شهيد
عمر أبو ريشة
"ألقيت في الحفلة التذكارية في حماه ودمشق للشهيد البطل سعيد العاص الذي استشهد في
جبل النار في فلسطين".
نـام فـي غـيب الزمان الماحي جبل المجد والندى iiوالسماحِ
أسـكـرتـه أجـيالُ نعمته البكرِ بفيض الأعراسِ iiوالأفراحِ
حـيـن أنـفـاسـه تـموج على الكون بعبق النبوّة iiالفوّاحِ
وتـرفُّ الـحـيـاةُ فـيه على آثار عيسى من غدوةٍ iiورواحِ
بـسـمـةٌ لـلـنعيم مرَّتْ وأبقتْ ما يبقّي السكير في الأقداحِ
فـتـمـشَّـتْ عـلـيه دُهمُ الليالي وكسته من نسجها بوشاحِ
وطـوت سـفـره الـعجيب الموشّى بأساطير عهده iiالوضّاحِ
فـإذا الأعـصـر الـخـوالي مطافٌ لخيالات شاعرٍ iiصدّاحِ
وإذا الـطـرف لـيـس يـعثر إلا بقيود مغموسة iiبجراحِ!!
ورقـابٍ مـحـنـيـةٍ تـتـشظّى مزقاً فوق منجل iiالسفّاحِ
لـيـس بدعاً إذا تعالى وضيعٌ واستباح الحمى الحرام iiإباحي
قـد تـحـوك الأقدارُ من لبدة الليث وشاحاً للغانيات iiالملاحِ!
* * *
يـا ظـلام الأجـيـال قًصَّ جناحيك فهذي طلائع iiالإصباحِ
مـرودٌ كـحَّـلَ الـجفون الكسالى فأفاقت على السنا iiاللمَّاحٍِ
فـصـحـا مـن عـيائه الجبل الهاجع واهتزَّ مفعمَ iiالأتراحِ
وتـعـالـى صـيـاحـه يـتوالى فاشرأبّت نسوره iiللصياحِ
تـركتْ في الوكون أفراخها الزغبَ وهبّت على أزيز iiالرياحِ
وتـبـارت عصائباً فالفضا الرحبُ بساطٌ من مخلبٍ وجناحِ!!
غـضب البغيُ فانبرى يحشد الهولَ ويرنو إلى الأذى iiبارتياحِ
شـقّ فـكّـي جـهـنم فأسالت في الروابي لعابها والبطاحِ!
فـاقـشـعرت من وهجه القللُ الصمُّ وأجّتْ شوامخُ iiالأدواحِ
وتدجَّى الدخان يحجب عينَ الشمس عن مأتم الثرى iiالمستباحِ!
فـتـهاوت تلك النسور وأزرت بالمنايا، على اللظى iiالمجتاحِ
تـنشب المخلبَ المعقَّفَ في البغي وتزجي المنقار في iiإلحاحِ
ولـسـانُ اللهيب يلعب بالريش ويطوي الجراحَ فوق iiالجراحِ
غـضـبـةٌ للنسور، لا النصر فيها بمتاحٍ، ولا الونى iiبمباحِ!
لـم تـزحـزح تلك المخالبُ إلا بعدما جُرّدت من iiالأرواحِ!
فـتـلاشـى الدخان عن وثبات البغي في بركة الدم iiالنضّاحِ
وسـرى الليل مالئاً جبل النار سكوناً.. لولا نشيد iiالأضاحي!
* * *
يـا دمـاء الـنـسور تجري سخاءً بغرام البطولة iiالفضاحِ!
أنـبـتـي الـعـزّ سـرحـةً يتفيَّا بأظاليلها شتيتُ iiالنواحي
أنـتِ دمـع الـسـماء إن لهثَ الحقلُ وجفَّت سنابلٌ iiوأقاحي
أي بـردٍ خـلـعـته أحمرَ اللون على كاهل الجهاد iiالصُراحِ
فـيـه إيـمـاءةٌ إلـى نهبة العلياء من قبضة الزمان iiالوقاحِ
لـيـس يبلى على الزمان "وللعاص" خيوطٌ في نسجه iiاللواحِ
تـحـفـظ الـبـيـد ذكـريـات لياليه وتهفو لعهده النزَّاحِ!
وتـحـن الـغـيـاض في الشام شوقاً لتثنيه مثقلاً iiبالسلاحِ
يا شهيد الجهاد يا صرخة الهول إذا الخيل حمحمت في الساحِ!
أيُّ مـهـرٍ لـم تدمِ خاصرتيه من حفيف المهماز يوم اكتساحِ
أي عَـودٍ مـا زغـردت لـك فـيه كلُّ ميّاسة القوام iiرَدَاحِ!
كـلـمـا لاح لـلكفاح صريخٌ صحتَ لبيك يا صريخ iiالكفاحِ
تـحـمـل الـحـملة القوية والإيمان أقوى في قلبك iiالمفراحِ
فـكـأن الـحـيـاةَ لـم تـلق فيها ما يروّي تعطش iiالملتاحِ
هـبـة فـي يـديـك كانت ولما رامها المجدُ عفتها iiبسماحِ!
* * *
وكـأنـي أراك فـي زحـمة الهول على سرج ضامرٍ طوَّاحِ
وأخـوك الجسور في القمم السود مطلٌ على الروابي iiالفساحِ
لـوّحـت كـفُّـه بـمـنديله الأحمر شوقاً إلى اللقاء iiالمتاحِ
فـحـسـبتَ الأجيال تهتف يا "خالد" جاهدْ في فيلق ii"الجرّاحِ"
فـتـرنـحـت وانـدفعت وهيهات يلين الجواد بعد iiجماحِ!!
واقـتحمت اللظى فكنت مع الصيد فراشاً على فم المصباحِ!!
* * *
إيْ فـتـى الـمـجد، إنه العمر، يوم لخسار، وآخر iiلرباحِ!
إن مـن سـامـك المنون لقومٌ لم يحيّوا على الحجى iiوالفلاحِ
كـيـف زاغت حلومهم فتمشى البغي ما بينهم طليق iiالسراحِ
مـا عـهـدنـا الإنـجـيـل إلا مناراً لسلام وقائداً iiلصلاحِ
غـمـرت آيـة الـدمـاء وسُلَّتْ باسمه السمحِ مديةُ iiالسفَّاحِ!
أرخـصـوا خشبةَ الصليب وباعوها وقوداً إلى اللئام iiالشحاحِ
وأهـانـوا مـهـد المسيح وردّوه على طهره فراشَ iiسفاحِ!!
خفروا ذمة العهود وصموا الأذن عن صرخة الهضيم iiاللاحي
كـم وعـودٍ مـعـسـولةٍ سكبوها في فؤاد العروبة iiالمسماحِ
فـحـشـدنـا لـهـم جـيـوش ولاء ومددنا أكفّنا iiللصفاحِ
وسـفـكـنـا الـدم الزكيَّ وزيّنا جبين الرحى بغار iiالنجاحِ
وأردنـا الأسـلابَ مـنهم فكنا نحن أسلابهم ونحن iiالأضاحي
* * *
جـبـلَ الـنار لن تنام كما نمتَ جريحَ العلى كسيحَ iiالطماحِ
لـك حـبٌ فـي قـاسـيون وصنين وسيناء ما له من iiبراحِ
أنـت لـلـعـرب كالمنارة في الساحل لاحتْ لأعين الملاَّحِ! |