم في الأرضِ ونُري فرعون وهامان وجنودَهما منهم ما كانوا يحذرون). {سورة القصص: 5، 6}.
وسوم: العدد 1008