أكثم بن صيفي
(خطبته بين يدي كسرى)
حكيم العرب في الجاهلية، وأحد المعمرين الذين أدركوا الإسلام.
قصد المدينة في مئة من قومه يريدون الإسلام، فمات في الطريق سنة 9هـ/630م.
كان من الخطباء البلغاء، والحكّام الرؤساء، يضرب فيه المثل بأصالة الرأي ونُبل العظة، وتروى له طائفة من الحكم السديدة، والوصايا البليغة، والخطب القوية.
وكان في مقدمة الوفد الذي أرسله النعمان بن المنذر إلى كسرى، وألقى بين يديه الخطبة التالية:
"يجتمع في المثل أربعة لا تجتمع في غيره من الكلام: إيجاز اللفظ، وإصابة المعنى، وحسن التشبيه، وجودة الكناية،
"إن أفضل الأشياء أعاليها.
وأعلى الرجال ملوكها.
وأفضل الملوك أعمّها نفعاً.
وخير الأزمنة أخصبها.
وأفضل الخطباء أصدقها.
الصدق منجاة.
والكذب مهواة.
والشر لجاجة(1).
والحزم مركب صعب.
والعجز مركب وطيء(2).
آفة الرأي الهوى.
والعجز مفتاح الفقر.
وخير الأمور الصبر.
حسن الظن ورطة.
وسوء الظن عصمة.
إصلاح فساد الرعية خير من إصلاح فساد الراعي.
من فسدت بطانته كان كالغاص بالماء.
شرّ البلاد بلاد لا أمير بها.
شرّ الملوك من خافه البريء.
المرء يعجز لا المَحالة(3).
أفضل الأولاد البرَرَة.
خير الأعوان من لم يُراء بالنصيحة.
أحقّ الجنود بالنصر من حسُنت سريرته.
يكفيك من الزاد ما بلّغك المحلَّ.
حسبُك من شرٍ سماعه.
الصمت حُكْمٌ(4) وقليل فاعله.
البلاغة الإيجاز.
من شدّد نفّر.
ومن تراخى تألّف"(5).
فتعجب كسرى من أكثم، ثم قال:
- ويحك يا أكثم، ما أحكمك وأوثق كلامك، لولا وضعُك كلامك في غير موضعه.
قال أكثم:
- الصدق يُنبئ عنك، لا الوعيد.
قال كسرى: لو لم يكن للعرب غيرك لكفى.
قال أكثم: رُبّ قولٍ أنفذُ من صَول(6).
الهوامش:
(1) أي أصله اللّجاجة، وهي تماحك الخصمين وتماديهما.
(2) ليّن سهل.
(3) المحالة: الحيلة.
(4) الحكم: الحكمة.
(5) تألّفه: استماله.
(6) صالَ عليه صولاً: هجم عليه وسطا ليقهره.