قطوف وخواطر
أرقامها من 561 إلى 580
عبد المنعم مصطفى حليمة
"أبو بصير الطرطوسي"
[email protected]
27/2/1431 هـ. 12/2/2010 م.
561- وقفة مع سيد الاستغفار.
قال رسولُ الله
صلى الله عليه وسلم:"
سيّدُ الاستغفار "؛ سُمي سيداً لأنه متضمن للتوحيد والتمجيد .. شامل لآداب
الدعاء والاستغفار .. فاستحق بذلك أن يكون " سيد
الاستغفار ".
" أن تقول "؛
موقناً بلسانك وقلبك معاً؛ فاللسان يُعرِب عما في القلب، والقلبُ مستحضر لما يُتلَى
على اللسان.
" اللهمَّ أنتَ ربي "؛
توحيد الله تعالى في ربوبيته، والإقرار
بأنه تعالى هو وحده الرب الذي يربي عباده وينشئهم على ما يشاء .. لا ربَّ لهم
يرعاهم ويربيهم ويرزقهم ويغذيهم ويطعمهم ويسقيهم سواه .. كما تتضمن الإقرار بخضوع
وفقر وحاجة المربوب إلى ربه .. الذي لولاه لما قدر على أن يربو وينمو وينشَأ .. بل
ولا أن يتماسك دقيقة واحدة في هذه الحياة.
" لا إله إلا أنت
"؛ توحيد الله تعالى في ألوهيته، والإقرار بأنه
تعالى هو المألوه المعبود بحق لا شريك له .. كما تضمنت البراء من الشرك والشركاء
والأنداد .. " لا إله "؛ نفي وبراء .. وكفر
بالطاغوت والأنداد " إلا "؛ أداة استثناء تُفيد
الحصر والقصر " أنتَ "؛ فلا نكفرك ولا نتبرأ منك
ولا من عبادتك .. بل نوحدك ونعبدك ونعظمك .. لأنك المعبود المألوه بحق.
" خلقتني "؛
مرة ثانية اعتراف وإقرار بتوحيد الربوبية، المتضمن الإقرار بأن الخلق من اختصاص
الله تعالى وحده دون أحدٍ من خلقه .. وما دام الأمر كذلك فليس للمخلوق أن يلجأ فيما
يحتاجه إلا لمن خلقه وملكَه .. أما من لم يخلق .. وهو غير قادر على أن يخلق .. ثم
هو لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله .. من نواقض الإيمان وخوارم العقل
.. الحيدَة إليه في الملمّات، والسراء والضراء من دون الخالق
I.
" وأنا عبدك "؛ إقرار العبد بالعبودية .. وأن مقامه لا يتعدى
مقام العبد والعبودية .. ثم هو إقرار بأن هذه العبودية لا تُعطى ولا تُصرَف إلا إلى
الخالق سبحانه وتعالى .. والعبد دائماً هو في فقر وحاجة إلى خالقه وسيده.
فأنا أقصدك يا رب في السؤال والدعاء لأنك خلقتني " وأنا
عبدك " .. أمَّا من لا يخلقني، ومن لستُ عبداً له .. فلا أقصده بسؤال ولا
دعاء .. ولا ينبغي لي أن أقصده؛ لأنه أعجز وأضعف من أن يُقصَد في ذلك .. فهو لا
يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله .. ومن كان لا يملك لنفسه نفعاً ولا
ضراً .. فكيف يعطيه للآخرين .. ففاقد الشيء لا يُعطيه
)
وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لَّا يَسْتَنقِذُوهُ
مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ
(الحج:73.
" وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت "؛ أي أنا لا زلت على العهد
والوعد؛ فما قطعته على نفسي من عهد ووعد في أن أعبدك وأوحدك ولا أشرك بك شيئاً ـ يا
ربنا ـ فأنا لا زلت محافظاً عليه، فما غيرت ولا بدلت .. لكن " ما استطعت "؛ لأن
التقصير من طبعي كعبد .. فأنا مهما اجتهدت في العبادة لا يمكن أن أوفي بعض حقك
العظيم علي .. وحسبي أنني أبذل جهدي في توحيدك وعبادتك وطاعتك " ما استطعت ".
" أعوذ
"؛ أي ألوذ وأحتمي .. وأتقي.
" بك "؛
أي برحمتك، وعفوك، ومغفرتك، ورضاك.
" من شرِّ ما صنعتُ "؛ أي من شر
ونقمة الذنوب والمعاصي التي تُجلب عليَّ غضبك وسخطك .. فأنا أحتمي بك منك .. وألوذ
بك منك .. وأهرب منك إليك .. إذْ
لا مهرَبَ لي ولا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك .. فأنا ألوذ وأحتمي برحمتك التي وسعت
كل شيء .. والتي غلبت وسبقت غضبك .. من غضبك وسخطك عليّ.
" أبوء لك بنعمتك عليّ "؛ أي أقر وأعترف ببالغ نعمك العظيمة
علي التي لا تُحصى ولا تُجزَى.
" وأبوء لك بذنبي "؛ أقر وأعترف لك ـ يا رب ـ بذنبي ..
فإنني قد اقترفت ذنباً .. قابلتُ نعمك السابغة عليّ بالذنوب .. وهذا لا ينبغي ولا
يجوز، وليس من الشكر في شيء .. لكن ها أنذا .. جئتك ـ يا رب ـ مقراً بعظَم ذنبي
وجرمي .. كما أنني مقر ومعترف بعظيم فضلك علي.
توحيد .. وتعظيم وتمجيد .. وخضوع .. ثم إقرار بالفضل والنعم .. أتبعه إقرار واعتراف
بالذنب .. بعد كل ذلك جاء الطلب .. إذ ليس من الأدب أن يقتحم العبد الطلب والسؤال
قبل ـ ومن دون ـ أن يمهد بين يدي الدعاء والطلب بالتوحيد والتعظيم والتمجيد .. وحسن
المديح للخالق I.
ماذا تريد ....؟
" فاغفر لي " فتجاوز لي عن ذنبي، وعافني منه ومن آصاره وآثاره
في الدنيا والآخرة.
" فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت "؛ فلا يقدر أحد على غفران
الذنوب إلا أنت .. وبالتالي لا أقصد ولا أسأل أحداً في غفران ذنبي إلا أنت .. فأنت
وحدك ـ لا شريك لك ـ القادر على غفران الذنوب .. فاغفر لي ذنبي!
قال رسولُ الله صلى الله عليه
وسلم:"
من قالها من النهار موقناً بها، فمات من يومه قبل أن
يُمسي، فهو من أهل الجنة، ومن قالها من الليل وهو موقنٌ بها، فمات قبل أن يُصبح،
فهو من أهل الجنة " البخاري.
ثم بعد ذلك، لا تنس أن تختم الدعاء بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن كلَّ
دعاء محجوب حتى يُصلَّى على النبي صلوات ربي وسلامه عليه.
أعلمت الآن ـ يا عبد الله ـ لماذا هذا الدعاء سُمي بسيد الاستغفار ....؟
* * * * *
562- ظلم ذوي القربى!
الظلم شديد .. لكن أشده مضاضة على المرء؛ ظلم ذوي القربى؛ وذلك للأسباب التالية:
أولها: أن الأصل بذوي القربى أن يُلتمَس عندهم العدل، والرحمة، والوفاء ..
والنُّصرَة .. لا الظلم، والبغي!
ثانيها: ظلم ذوي القربى يتضمن نوعاً من الغدر والطعن في الظهر؛ إذ لا يتوقع المرء
أن يأتيه الظلم والطعن ممن وثق بهم، واستأمنهم على ظهره، وخاصة أمره .. فيكون ظلمهم
من هذا الوجه ظلم وغدر!
ثالثها: أنه ظلم يدخل إلى البيت؛ لا
سبيل للفكاك منه أو تجاهله .. وكما يُقال: مشكلة داخل البيت توازي مائة مشكلة خارج
البيت!
رابعها: ـ وهو أشدها ـ أنك لا تستطيع أن تنتصف لمظلمتك ممن ظلمك من ذوي القربى؛
لأن الانتصاف يعني في الغالب قطع الرحم .. وقطع ما ينبغي أن يوصَل .. وهذا شديد
جداً على المؤمن .. لذا تراه يؤثر الصمت والصبر على ظلم وأذى ذوي القربى، ولا أن
يقطعهم!
صدق من قال:
وظلم ذوي القربى أشد مضَاضةً . . . على النفسِ من وقْعِ الحسامِ المهنّد
* * * * *
563- عندما يتجرّأ الضعيفُ على السيّد القوي!
عندما يعتدي السيد القوي على الضعيف الفقير .. وتكون ضحايا اعتداءاته عشرات
الآلاف من الأبرياء .. فعدوانه يُكسَى بثوب العدالة والديمقراطية والإنسانية ..
والرحمة .. والكياسة .. واللباقة .. ثم هو سرعان ما يُطوى ويُنتسى وكأنه لم يكن!
بينما عندما يتجرأ الضعيف الفقير على السيد القوي بنوع اقتصاص أو انتصاف .. مهما
قلَّ .. تقوم الدنيا ولا تقعد لغضب وحرمات السيد القوي .. والجميع يُشارك في
الاقتصاص والانتصاف للسيد القوي من الضعيف الفقير أضعاف أضعاف ما بدر من الضعيف
الفقير .. ثم هم بعد ذلك يحولون مناسبة تجرؤ الضعيف الفقير على السيد القوي إلى
مناسبة وطنية .. يتجدد ذكراها في العام مرات ومرات .. ينوحون فيها على ضحاياهم ـ
التي هي في الحقيقة ضحايا عدوانهم وظلمهم وسياساتهم الحاقدة الطائشة ـ ويجددون فيها
العهد والعزم على مواصلة تجريم الضعيف الفقير، ومن ثم مواصلة الاقتصاص والانتصاف
منه .. لتكون له ولغيره من الضعفاء الفقراء عبرة وعِظة .. وحتى لا يتجرّأ ثانية على
التفكير بمد يده على السيد القوي الذي لا ينبغي أن يُسأل عما يفعل .. مهما انهالت
عليه يد السيد بالصفع والضرب!
ثم هم مع كل هذا الظلم والعدوان .. يزعمون زوراً أنهم ما حملهم على مواصلة العدوان
والإمعان في قتل الأبرياء من الضعفاء .. سوى حرصهم على قيم العدل والحرية
والديمقراطية والإنسانية .. وإنه لزعم ـ في ميزان الحق ـ أثقل على الحق من العدوان
نفسه!
* * * * *
564- المحقّق الجبان!
المحقق الجبان؛
أعني به ذاك الذي يخط اسمه على غلاف الكتاب بخطٍّ أكبر مما يخط به اسم مؤلفه ..
فيكتب ـ بالخط العريض ـ تحقيق وتخريج وتعليق فلان ابن فلان!
وعند التدقيق والمراجعة .. تجد تخريجه يقتصر على تخريج الآيات القرآنية وحسب .. وما
أسهل ذلك في زمن فشو البرامج الالكترونية .. وتجد تحقيقه وتعليقه يقتصر على السهل
الواضح ـ من نصوص وكلمات الكتاب ـ الذي لا يحتاج إلى تحقيق ولا تعليق .. بل تحقيقه
وتعليقه يُخرج النص من دائرة السهل الواضح المحكم إلى دائرة النص المتشابه الغامض
الصعب .. أما ما يستحق التعليق والتحقيق والشرح من نصوص وكلمات الكتاب .. فتراه
يتهرب منه .. ويغض الطرف عنه .. وكأنه لم يره .. أو أنه ليس من كلمات ونصوص الكتاب
.. فهذا هو المحقق الجبان؛ المتسلق على أكتاف وعطاء المؤلفين العظماء .. وما أكثر
هؤلاء الجبناء في هذه الأيام!
* * * * *
565- علامة أهل الحق.
من علامة الأعلام من أهل الحق .. أن الجميع ـ الناس بكل أطيافهم وانتماءاتهم
وتوجهاتهم ـ يرجع إليهم .. ويستدل بأقوالهم .. ينتصف لمظلمته وحقه بكلماتهم .. لما
يجدون عندهم ـ وفي كلماتهم ـ من عدل وحقٍّ وإنصاف .. لا يُجاملون ولا يُحابون فيه
أحداً .. فيظن الظان أن أهل الحق هؤلاء ممن يُداهنون ويُجاملون أهل الباطل على
باطلهم .. وإلا كيف تراهم يستدل أهل الباطل بهم وبكلماتهم .. وفاتهم أن الحق هو ما
أشرنا إليه.
فإذا علمت ذلك .. علمت لماذا الجميع يُقاتِل بعصا وكلمات شيخ الإسلام ابن تيمية
رحمه الله وغيره من أهل العلم الأعلام .. ولماذا الجميع يستدل لمظلمته وحقه ..
بكلمات وأقوال سيد الخلق، المبعوث رحمة للعالمين، صلوات الله وسلامه عليه.
* * * * *
566- هَلاَّ ترجَّل أحدُهما ..؟!
تعتذر شعوبنا في
عدم إقدامها على التضحية والبذل والعطاء من أجل التغيير نحو الأفضل .. بأن ليس لهم
قادة وعلماء يتقدمونهم في القيادة والتضحية .. ويقولون: إذا كنت إمامي فكن أمامي ..
ويعتذر القادة والدعاة بأنهم لو ترجّلوا، ونزلوا إلى الشارع .. تخلت عنهم الشعوب،
واستكانت، وتركتهم بمفردهم لمواجهة مصيرهم
بالقتل، والسجون،
والتهجير .. من دون أن يظهر من الشعوب ذلك الحراك أو التضامن المطلوب .. ويستدلون
لقولهم ببعض شواهد الواقع.
وللفريقين أقول:
حركة الحياة لا ترحم .. ولا تمهل .. ولا تتوقف لأحدٍ أو لفريق من الفرقاء .. وقد
طال الحوار والجدال .. والانتظار .. واستطار ظلم الطغاة الآثمين .. فهلاَّ ترجَّل
أحدكما .. لنرى مدى صدق الطرف الآخر في دعواه .. وأجره على الله .. إلى متى سنظل
نتقاذف التهم والمسؤوليات .. من يبدأ قبل مَن .. ومن يترجّل قبل مَن .. ومَن يُضحي
قبل مَن .. وكل فريق تراه يرمي الكرة والمسؤولية في مرمى غيره .. ليرفع عن نفسه
العتَب والمؤاخذة، والمسؤولية؟!
إلى متى ...؟!
* * * * *
567- مهارة العمل الجماعي.
من أعظم المهارات
التي يكتسبها الإنسان في حياته مهارة العمل الجماعي، ومهارة التعاون مع الآخرين على
الخير والبر والتقوى، كما قال تعالى:) وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ
وَالتَّقْوَى
(المائدة:2. ولما في العمل الجماعي الراشد من حسنات عظيمة ترتد على المجتمع
والناس بالخير الوفير .. ما لا يمكن أن يحصل عن طريق الجهد أو العمل الفردي
الأناني!
أعرف شيوخاً ودعاة
ورموزاً يتميزون بمهارات عدة إلا أنهم يفتقدون مهارة العمل الجماعي .. مهارة
التفاهم والتعاون مع الآخرين على قواسم مشتركة متفق عليها .. فأحدهم تراه لا يُحسن
العمل ولا الحركة إلا بمفرده .. ولو شاركه أحد في عمل من الأعمال ـ صغر أم كبر ـ
سرعان ما تظهر له كثير من العيوب .. والعورات .. لا تليق به كداعية!
فهو يريد أن ينزل
إلى الملعب بمفرده .. ويلعب بمفرده .. ويكون بمفرده الفريق والفريق المضاد ..
والحكم على الفريقين .. فهو اللاعب والحكم معاً .. تارة يقذف الكرة في هذا المرمى
.. وتارة يقذفها في المرمي المعاكس .. وقد خاب وخسر .. وثكلته الثواكل من يتجرّأ
على اللعب معه!
* * * * *
568- العَرَبُ بين جاهِليَّتين.
العربُ بين جاهلِيَّتين: جاهلية ما قبل الإسلام .. كانوا أذلاء .. متفرقين ..
متناحرين .. تافهين .. يتقاتلون ويتذابحون فيما بينهم من أجل ناقة .. فجاء الإسلام
.. فأعزَّهم الله تعالى به .. ورفع قدْرَهم وشأنهم .. وجعل منهم عمالقةً وعظماء في
جميع ميادين العلم والعطاء والخير .. فدان لهم ولدينهم الشرق والغرب .. وأصبحوا
بالإسلام أسياداً بعد أن كانوا عبيداً للعبيد!
ثم انتكسوا ثانية ـ إلا من رحم الله ـ فأجلاهم الشيطان عن إسلامهم .. سبب عزهم
ومجدهم وكرامتهم .. ومصدر قوتهم ومنعتهم .. فعادوا من جديد إلى الجاهلية
وأخلاقياتها .. وأجوائها .. كما هم عليه في هذا الزمان: أذلاء .. متناحرون ..
متفرقون .. تافهون .. ساقطون .. متخلفون .. ضعفاء .. الكل يسطو ويتطاول عليهم ..
ويتجرأ على صفعهم .. يتقاتلون فيما بينهم من أجل كرةٍ .. فكانوا بذلك أسوأ من سلفهم
الجاهليين الأوائل الذين تقاتلوا وسفكوا الدماء من أجل ناقة!
ما أتفَه هذا العربي العلماني الجاهلي عندما تراه يَتَمَنْطَع ويَتَمَشْدَق وهو
يُطالب بفصل الإسلام ـ دين الله ـ عن الحياة .. والسياسة .. وواقع الناس؟!
ماذا تساوي أنت ـ ومن لفّ لفيفك ـ من دون الإسلام ..؟!
انظر لنفسك ـ ومن لفَّ لفيفك ـ كم أنتم أذلاء .. وكم جلبتم على الأمة ـ التي تنتمون
إليها بأجسامكم ولغتكم، وتتبرؤون منها بأرواحكم وقلوبكم وتفكيركم ـ من ذل .. وضعف
.. وجهل .. وتخلف .. وتمزق .. وتفرق؟!
ما هي حضارتك .. وما هي ثقافتك .. وما هي مرجعيتك .. وما هو تاريخك الذي تتماجد به
.. من دون الإسلام؟!
أنتَ من دون الإسلام .. كورقةٍ هزيلةٍ أصابها العفَنُ والعطَب .. تتهاوى عن شجرة
عظيمة أصلها ثابت في أعماق الأرض، وفرعها ممتد ليُعانق السماء!
صدق الفاروق عمر رضي الله عنه إذ قال:" كنا في الجاهلية أذلاء، فأعزَّنا الله
بالإسلام، فإذا ما ابتغينا العزَّةَ بغير ما أعزَّنا اللهُ به، أذلَّنا الله ".
ولا أصدق شاهد على ما قال .. من واقع العرب في جاهليتهم المعاصرة التي يعيشونها ..
ولا ندري متى سيصحون منها .. نسأل الله تعالى أن يكون ذلك قريباً.
* * * * *
569-
عاطِفةُ المرأة.
من
الرجال من يُعِيبُ في المرأة عاطفتها .. وأنها عاطفية في قراراتها ومواقفها ..
وحياتها .. وفات هؤلاء أن أمهاتهم تحمَّلت ثقل الحمل بهم في بطونهن بسبب قوة هذه
العاطفة .. ووضعنهم وهناً على وهن بسبب هذه العاطفة .. وأرضعنهم وتحملن عناء وثقل
تربيتهم وتنشئتهم ـ إلى أن أصبحوا رجالاً ـ بسبب هذه العاطفة .. ولولا هذه العاطفة
لما كانوا ولا كانت الدنيا معهم .. ولولا هذه العاطفة الجيّاشة التي أودعها الله في
المرأة لخرجت كلمات " الحب، والعطف، والحنان، والرحمة " من مفردات المعاجم
والقواميس .. ومن ثم من حياة وسلوك الإنسان .. وما أقساها وأجفاها من حياة تلك
الحياة التي تخلو من هذه المعاني النبيلة!
وها
هي المرأة اليوم ـ إلا من رحم الله ـ لكي تثبت أنها غير عاطفية .. نراها تتكلّف
وتحمل نفسها حملاً على مقاومة فطرتها، وخصائصها الجميلة التي أودعها الله فيها ..
وأن تتشبه ـ من أوجه عِدة ـ بالرجال .. وخشونة وقساوة وجفاء وغِلظة الرجال ...
فحرمت البشرية بذلك من خير كثير .. وشقي الإنسان أو كاد أن يشقى!
بالله عليكِ يا أختاه عودي إلى عاطفتك التي عُرِفتِ بها .. ولا تحرمينا منها ..
فنحن ـ والبشرية كلها معنا ـ بحاجة إلى عاطفتك وعطفك وعطائك الذي لا يُحسنه إلا
أنتِ .. أكثر بكثير من الخشونة والغِلظة والجفاء التي تُحاكي بها طبائع وخصائص
الرجال ..!
* *
* * *
570- من مظاهر التقدم والتَّحضر.
عندما يتساوى روّاد المكتبات مع رواد المطاعم والمقاهي أو يزيد .. ويتساوى اهتمام
الناس بالكتاب والعلم مع اهتمامهم بالمطعومات والملبوسات أو يزيد .. فاعلم حينئذٍ
أن هؤلاء الناس فيهم خصلة من خصال التقدم والتحضّر، وهم يمتازون بعلامة بارزة من
علامات التقدم والتحضر .. وإذا كان الأمر على العكس من ذلك؛ تراهم يرتادون المطاعم
والمقاهي أكثر مما يرتادون المكتبات .. ويهتمون بألوان الطعام واللباس أكثر من
اهتمامهم بالعلم والكتاب .. فاعلم حينئذٍ أن بين هؤلاء الناس وبين التقدم والتحضر
بوناً واسعاً .. وأنهم واهتماماتهم في واد، والتحضر والتقدم في واد آخر، مهما كست
أجسامهم الريَش، والثياب المزخرفة والمفرقعة .. وظهرت عليهم آثار النعمة!
* *
* * *
571- ما يصعبُ عن طريق الرجال يسهل عن طريق النساء.
إن كانت لك حاجة عند ملِكٍ أو رئيسٍ، أو وزيرٍ، أو موظَّفٍ .. كان كبيراً أم صغيراً
.. ثم لم تتحقق لك .. ووجدت أبوابهم موصدة دون حاجتك .. فاطلبها عن طريق نسائهم
وزوجاتهم ـ إن استطعت ـ فسوف تُنجَز لك من غير تلكئ ولا تردد، ولا تأخر ..!
ثم
بعد ذلك يقولون: المرأة ضعيفة ..........!
* *
* * *
أزعم أنني متابع جيد لطريقة حياة الحيوانات، وطريقة تعاملها مع أبنائها .. فهي من
جملة العوالم والآيات التي أُمِرنا بالنظر إليها، كما في قوله تعالى:)
قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ
(يونس:101.
وقال تعالى:)
أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ
(الغاشية:17.
فوجدت أن حضانة أبناء جميع الحيوانات ـ المفترسة منها والأليفة .. البريّة منها
والمائية ـ هي من مهمة الأنثى، حيث يظل الأبناء محاطين برعاية وحضانة أمهاتهم إلى
أن يكبروا ويُصبحوا قادرين على مواجهة الحياة ومتطلباتها بمفردهم، ومستقلين عن
أمهاتهم .. هذه سنة ماضية في عالم البهائم والحيوانات لا يكاد يتخلف عنها حيوان ..
بينما الذكور منها؛ بعضهم المتعاون مع أنثاه على الحضانة .. وهذا يوجد في الغالب
بين الطيور .. وبعضهم الأناني الذي لا يكترث لرعاية وحماية أبنائه .. ولا يبذل أي
جهد في التعاون مع أنثاه .. فمهمته تنتهي عند وضع بذرته ثم يمضي .. وهم الجانب
الأكثر في عالم الحيوانات .. وبعضهم الذي يتحايل على أنثاه؛ ليفترس ويأكل أبناءه
إذا ما جاع .. كما هو الغالب في عالم السّباع!
هذا في عالم البهائم والحيوانات .. أما في عالم الناس؛ فإنه يوجد ـ وللأسف ـ من
الرجال ـ لغرض في أنفسهم ليس بريئاً ـ من يريد أن ينتزع الأبناء من أمهاتهم .. من
محاضنهم الآمنة الدافئة .. فتراهم يُزاحمون الأمهات على مهمة حضانة الأبناء ..
ويُطالبون بحضانة الأبناء لأنفسهم من دون الأمهات .. فتكون الحيوانات والبهائم ـ في
ذلك ـ أهدى منهم سبيلاً!
وفي الحديث فقد صح عن النبي
صلى الله عليه وسلم
أنه قال:" من فرَّق بين والدةٍ وولدها فرَّق الله بينه وبين أحبته يومَ القيامَة ".
* * * * *
573-
مشايخ الجماهير!
مشايخ الجماهير .. هم الذين يسيرون مع الجماهير حيثما ساروا .. وحيثما انعطفوا ..
وفي الاتجاه الذي شاءوا .. وفي أي وادٍ هاموا أو نزلوا .. وما أسهل هذا النوع من
المسير!
يهتفون إذا ما الجماهير هتفت .. ويصمتون إذا ما الجماهير صمتت .. وينتفضون
ويتظاهرون إذا ما الجماهير انتفضت وتظاهرت .. ويهدأون إذا ما الجماهير هدأت وسكنت
.. ويغضبون إذا ما الجماهير غضبت .. ويرضون إذا ما الجماهير رضيت!
الجماهير تقودهم .. لا هم يقودون الجماهير!
صفيق وصفير الجماهير عندهم غاية .. يتشوّفون، ويستشرفون لها المنابر .. وتشرئبّ لها
الأبصار والأعناق!
يعصون الحق من أجل الجماهير .. وعيون ورغبات الجماهير .. فمرضاة الجماهير ـ عندهم ـ
مقصد من مقاصد الفقه والدين .. وقد كذبوا!
قصائدهم دائماً في مدح الجماهير .. وفيما يطلبه الجماهير .. ويحبه ويميل إليه
الجماهير .. وفيما يجتمع عليه الجماهير .. هؤلاء هم شيوخ الجماهير .. وهؤلاء ليسوا
من خيار المسلمين .. وليسوا ممن قال عنهم النبي
صلى الله عليه وسلم:"
طوبى لهم .. قِيل من هم يا رسول الله؟ قال: الذين يُصلحون إذا فسد الناس ".
* *
* * *
574- الرجلُ الجبانُ الضَّعيف!
الرجل الجبان
الضعيف .. هو الذي تهزمه مشاكل الحياة خارج البيت .. فيضعف في مقاومتها ومواجهتها
.. فيفشُّ جام غضبه وانتقامه في مسكينته التي تنتظره في البيت ـ على أحر من جمر ـ
وكأنها هي سبب مشاكله وفشله وعجزه!
هو الذي يخفض ـ مكرهاً ومرغماً وضَعفاً ـ جناح الذل من الرحمة للناس خارج البيت ..
مُطأطئ الرأس والهامَة .. خافض الصوت والبصَر .. يوزّع البسمات ـ تكلفاً ـ على
الجميع .. يتملّق ويطري الجميع .. بما فيهم وبما ليس فيهم .. وإذا خاطَبَ جربوعاً
من الجرابيع قال له: يا سيدي .. فإن دخلَ على مسكينته في البيت .. تنفَّس
الصَّعَداءَ .. وهاجَ وماجَ .. وانتفَخَ .. وصَخَب .. وارتفع صوته .. وضغطه ..
وترطقت شفتاه ورجفت .. كجمَلٍ هصور هائج لا يقف لغضبه وهيجانه شيء .. وتناثرت شظايا
رذاذات لعابه من الغضب ـ يُمنةً ويُسْرةً، وفي كل حدبٍ وصَوب ـ كأنها رصاصات قاتلة
.. لينتقم من ذله خارج البيت بإذلال وقهر من تحته داخل البيت .. وكأنها هي سبب ذله
ومعاناته خارج البيت .. عساه ـ كما يُخيّل إليه ـ أن يسترد بعض ما سُلِب من كرامته
وعزته خارج البيت!
هذا
هو الرجل الجبان الضعيف .. وهم ليسوا قلة في هذا الزمان!
* *
* * *
575- لا تَتَزَبْزَبْ قبل أن تَتَحَصْرَم!
من الناس مَن يطيب له أن يَتزَبزب ويُصبح زبيباً قبل أن يَتحَصْرَمَ ويمر بمرحلة
الحصْرَمَة .. فيُطالب مَن حوله بأن يُخاطبوه بعبارات المشيخة والتفخيم والتعظيم
والأستذَة وهو دون تلك الألقاب بكثير .. وهو لا يزال طويلباً في مرحلة الحصْرَمَةِ
والنشوء .. ولكي يُقنِع من حوله أنه أصبح زبيباً ـ يستحق لقب الزَّبيب ـ فهو لا
يتورع من الإفتاء والخوض في المسائل الكبار .. والتوقيع عن رب العالمين فيما ليس له
به علم .. ثم الويل ـ بعد ذلك ـ لمن يتجرأ على ذكر اسمه من دون أن يُقدم بين يدي
اسمه أو من بعده .. بعبارة الشيخ أو العلامة .. إذ سرعان ما تُراه يغضب ويتكلم عن
أدب التعامل والتخاطب مع العلماء!
ومن
عادتي أنني ـ أحياناً ـ أمازح بعض الإخوان فأخاطبهم بعبارة " شيخ فلان أو الشيخ أبو
فلان "، إلا أنني مرة ناديت أحدهم باسمه مجرداً عن لقب الشيخ .. فنظرَ إليَّ نظرة
غضب وتعجب واستنكار، وكأنه يقول لي: أنسيت أنني أنا الشيخ فلان ...!
فقلت لنفسي: هذا ممن يريد أن يتزبزب قبل أن يَتَحَصْرَم .. فلا تُعنه على ذلك ..
ولا ينبغي أن يُعَان على ذلك .. حتى لا يصدق أنه زبيبٌ وهو في حقيقته لا يزال
حصرماً!
ما
أكثر الزبيب المغشوش في زماننا .. الذي لا يعدو الحصرمَ حقيقةً وقَدْراً ومكانةً!
* *
* * *
576- الشَّجَاعة والعَقل.
إذا انفردت الشجاعة بصاحبها أوردته موارد الهلَكَة .. وإذا انفرد العقل بصاحبه
أورده موارد التردد والإحجام في موضع يُستحسَن فيه الإقدام .. وأخَّره عن مواكبة
القافلة وهي تسير .. ورمى به في الحفر ذليلاً مدحوراً!
والكمال في أن تؤاخي الشَّجاعةُ العقلَ، فتنصتُ إليه تارةً، وينصتُ العقلُ إليها
تارة .. فإذا طغت الشجاعة عن حدها المحمود .. زَبَرَها العقلُ وألزمها الاعتدالَ ..
وإذا طغى العقلُ عن حدّه المحمود .. زبَرَته الشجاعة وألزمته الاعتدالَ .. وجرَّأته
على الاقتحام والإقدام .. وفي ذلك تتحقق المصلحة والسلامة معاً.
مصداق ذلك من سنة رسول الله
صلى
الله عليه وسلم،
قوله
صلى
الله عليه وسلم:"
ليس الشَّديدُ بالصُّرَعَةِ، إنما الشديدُ الذي يملكُ نَفْسَه عند الغَضَب " متفق
عليه. ولا يملك المرء نفسه عند الغضب إلا إذا جعل من عقله كوابح لشجاعته، ولنفسه
عندما تثور وتغضَب.
* * * * *
577- الغَضَب.
اعلم أن الغضَب ليس مذموماً على الإطلاق، ولا هو ممدوح على الإطلاق؛ إذ أن منه
المذموم، ومنه الممدوح .. فالغضب في الباطل، ومن أجل الباطل، أو الذي يحمل صاحبه
على الانتصار والانتصاف لحقه بالباطل .. والظلم والتَّعدي .. فهذا هو الغضب المذموم
الذي نهت عنه الشريعة .. كما في الحديث أن رجلاً قال للنبيِّ
صلى
الله عليه وسلم:
أوصني، قال
صلى
الله عليه وسلم:"
لا تغضَب "، فرددها مِراراً، قال:" لا تَغضَب " البخاري.
وقال
صلى
الله عليه وسلم:"
من قاتل تحت راية عُمِّيَّةٍ، يغضَبُ لعصَبَةٍ، أو يدعو إلى عصَبةٍ، أو ينصرُ
عصبَةً، فقُتِلَ؛ فقِتْلَةٌ جاهليّة " مسلم.
وقال
صلى
الله عليه وسلم:"
مَنْ قُتِل تحت راية عُمِّيَّةٍ، يغضَبُ للعصَبَةِ، ويُقاتِل للعَصَبَةِ فليس من
أمتي " مسلم.
إما إذا كان الغضبُ في الحق، ومن أجل الحق، والذي يحمل صاحبه على الانتصار
والانتصاف للحق بالحق، من غير إفراط ولا تفريط .. فهو غضبٌ محمود، ومطلوب، وضروري
لحياة الناس والأمم .. كما قال تعالى:)
وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ
(الشورى:39.
أي ينتصرون لحقوقهم ومظالمهم بالعدل، من غير ظلم ولا عدوان
)
إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ
(البقرة:190.
وكان النبي
صلى
الله عليه وسلم
إذا ما انتُهِكَت محارمُ الله أشدَّ الناس غضباً لمحارم الله، كما في الحديث عن
عائشة رضي الله عنها، قالت:" ما رأيت رسولَ الله
صلى
الله عليه وسلم
منتصراً من مظلمةٍ ظُلِمَها قط ما لم تُنتَهَك محارمُ الله، فإذا انتُهِك من محارم
الله شيءٌ كان أشدهم في ذلك غضَباً ".
وقد خرَجَ رسولُ الله
صلى
الله عليه وسلم
ـ ذات مرة ـ على أصحابه وهم يختصمون في القدَر، فكأنّما يفقأ في وجهه حبُّ الرمان
من الغضَب، فقال:" بهذا أُمِرتم أو لهذا خُلِقتُم تضربون القرآن بعضه ببعض، بهذا
هلكَت الأمم من قبلكم ".
ومما جاء في صفات أصحاب رسول الله
صلى
الله عليه وسلم
أنهم لم يكونوا متحَزِّقين ـ أي متفرقين في كتل وجماعات ـ ولا متماوتين، وكانوا
يتناشدون الشِّعرَ في مجالسهم، ويذكرون أمرَ الجاهليّة، فإذا أُريد أحدٌ منهم على
شيءٍ من أمرِ الله دارت حماليقُ عينيه كأنه مجنون!
ما أحوجنا في هذا الزمان إلى هذا النوع من الغضَب ـ الذي يعمل الطغاةُ على قتله في
الأمة ـ تتحصَّل به الحقوق .. ويُذادُ به عن الحرمات .. ويُحِقُّ الحقَّ، ويُبطِل
الباطلَ .. وتعود للأمة ـ بإذن ربها ـ عزتها وكرامتها.
* * * * *
578- ذكورٌ أم أزواج؟!
من الرجال من يفهم الزواج ويتعامل معه كنزوةٍ وشهوة .. وسطوة .. ثم بعد ذلك يمضي؛
لا يُبالي لحقوق ولا لواجبات شرعها الله تعالى .. ومنهم من يزيد على ذلك .. فيستعمل
ويستخدم زوجته في الخارج عند الأجانب لتأتي له بالمال، وتنفق عليه، وعلى بيته ..
فهي بالنسبة له لا تعدو عن كونها مشروعاً استثمارياً ربحه يغلب خسارته .. وإن كان
لها مال أو يأتيها ـ وأبناءها ـ مال من جهة من الجهات .. يسطو عليه بحجة القوامة ..
وأن التي تحته لا حرية لها في مالها ...!
وهؤلاء مذاكير .. وليسوا أزواجاً!
* * * * *
579- ظاهرة القراءة في المجتمعات العربية.
ظاهرة القراءة والإقبال على القراءة في المجتمعات العربية تُوصَف بأنها ضعيفة
قياساً إلى غيرها من المجتمعات .. وذلك ـ من وجهة نظرنا ـ لأوجه عدة:
منها: غياب الثقافة والبرامج، والمحاضن التربوية التي تُعزّز قيمة وأهمية القراءة
في نفوس الأبناء والأجيال، ومنذ مراحل الطفولة.
ومنها: عدم الاهتمام الرسمي الحكومي ـ ووسائل إعلامه ـ بتعزيز ثقافة القراءة لدى
الناس .. ربما لأن القراءة تفرز أجيالاً مثقفة واعية ـ صعبة الميراس ـ يصعب
اقتيادها والضحك عليها من قِبل حكومات جاهلة متخلفة.
ومنها: سوء الوضع الاقتصادي .. وسياسة التجويع التي يسلكها الطغاة مع الشعوب، والتي
تجعل الإنسان العربي مهموماً ومشغولاً ـ طيلة وقته ـ في كيفية تأمين قوت يومه
وأطفاله .. وأنَّى لجائع .. يتضوّر حوله أطفاله الجياع .. أن يهتم بالكتاب، وبشراء
الكتاب، ومن ثم يجد لنفسه الفرصة للقراءة!
ومنها: انعدام وجود الحد الأدنى من الحرية والأمان .. الذي يسمح للكتّاب والمؤلفين
بالإبداع، وأن يواكبوا ـ في مؤلفاتهم وموضوعاتهم التي يتناولونها ـ حاجيات
واهتمامات ومشاكل الناس .. وهذا بالتالي يُؤدي إلى فقدان ثقة الناس بالكِتَاب،
والكتَّاب، وما يكتبه لهم الكتَّاب .. فيضعف إقبالهم على الكتَاب .. ويضعف ـ مع
ضعفهم هذا ـ الإقبال على القراءة!
في كثير من الأحيان ـ كما في الأنظمة الديكتاتورية المتخلفة ـ يُعاقَب الإنسان
العربي لكونه مثقَّفاً واعياً أو قارئاً جيداً .. فيضعون بجوار اسمه نقطة سوداء،
ويُصبح ـ وكل من يقترب منه ـ مشبوهاً .. ومراقَباً .. وهذا أيضاً من جملة الأسباب
التي تحمل الناس على العزوف عن القراءة، والاهتمام بالقراءة!
كيف تريدون إنعاش ظاهرة القراءة في مجتمعات، يرى الشباب فيها في الجهل والعزوف عن
القراءة السلامة من ظلم واختطاف الطغاة لهم .. وأن في القراءة .. وطلب العلم ..
تهمة لهم قد يُؤخذون عليها بالنواصي والأقدام؟!
كثير من الشباب العربي يَعزف عن القراءة .. وبخاصة القراءة الراشدة النافعة ..
ليمارسوا عادات تافهة خاطئة .. بحجة أن القراءة تُجلب لهم وجعاً في الرأس ..
وتعرضهم لمشاكل هم بغنى عنها!
كيف تريدون إنعاش ظاهرة القراءة في مجتمعات .. الحكومات فيها تخاف من الكتَاب
الراشد النافع أكثر مما تخاف من كتيبة دبّابات تستهدفها .. وتحاربه ـ وتحارب صاحبه
ـ كما لو أنها تحارب عدواً يغزوها بجيش وسلاح ..؟!
كم من موقع الكتروني ملتزم بالكلمة النافعة .. يُثري الثقافة ويمدها بحبل من القوة
والحياة .. محجوب عن الشعوب في بلادنا .. وكم هي عدد الكتب التي يُمنَع من دخولها
إلى بلادنا .. ربما إدخال المخدرات أهون وأسهل، وأقل حرجاً على صاحبها من إدخال تلك
الكتب والمؤلفات؟!
كم من شاب دخل أقبية سجون الطغاة لسنوات طوال .. وفقد سنوات شبابه وعطائه في غياهب
السجون .. بسبب اقتنائه لكتَاب ـ وأحياناً لمقال ـ لا يروق للطاغية ولا لمخابراته
.. هذا فيمن يقتني الكِتاب .. فكيف بالكاتب ذاته؟!
أن يُكتَب في البقالات والمطاعم .. ممنوع التدخين .. فهذا أمر نتفهَّمه ..
ونتقبَّله ونستحسنه .. أمَّا أن يُكتَب فيها ممنوع الحديث بالسياسة والدين .. فهذه
مشكلة تستدعي الدراسة والمعالجة من قِبَل ذوي الشأن والاختصاص!
هذه الأسباب بمجموعها لها دور في ضَعف ظاهرة القراءة في المجتمعات العربية .. وضعف
إقبال الإنسان العربي على القراءة .. ولمن يريد أن يعالج هذه الظاهرة .. يجب عليه
أن يُعالج هذه الأسباب أولاً .. وإلا سنظل دهراً نتكلم عن مرض الظاهرة من دون أن
نضع لها العلاج النافع!
* * * * *
580- حِكَمٌ جادَ بها الخاطِر.
هذه بعضُ الحِكَم جادَ بها الخاطرُ على غير ميعاد ولا اتفاق، فأقول ناصحاً:
من يجهل التاريخ، لا يفقه الواقع، ولا يُحسِن التخطيط للمستقبل.
مَن لا يعرِف الشرَّ يقع فيه .. ومَن يجهل الحقَّ يُعاديه .. ومن لا يُخالِط الناسَ
لا يعرفهم.
لا تحكم على الناس من مظاهِرهم .. وإنّما من أعمالِهم.
تُعرَفُ قيمةُ الأشياء بمعرفة أضادها.
من لا يثق بنفسه لا يمكن أن يثق بالآخرين.
لا راحة ولا تقاعد للمسلم إلا في قبره.
لا تقل قد كبرت على العلم، فالعلم يُطلَب من المهد إلى اللحد.
اثنان لا يتعلمان: متكبر، وخجول.
من أفرطَ في الظنِّ أفسد عليه مَن حولَه، ومَن اجتنبَ كلَّ الظن سهل لدغه.
الصاحب ساحب .. فانظر من تُصاحِب .. وقل لي مع من تمشي أقل لك: من أنت.
مَن أكثَرَ العِتَابَ، خَسِرَ الأصحابَ.
ليس بصاحِبٍ من كان سريعَ الانقلابِ والتَّغيُّرِ على صاحبه .. إنما الصاحبُ من
أدام الصحبةَ، وأحسنَ إقالة العثرات، والتأويلِ لها.
الكرَم يُكثّر الأصحابَ، والبخلُ يكثّر الأعداء.
اتَّخِذ لنفسك في كل مدينةٍ وقريةٍ بيتاً، وذلك باتخاذك من كل مدينة وقرية صديقاً
وفيّاً.
البخيلُ إذا وجدَ مَن يَدفنه، فهو محظوظ.
ما أنفقتَ في سبيلِ الله فهو الباقي، وما ادَّخرتَ وأمسكتَ فهو الزائل.
ثلاثة لا تستشرهم: البخيل، والجبان، والكذّاب.
ليست المشكلة في أن تقع، لكن المشكلة في أن لا تنهض من وقعتك.
لا تتعاجَز فتعجَز، ولا تتمارَض فتمرَض، ولا تتجاهل فتجهل، ولا تتَكاسل فتكسَل، ولا
تتناوم فتنَم .. ولا تتواكَل فتندَم.
لتكن أمورك كلها وسَطاً؛ من غيرِ إفراطٍ ولا تَفْرِيط.
لا تُفرِط في الهمِّ والحزنِ .. فما تحزَن عليه اليوم تنساهُ غداً .. وما أهمَّك
اليوم يُفرَجُ غداً، بإذن الله.
إذا خُيرت بين أمرين فاخترْ أقربهما إلى الحق، فإن استويا في القرب من الحق، فاختَر
أيسرهما.
السَّفيهُ مَن لا يُحسِن تقديرَ عواقب الأمور .. ولا الموازنة بينها .. فيضع
الأمورَ في غير موضِعها الصّحيح .. ويُفسِد على نفسِهِ أبواب الخيرِ المُشْرَعَة
إليه.
تفاءل بالخير .. وتطلّع إليه .. واسعَ نحوه .. تجده بإذن الله.
أنت والهدَف الذي تضعه لنفسك، وتسعى إليه؛ فإن كان الهدف وضيعاً تبقى وضيعاً، وإن
كان الهدف كبيراً وعظيماً ـ تُصبح بإذن الله ـ كبيراً وعظيماً.
إذا ألِفتَ النَّومَ بين الحُفَر .. يَصعبُ عليك صعودُ الجبال.
على قَدْرِ العزمِ تأتي العزائمُ .. وعلى قدر الهِمَّة تصغرُ المهمَّة .. وعلى قدر
المأونة تأتي المعونة .. وعلى قدرِ البلاء يتنزّل الصبر .. وأجملُ الصبر عند
الصَّدمةِ الأولى .. والصبرُ كله جميل.
من تَعِب في الصّغَر استراحَ في الكِبَر .. ومن استراح ولَهَا في الصِّغَر تعِبَ في
الكبر .. وما تزرعه في الصّغر تحصده في الكبر.
من تمكّن اليأس منه، حكَم على نفسه بالإعدام.
لا تقلْ تأخرت، قد فاتني قطار الحياة .. فلئن تصل متأخراً خير من أن لا تصل أبداً.
مَن يسْتَسْهِل الصَّعبَ يَسْهُل عليه، ومَن يَسْتصعب السَّهلَ يَصعب عليه.
أن تعيش عاصياً ثم تموت على توبة، خير من أن تعيش طائعاً ثم تموت على معصية.
مهما كان العمل كبيراً، بدايته خطوة .. فابدأ هذه الخطوة، ولا تُكثِر من التردد.
يوجد مهندسون ومصلحون للطرق والمباني، والعمارات، والأشياء .. أشرفهم الذين يهندسون
ويُصلحون العقولَ والسلوكَ؛ وهم العلماء.
مَن ناظرَ في مجلِسِ ريبةٍ، كتمَ الحقَّ، وأعانَ على ظهورِ الباطلِ.
من لا يأنَس بالله .. لا يأنس بشيء .. ومن لا تعظُهُ كلماتُ الله لا يَعِظُه شيء.
قلبٌ لا يَذكرُ الله، قلوبُ الوحوشِ خيرٌ منه.
مَن كان يخافُ اللهَ، لا تَخَفْ مِنه.
الإلحاد يُورِث الخوفَ والقلَق .. والركون إلى الدنيا يورث الذل .. والسكوت عن الحق
يُورث الطغيان .. ومسألةُ الناسِ تُورِثُ الفقرَ .. والجَهل يُورِثُ كلَّ عيب.
كما لا تغفل عن غذاء جسدك، فلا تغفل عن غذاء روحك، وعقلك.
من جعل من يومه ساعة للرياضة، وصام من أسبوعه يومي الإثنين والخميس، لا يعرف المرض
سبيلاً إلى جسده.
لا تغفلْ عن القراءة .. ولا عن التفكّر .. فيضمر عقلُك.
لا تنسَ الله، وأنت الفقير إليه .. فينساك وهو الغني عنك.
إن غلبتك نفسك على المعصية، فاغلبها أنت على التوبة والاستغفار.
لا تُرضِ الناسَ بسخطِ الله، ولا تعمِّر دنيا غيرك بخراب آخرتك .. فالمجنون هو الذي
يفعل ذلك.
مرضاةُ الناس غاية لا تُدرَك، فلا تُهلِك نفسك ووقتك في طلبها.
لو خفتَ الخالِقَ، لما خفتَ المخلوقَ .. والخوفُ من المخلوقِ من خوارِم الدين
والإيمان.
اعتبارُ الأسبابِ عَقلٌ ودِينٌ .. وتعلّقُ القلبِ بها شِركٌ يُنَافي اليقين.
ليست الشَّجاعةُ في أن تُلقي بنفسَك إلى التَّهْلُكَةِ .. ومِن غيرِ طائلٍ يُذكَر
.. وإنما الشجاعة في أن تنالَ من العدوّ أكبَرَ قدْرٍ ممكن قبل ـ أو من دون ـ أن
ينالَ مِنْك.
ليس بحكيمٍ من لا يُعاشِر قوماً بالمعروف ـ فيُداريهم ـ لا بد له من معاشرتهم ..
إلى أن يجعلَ الله له فرجاً ومخرَجاً.
لا تُصاحِب لجوجَاً، ولا سريعَ العطَبِ والإنقلاب .. فإنه سرعان ما يهجوكَ، وينسى
فضلك.
في قتال الفتنة اتَّخِذ سيفاً من خشَبٍ .. وكن ابنَ آدم المقتول لا القاتل.
مَن أفشَى سِرَّه للآخرين، وقعَ في عبوديتهم.
مَن حافظ على سِرِّه، كان سيدَ نَفْسِه.
المؤمن يخاف من معصيته أكثر مما يخاف من عدوه.
إن هانت عليكَ حسناتك، فاهجُ قبيلةً بأكملها.
إذا أردت أن تزداد من الله قرباً، فازدَدْ من السلطان الظالم بعداً.
مَن كثَّرَ سوادَ الظالمين فهو منهم .. ومَن وقّرَ صاحبَ بدعةٍ .. فقد أعان على هدم
الإسلام من حيث لا يدري.
الصغائر ـ مع الاستخفاف ـ بريد إلى الكبائر، والكبائر ـ مع الاستخفاف ـ بريد إلى
الكفر، والكفر بريد إلى النار.
مَن تدخَّل فيما لا يعنيه، طاله ما لا يُرضِيه .. ومن أتى الأشياء من غير أبوابها
أفسدها، ورُجِم، ولو كان من الصادقين.
إذا أردت أن يحترمك الناسُ فاحترمهم .. وإذا أردت أن يُكرموك فأكرمهم .. وإذا أردتَ
أن يفتحوا لك أبوابَهم .. فافتَحْ لهم بابَك.
تواضَع للحقِّ، ولو جاءكَ من صغير .. يرفعك الله.
الجماعةُ ما وافق الحق، ولو كنتَ بمفردِك.
لا يُعرَفُ الحقُّ بموافقة كثرة أو قِلّة، وإنما يُعرَفُ بموافقة الكتاب
والسُّنَّة.
الحقُّ يُؤخَذ ولا يُستجْدَى .. واستجداءُ الحقِّ امتهانٌ له، واعترافٌ بشرعيّة
الباطلِ، وبسيادته على الحق.
الاعترافُ بشرعيَّة الباطلِ، باطلٌ .. وهما في الوزرِ سواء.
الاستجداءُ كلُّه مذمومٌ .. أسوأه استجداءُ الشّعوبِ حقوقها من الطغاة الظالمين.
ما أُخِذَ بالقوَّة لا يُسترَدُّ بالاستجداءِ، والإرتماء على العتَبَات.
ضريبة العِزَّة مهما تعاظَمَت فهي أقل بكثير من ضريبة الذُّلِّ .. والشيطانُ
يُحاولُ دائماً أن يُظهِرَ العكسَ.
تسَلّط الطغاةِ من ذنوبِ شعوبهم .. وأيما شعب يريدُ أن يتحرَّرَ من هيمنة
الطُّغاةِ، عليه أن يتحرَّرَ ـ أولاً ـ من الذنوب التي مكَّنَت للطغاة.
العفو عندَ المقدرة مِنَّةٌ، وشَرفٌ، وعِزٌّ .. والعفو عندَ الضَّعفِ والعجزِ ذِلٌّ
وخزي.
الكلمة الطيبة .. والبسمة الصادقة .. خيرٌ من صدقةٍ يتبعها أذى.
الحبُّ الصادق المخلص مفتاحٌ للقلوب المؤصدَة.
عقوبة العاق لوالديه أقرب إليه من شِراكِ نعلِه.
عاقبة الظالم وخيمة .. ومحتّمَة .. ولو بعد حين!
إنْ خُيّرتَ بين أن تكون ظالماً أو مظلوماً .. فكُنْ عبدَ الله المظلوم، فهذا خيرٌ
لك.
فأنت تساوي وقتك، ووقتك يُساويك .. ويحدد قيمتَك.
عندما تبيع وقتَك للآخرين، يعني أنك تبيعُ نفسَك للآخرين.
قد أعزَّك الله بالتوحيد، فلا تذلّ نفسكَ بالشّرك.
القناعة كنز لا يفنى، ولكي تُحافظ عليه فانظر إلى من هم دونك في النّعَم.
حافِظ على النِّعَم بشكرِها، وشكرُها يكون من جنسِها.
كما لا تسمح أن يُقذَف في بطنك رديء الطعام، فلا تسمح أن يُقذَف في رأسك رديء
الأفكار.
من أدمنَ النَّظر إلى مُستقبَح، فسُدَ عليه مزاجه.
مَن هانَ عليه الاعتذار .. لا تُشارِكْهُ في عمَلٍ.
مَن كَثُرَت طلباتُه وتعلّلاته، قَلَّت أعمالُه، وضَعُفَ عطاؤه.
مَن سرّته السيئة، وساءته الحسنة، فهو من أموات الأحياء.
لا تدَعْ الحقدَ يستولي عليك، فيمنعك من إنصاف الحق، والإنصات إليه.
الوقاية خير من العلاج، ومن قبل قيل: درهمُ وقاية، خير من قنطار علاج.
درهَمٌ يُنفَق عن فقر وحاجة، يسبقُ مائة ألف درهم يُنفَقُ عن غِنى.
يطلبُ الناسُ العُلا عن طريق الاقتداء بالقادة والعظماء، فأنت اجعل محمداً
صلى
الله عليه وسلم
أسوتك وقدوتك تعلوهم جميعاً.
الطاعةُ صبرُ ساعةِ، والمعصية ذلٌّ إلى قيامِ الساعة.
أقصَرُ الحبالِ ـ مهما بدا طويلاً ـ حبلُ الكذِب .. وأضعَفُ الحبالِ ـ وإن بدا
متيناً ـ حبلُ الكذب .. وعاقبةُ الكذبِ وخيمةٌ، ولو بعد حين.
ما انتصَرَ عبدٌ بالكذبِ إلا وهُزِم .. وما انتصَرَ عبدٌ بالصِّدقِ إلا ونصَرَه
الله.
يأبى اللهُ أن يَضع القبولَ في الأرضِ إلا لأوليائه المخلصين .. والمنافق مهما
تجمهرَ حوله ـ في مرحلة من المراحل ـ المتجمهرون، وتكاثروا، فمآله إلى بغضٍ وسخط.
اللصوص كُثُر، وهم أنواعٌ .. أسوأهم الذين يكتمون الحقَّ؛ فلا يبينونه للناس.
صنفان من الناس إذا فسدا، فسدَ الناسُ .. وإذا صلُحا، صلُحَ الناسُ: العلماءُ،
والأمراء.
الولاية تتحقّقُ بتحقيقِ المتابعةِ للسنَّةِ، والجهادِ في سبيل الله، والإخلاص ..
فمن نشد الولايةَ عن غير هذه السّبُلِ، فهو ضالٌّ .. ونجومُ السماء أقربُ إليه
منها!
المذهبُ الصَّحيح في اتباع الدليل الصَّحيح .. ومَن تديَّنَ بزلات أهلِ العلمِ
تَزَندَقَ، أو كَاد.
جُعِل لك أُذنان وفَمٌ واحد، لتستمع أكثر مما تتكلم .. فأنصِف أذنيك ـ وآذانَ من
حولك ـ من فِيك .. واعلم أن مَن كثر كلامُه كثر لغطه وخطؤه.
لا تستر عيوبَك بمحاسن آبائك .. ولا تقل كان أبي، وقل ها أنذا.
لا تذلّ نفسَكَ باستشرافِ البلاء، لكن إذا نزلَ بساحتك فاصبر، واسأل اللهَ
العافيَةَ.
ليس الماهر الذي يسعد بالسعادة، وإنما الماهر الذي يجعل من حالات الشقاء والبلاء
سعادة.
كثيرون هم الذين يُبدِعون الشَّقاء، وقليلون هم الذين يُبدِعون السَّعادة.
كيف تسْعَد، وكيف تُحدِث من لا شيء سعادة .. فنٌّ لا يُتقنه إلا المهرَة المبدعون.
الحقودُ لا يعرف طعمَ الراحة والسَّعادة، ولو اجتمعت له أسبابُ السعادة كلها.
مواجهة الخطأ، خير من الهروب منه، وعدم الاعتراف به.
من علامات سوءِ الطويَّة، عدم الاعتراف بالخطأ .. والخطأ يَصْغرُ مع الاعترافِ
به، ويَكبرُ مع إنكاره وجحودِه.
مَن رَضي شيئاً كان كفاعلِه، وإن لم يَشْهَدْهُ .. فاحذَر أن تقع في الذنوب
والمعاصي، وتكسَب أوزارها، لمجرد رِضاكَ بها.
يُحشَرُ المرءُ مع من أَحَبَّ .. فاحرِصْ أن لا تُحِب من تُسيئكُ جيرَتُه يوم
القيامة.
الفراغ داءٌ، إن لم تقتله بما ينفَع، قتلَك بما هو ضار.
نوِّع في حياتِك .. يتنوَّع عطاؤك، ويتجَدَّد.
لا تطْلُب النِّزالَ فتُهْزَم .. لكن إذا دُعيتَ إليه فترَجَّل.
إذا اجتمع فيك فراغٌ، ومال، وصحّة .. اجتمعت عليك شياطين الأرض.
إذا داهمتك الشهوات، فاهزمها بذكر الموت؛ هازم اللذات.
تأمَّلتُ الشَّهواتِ التي يُؤتَى منها الإنسانُ، فوجدتُ أشدَّها عليه شَهْوة حُبِّ
الشَّرفِ والرِّياسَةِ والزَّعامة .. ولا يَسْلَم منها إلا من سلَّمه الله.
لا تدَعْ عملَ اليومِ إلى غدٍ، فقد لا تعيش إلى يوم غد .. واعلم أن للّيل أعماله،
لا يُقبَل أن تُؤتَى في النهار، وأنَّ للنهارِ أعماله لا يُقبَل أن تُؤتَى في الليل
.. وأحبُّ الطّاعاتِ إلى الله تعالى أدومها .. والتي تُنجَز في وقتها.
علاقَةُ العبدِ مع ربّه قائمة على الرّضا المحض .. والاستسلامِ المحض .. بينما
علاقته مع عباد الله؛ منها القائم على الرضا، ومنها القائم على السخط والبغض، بحسب
قربهم من مرضاة الله، أو بعدِهم، وبحسب موافقتهم لمرضاة الله أو مخالفتهم.
التأسّف عن فعلِ الله اعتراضٌ، وتعقيبٌ، ومنافاة للعبودية .. وخروجٌ عن الأدَب ..
والتأسّف عن فعلِ العباد، فحقه حقٌّ، وباطله باطل.
التأسّف عن الحق؛ تجريمٌ للحقّ وتقبيحٌ له .. وإحقاقٌ للباطل وتحسينٌ له .. يفعلُ
ذلك من كان على حقٍّ ثم تأسَّف عنه.
لو اطَّلَعت على الغيبِ لرضيتَ بالواقِعِ، واستكثَرتَ منه .. فلا تسخطَنَّ بلاءً
نزلَ بساحتك، لا تدري الحكمةَ منه .. قد يجعلُ اللهُ لك فيه خيراً كثيراً.
كم من حرَكَةٍ تكرهها؛ لمخالفتها للمألوف .. ثم بعد ذلك ترضاها، وتحمد الله عليها
)
وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ
شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ
(البقرة:216.
صلِّ كمودّع .. واعمَل كمودّع .. ونَمْ كمودِّع .. وعِش حياتك كلها كمودِّع ..
تسلَم في دينك، ودنياك، وآخرتك.
لا شيء يُكثّر الحسَنات كحُسنِ النيّة، والإخلاص.
مُتابعة النيَّة ومراقبتُها أشدّ على الصّالحين من إزالة الجبال.
* * * * *
581- ... يتبع في الصفحة التَّالية إن شاء الله.
572- الحضانة عند الحيوانات.
يخافون ويهابون الجماهير .. وغضب الجماهير .. وأن ترجمهم
الجماهير .. أكثر من غضب رب العالمين .. ويستشرفون رضا الجماهير أكثر من رضا رب
العالمين.