زمانُك بُسْتَانٌ وَعْصُرُكَ أَخْضَرُ = وَذِكْرَاكَ عُصْفُورٌ مِنَ الْقَلْبِ يَنْقُرُ
دَخَلْتَ على تاريخـنا ذاتَ ليْلةٍ = فرَائِحَةُ التَّاريـخِ مِسْكٌ وَعَـنْبَرُ
وكُنتَ فكانت في الحقولِ سنابلٌ = وكانت عصـافيرٌ وكان صَنَوْبَرُ
لَمَسْتَ أمانينا فصارتْ جدَاوِلاً = وأمْطَرْتَنا حُبّـا ولا زلت تُمْطـِرُ
تأخَّرْت عَنْ نقْعِ الوَغَي يَاحبيبنا = وما كُنتَ عن نقعِ الوَغَي تتأَخَّرُ
سَهِدْنا وفكَّرنا وشَاختْ دُمُوعُنا = وشَابتْ ليَالِيـنا وما كُنتَ تحْضُرُ
تُعاوِدُني ذِكْرَاك كلَّ عشِـيَّةٍ = ويُورِقُ فِكْـري حينَ فِيـكَ أُفَكـِّرُ
وتأبَى جِرَاحي أن تَضُمَّ شِفاهها = كأنَّ جِـراحَ الحُـبِّ لا تَتَخـَثَّرُ
تأخَّرْتَ يا أغلى الرِّجالِ فَلَيْلُنا = طويلٌ وأضْـواءُ القنـادِيلِ تسْهَرُ
تأخَّرْتَ فالسَّاعـاتُ تأكُلُ نفْسَها = وأيَّامُنـا في بَعْضِـهَا تَتَعـَثَّرُ
أتسألُ عَن أعْمَارِنا أنت عُمْرُنا = وأنتَ لنـا الآمَـالُ أنتَ المُحَرِّرُ
وأنت أبُو العُمرانِ أنت وقُودُها = وأنتَ انبِعَـاثُ الدِّينِ أنت التَّغَيُّرُ
تأخَّرت عنَّا فالجيـادُ حزينةٌ = وسَيْفُك من أشْوَاقـِهِ كادَ يُنْحَـرُ
حِصَانُكَ في سيْنَاءَ يَشْـرَبُ دمْعَهُ = ويا لِعـذَابِ الخَيْلِ إذْ تَتَـذكَّرُ
وراياتُك الخضْراءُ تَمْضُغُ دَرْبَهَا = وعِندَكَ آمَـالُ الثُّغـورِ تُقَصَّرُ
نِسَـاءُ فلسطينٍ تَكَحَّلْنَ بالأسَى = وفي بيتِ لحْمٍ قاصِراتٌ وقُصَّرُ
وليْمُونُ يَافا يَابِسٌ في حُقُولِهِ = وهلْ شَجَرٌ في قبْضَةِ الظُّلْمِ يُزْهِرُ؟
رفيقَ صلاح الدين هلْ لك عوْدةٌ = فإن جيوشَ الرُّومِ تنْهى وتأْمُرُ
رفاقُكَ في الأغْوَارِ شَدُّوا سُرُوجَهُم= وجُندُك في حِطِّينَ صَلُّوا وكَبَّرُوا
تُغَنِّي بك الدنيـا كأنَّك طـارقٌ = على بركاتِ الله يَرْسُـو ويُبْحِرُ
تُناديك من شوْقٍ مـآذنُ مكَّةٍ = وتبْكيـكَ بَدْرٌ "يا حَبيبي" وخيْبَرُ
وَيَبْكِيكَ صَفْصَافُ الشَّآمِ وَوَرْدُها = ويَبْكِيكَ زهْرُ الغُوطَتَينْ وتدْمُرُ
تعالى إليْنا فالمُروءاتُ أطْرَقَتْ = ومَوْطِنُ آبائي زُجَـاجٌ مُكسـرُ
هُزِمْنا وما زِلْنا شَتَاتَ قبائِلٍ = تَعِيـشُ على الحِقْدِ الدَّفيـن وتَزْأَرُ
يُحَاصِرُنا كالموتِ ألفُ خليفةٍ=ففي الشَّرْقِ هُولاكُو وفي الغرب قيصرُ
أيا فارسًا أشْكُو إليهِ موَاجِعي = ومِثْلي لَهُ عُـذرٌ وَمِثـلُكَ يَعْـذُرُ
أنا شَجَرُ الأَحْزَانِ أنْزِفُ دائِمًا = وفي الثَّلْـجِ والأنْوَارِ أُعْطِي وأُثْمِرُ
وأصْرُخُ يا أرْضَ المُرُوءَاتِ إحْبَلِي = لعلَّ صلاحًا ثانيًا سَوْف يَظْهَرُ