في ظلال الكعبة
21كانون22006
محمد المجذوب
في ظلال الكعبة
محمد المجذوب
سـعـيـدٌ أنـا في ظلالِ أحـسُّ بـجـسـميَ فوق الأثيرِ فـلا عـجـبٌ أن يموتَ البيانُ .. أكـادُ أرى (هاجَراً) والصغيرَ فـتَـجـري هـناك وتَعدو هنا تـفـتـش عـن جـرعـةٍ تنقذُ وقـد أوشـك الـيـأسُ يجتاحُها ولـكـنَّ ربَّـك لـم يَـنـسَـها فـذلـك جـبـريلُ يَحبو الثَّرى يـمـسُّ بـقـادِمـتـيهِ الترابَ وهـا هـي ذي زمـزمُ لا تزال * * * .. وألـمـح ثَـمَّ أبـا الأنـبياء يُـقـيـم قـواعـدَ هـذا البناءِ ويـؤمـرُ إذ يـنـتهي أن يُذيعَ فـيـهتفُ في الناس: هذا المُقامُ فـتـنـداحُ صيحتُه في السهولِ ويـأتـيـه سـعياً وفوق المُتُون * * * .. وأُبـصرُ "أبرهةً" في الجيوش يُـطـاوِلُ بـالـكـبرياءِ النجومَ يـسـيـر إلـى مـكـةٍ مُنذِراً ويـيـأس "شـيـبـةُ" مِنْ حَولِه دعـوا الـبـيت وانجوا بأنعامِكمْ سـيَـحـمـيـه منهم غداً مثلَما .. وفـرَّ عـن الـبـيتِ حُرَّاسُه وحـاوَل ذو الـفـيـلِ تسييرَه عــلــى أنـه كـلـمـا ردَّه وجـاء الـقـضـاءُ بـأجـنادِهِ فـراحـتْ تَـصُـبُّ مـناقيرُها ومـا هـي إلا الـهنيهاتُ حتى * * * وتـمـضـي المشاهد حتى أرى يـنـاديـ: إلى الله يا ضائعون وعـن كَـثَـبٍ ندوة المشركينَ وتــرمـي بِـلالاً وإخـوانَـه يـريـدون مـنـهـم ولو لفظةً فـلا يـسـمـعون من المؤمنينَ كـأنـي بـآذانـهـم كـلـمـا وألـسُـنـهـمْ كـلـما رُوْوِدَتْ وتـهـتـفـ: "بـل أَحَدٌ أحد" * * * .. ويـنـطـلـق الرُّوح في مَدِّهِ فـأشـهـدُ عـودَة خـيرِ الأنامِ وق_ــد ذلَّ_ـل اللهُ أع_ـداءَهُ يـقـول لـهم: ما تظنونَ بي؟.. ألـسـت الـجوادَ الذي لا يَزال أخٌ فـوقَ مـا قـد عَهِدنا الإخاءَ فـيـرسـلُـهـا بُشرياتٍ سرتْ ألا فـاذهـبـوا.. أنـتم الطُّلقاءُ .. ويُـومي لرمزِ الضلالِ الذي فـتَـهـوي الطواغيتُ من فوقهِ كـذلـك يـعـلو بناءُ الأباطيلِ ويُـزجـي بـلالٌ نـشيدَ السماءِ ولـكـنَّ "عتَّابَ(1)" والحائرينَ أعـبـدُ أمـيـةَ نـسلُ السوادِ ولا ريــبَ أن امــرءاً آثـرَ ويَـهمسُ وابنيْ هشامٍ وحربٍ(1) وقـد حـسِـبـوا أنـه قد ثَوى ولـكـنـهـم فـوجـئوا بالنبيِّ يُـنَـبِّـئـهـم بـالـذي غَيَّبتْ فـلا يـسـتـطـيعونَ رداً وقد * * * .. ووافـى "فَـضـالةُ" مستخفياً يُـمـنِّـي "مَـنـاةَ" بـألاّ يعودَ وأطـمـعَـه أنْ رأى المصطفى فـأحـكـمَ قـبضتَه في الحُسامِ وهـمَّ ولـكـنْ سـرتْ رِعـدةٌ ولـمـا أتـمَّ الـرسولُ الصلاةَ وأدنـاه يـسـألـهـ: مـا بهِ؟ فــمـدَّ إلـى صـدره راحـةً وعـاد (فَـضـالـةُ) في غَمرةٍ ولـيـس أحـبُّ إلـى قـلـبهِ فـفـي لـحـظةٍ طَهُرت روحُه ويـعـبـرُ بـامـرأةٍ طـالـما فـتـهـتـفُـ: هـيّا إلى شأنِنا تَـنَـحَّـيْ فـبالحقِّ ثاب النُّهى ولـن يـنـكأ الإثمُ جرحاً أُمِرَّتْ ولـن يـقربَ الغيُّ صدراً أضاء * * * .. وأمضي وأمضي، ولولا الأذانُ فـلـيـت مـواكـبَـها لم تَكُفَّ ولـكـن حـبـيبٌ نداءُ الصلاةِ | الحرَمْفـلا تـسـألـوني بماذا؟ وقـد شـفَّ بل خفَّ حتى انعدَم ويـعـيـا بـوصف رُؤايَ القلم يُـروّعُـه الـظـمـأُ الـمحتدِم وفـي سـمـعِها صرخاتُ الألم الـولـيـدَ وتطفئ بعض الضَّرَم فـتُـسـلـمُ ذا ثـديـهـا للعَدَم وأدركَـهـا بـجـزيـلِ الـنِّعَم بـرِيَّ الـنـفـوس وبُرء السَّقَم فـيـدفُـقُ بـالـعذب حتى يَطِم إلـى الـيـوم والـغدِ وِردَ الأمم * * * وبـيـنَ يـديـه فـتـاه الـعَلَم وقـد خـطَّطَ الرسمَ باري النَّسَمْ عـلى الكونِ بشرى الذي قد أتَم الـذي شـاء ربُّـكـمُ أن يُـؤَم وخـلـفَ الـبـحارِ وفوقَ الأكَم أُولـو الـحـظِّ من كل فجٍّ ويَم * * * ومـن تـحـته الفيلُ طَوداً أشم ويـحـسـب في قبضتيهِ السُّدُم بَـنـيَّـتَـهـا بـالـبلاءِ الأعَم ومَـن حَـولَـه فـيـنادي: هَلُم فـبـيـتُ الـمـهيمنِ لا يُقتَحَم حـمـاه عـلـى الدَّهر منذُ القِدَم سـوى واحـدٍ عـيـنُـه لم تَنَم إلـى مـكـةٍ فـأبـى وانـهزم إلـى غـيرِها خفَّ، لا بل هجم مـن الـطـيرِ كالقسطلِ المُدلَهِم عـلـى الـظـالمين رجومَ النِّقَم اسـتـحال الغُزاةُ كعصفٍ هُضِم * * * إمـامَ الـنـبـيـينَ يمحو الظُّلَم ومـن يَـتَّـبِـعْ هَـديَه لم يُضَم تَـحُـوك لِـحَربِ الحبيبِ التُّهَم مـن الـقـارعـاتِ بسيلٍ عَرِم تـسـجِّـل نصراً لحزب الصَّنَم سـوى مـا يضاعفُ تلك الحُمَم! دعـاهـا الطغاةُ اعتراها الصَّمَم عـلـى الكفرِ أفضى إليها البَكَم فـتُـصـغي البِطاحُ وتهفو القِمَم * * * إلـى عـالـمٍ قـبـلـه لم يُرَم إلـى هـا هـنا في ليوثِ الأجَم فـلـيـس لـهـم دونه مُعتصَم فـيَـضـرَعُ كـلُّـهـم في ندم: يُـقـابـل زلاتِـنـا بـالكرم! وفـاءُ وبِـرّاً بـحـق الـرَّحِم بـسـمـعِ الزمانِ كأشهى النَّغَم: ولا تـجـزعوا.. لستُ بالمنتقم عـلـى الـبيت منذُ "لُحَيٍّ" جَثَم مـنـكَّـسـةً بـعـد ذاك العِظَم حـتـى إذا الـحـقُّ جاءَ انهدَم بـأعـلاه عَـذبـاً يَـهُزُّ الأصم يَـرَون بـذاك انـتـهاكَ الحُرم عـلا الـبيتَ!.. يا لَلبلاءِ العَمم! الـحِـمـامَ عـلـى هذهِ لم يُلم! حـديـثـاً يَـفـيضُ بمثلِ اللَّمَم بـأعـمـاقِـهـم حيث لا مُقتَحَم يُـمـيـط الـلـثامَ عن المُكتتَم صـدورُهـم مـن رهيب الكَلِم دَرَوا أنـه الـحـقُّ مـن ربهم * * * ويُـخـفـي وراء الرداء الخَذِم إذا لـم يـخـضِّبه من خيرِ دم! نَـجـيَّ الإلـهِ لَـدَى الـمُلتَزَم وراحَ يُــراقـبُـهُ مـن أمَـم بـه تـتـلاشـى لـديـها الهِمَم تـطـلـعَ فـي وجـههِ وابتسم فـلـم يـبـدأ الـرد حتى وَجَم بـلـمـسـتـهـا كم شَقاءٍ حَسَم مـن الـوَجـدِ فوق مجالِ الحُلُم مـن المصطفى بعدَ مُحيي الرّمَم! فـلـيـس لها في سوى الله هَمّْ غَـزَتْ قـلـبَـه قـبلَها فانهزم ويـهـتـفُ: يأبى الهدى والشَّمَمْ وبـالـنـور ليلُ الضلالِ انحسَم يـدا أحـمـدٍ فـوقَـه فـالـتأم جـوانـحَـه حـبُّ خـيرِ الأمم * * * تـوالـتْ رؤاي فـلـم تَـنفصِم وأحـلامَـهـا البيضَ لم تنصرم ولا سـيـمـا فـي ظلالِ الحَرَم | ولمْ؟
الهوامش
(1) عتاب بن أسيد.. والحارث بن هشام.. وأبو سفيان بن حرب.