العلّامة محبّ الدّين الخطيب يكتب عن سيّد قطب
العلّامة محبّ الدّين الخطيب يكتب عن سيّد قطب
(من مقدّمة محبّ الدّين الخطيب لكتاب دراسات إسلاميّة لسيّد قطب)
... وقد برهن سيد قطب بمواقفه في عهد الطغيان على أنه يُحسن القولَ في تأييد الحق، يوم يتجهم وجه الباطل القوي للحق إذا انصرف عنه جنده. وفي حملة الأقلام منا كثيرون يحسنون القول في تأييد الحق، ولكن إذا كانت له سوق يروج فيها، أو دولة تخطب وُدّ مؤيديه ولو إلى حين، وهم على استعداد لأن يقولوا غير ذلك أيضاً. ولهم من براعة القول ما يحسنون به الاعتذار للباطل في دولته، فأحرى أن يحسنوا القول عن الحق إذا قامت له سوق.
نحن الآن في مرحلة سعيدة من مراحل التاريخ، لأننا آخذون في التحرر من سلطان الاستعمار. وأخشى أن تكون أوطاننا في هذه المرحلة أسعد من سكانها، فالاستعمار يتقلص ظله الثقيل عن الأوطان الإسلامية يوماً بعد يوم ما في ذلك شك.
ولكن الذي يحزّ في النفس أن المثقفين منا، الذين آمنوا بضرورة تحرير هذه الأوطان من الاستعمار السياسي والعسكري، لا يزال أكثرهم على أتم الغِبطة والرضا بما حبّبه الاستعمار إليهم – في مراحل التعليم كلها- من مبادئ وعقائد وأخلاق وآداب!.
ولعل الاستعمار نفسه بدأ يتخفف من أعبائه الإدارية والعسكرية منذ أن اطمأن إلى أنه سيخلفه على أمانات الاستعمار الفكري رجال من تلاميذه صاروا أصدق إيماناً بذلك من أساتذتهم، وهؤلاء منتشرون في كل قطر إسلامي من سواحل جبال الأطلس غرباً إلى آخر أجزاء أندونيسيا شرقاً، تخرجوا في معاهد الثقافة الغربية ليكونوا جنودها في قلاع الأمة الإسلامية يوم يقوم للأمة كيانها الجديد المنتظر.
لذلك كان من حاجة الأمة الإسلامية أن تكوّن رأيها الحكيم منذ الآن فيما تأخذ من حضارة الغرب وما تدع، وأن تفهم إسلامها ورسالته الاجتماعية والأدبية بمعانيهما الأصيلة السليمة، وأنه نظام اجتماعي متكامل تترابط جوانبه وتتساند وأنه يختلف عن النظم الأجنبية كلها في طبيعته، وفي فكرته عن الحياة، وفي وسائله لتصريفها، وأن الإسلام بمجموع أنظمته واتجاهاته هو الذي يدعو إلى عالم أفضل، وليس في أنظمة البشر نظام يدعو إلى عالم أفضل من العالم الذي يدعو إليه الإسلام.
هذه حقائق. ولكن مدارسنا بمناهجها التي سنّها لنا غيرنا، لم يكن من أغراضها بثّ هذه الحقائق في نفوسنا، ولا تيسير البراهين عليها لنؤمن بها نحن وأبناؤنا من بعدنا.
ومن الآن إلى أن تكون لنا مدارس وجامعات تؤمن بهذه الحقائق، وتُلقّن أبناءنا وسائل الإيمان بها، لا مناص لنا من الاعتماد على مثل هذه الصرخات القوية تسجلها أقلام المؤمنين الأقوياء من أمثال سيد قطب.
وسوم: العدد 682