هكذا كان أجدادنا
كانوا قوماً ظُرفاء !"
قال معاوية بن أبي سُفيان يوما لأهل الشام
وكان عنده عقيل بن أبي طالب فأراد أن يمازحه :
هل قرأتم قول الله تعالى :
" تبت يدا أبي لهب وتب "
فقالوا : قرأنا
فأشار بيده إلى عقيل وقال :
أبو لهب عم هذا الرجل !
فقال عقيل :
هل قرأتم قول الله تعالى :
" وامرأته حمالة الحطب "
فقالوا : قرأنا
فأشار بيده إلى معاوية وقال :
حمالة الحطب عمة هذا الرجل !
."2"
كانوا قوماً ظُرفاء
يتمازحون بأدب ويتنادرون من غير فحش
كانت قلوبهم تلين بالقرآن لله
ووجوههم تلين بالابتسامة للناس
وقد سُئل النخعيّ :
أكان أصحاب رسول الله يضحكون ؟
فقال : نعم، والإيمان في قلوبهم مثل الجبال الرواسي !
وكان نُعيمان بن عمرو بن رفاعة بن الحارث من أهل بدر
وكان أولع الناس بالضحك عند رسول الله
فقال النبي : " يدخل الجنة وهو يضحك "
كانوا يُقيمون حدود الله ولا ينسون حظهم من الدنيا
فهذا عمر بن الخطاب الحازم الصلب
يسمع ضوضاء في بيتٍ فيسأل :
ما هذه الضوضاء ؟
فقالوا له : عرس يا أمير المؤمنين
فقال : فهلا قرعوا دفوفهم
.
.
"3"
كانوا قوما ظُرفاء
يُقدّمون العظة الكبيرة على طبق من لطف
فهذا الفاروق يرى أعرابيا يصلي صلاة سريعة
فلا يتم ركوعا ولا يحقق سجودا
ثم لما فرغ رفع يديه إلى السماء وقال :
اللهم زوجني الحور العين
فقال له عمر : لقد أقللتَ المهر وأعظمتَ الخِطبة !
..
وهذا الشعبيّ عامر بن شراحيل الكوفيّ
من كبار التابعين وكان فقيها شاعرا
ثقة روى عنه أصحاب الصحاح الستة
وولاه عمر بن عبد العزيز القضاء
كان خفيف الظل، عذب الجواب، حاضر النكتة
جاءه رجل يسأله عن المسح على اللحية
فقال له : خللها. أي أدخل أصابعك فيها
فقال الرجل : أخشى أن لا تبتل
فقال الشعبي : إن خفتَ ألا تبتلّ فانقعها من أول الليل !
.
وجاءه رجل فقال له :
إني تزوجتُ بامرأة فوجدتها عرجاء
فهل لي أن أردها
فقال له : إن كنتَ تريد أن تسابق بها فردها!
.
.
وذكر ابن الجوزي في أخبار الظّراف
أن الشعبي كان يوما واقفا مع امرأة يكلمها
فجاءه رجل وقال : أيكما الشعبيّ
فأشار الشعبي إلى المرأة وقال : هذه
.
.
وروى الشعبيّ مرّة حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" تسحروا ولو أن يضع أحدكم اصبعه على التراب ثم يضعه في فيه "
فقال رجل من الحاضرين : أي الأصابع ؟
فتناول الشعبي ابهام رجله وقال له : هذا
.
.
"4"
كانوا قوما ظُرفاء
يستمعون الشعر ويستعذبونه ويُثيبون عليه
وقد روى ابن هشام في سيرته
أن كعباً بن زهير بن أبي سلمى
أنشد النبي قصيدته الشهيرة يستعطفه
.
بانت سُعاد فقلبي اليوم متبول
متيم إثرها لم يفد مكبول
.
فلما بلغ قوله :
نُبئتُ أن رسول الله أوعدني
والعفو عن رسول الله مأمولُ
إن الرسول لنور يُستضاء به
مهند من سيوف الله مسلولُ
.
خلع النبي بردته وكساه اياها
.
.
ويذكر المُبرّد في الكامل
أن ابن عباس سأل عمر بن أبي ربيعة أن ينشده شيئا من شعره
فأنشده قصيدته الغزلية والتي مطلعها:
أمِن آل نُعم أنت غادٍ فمبكرُ
غداة غدٍ أم رائح فمهجّرً
حتى أتمها في ثمانين بيتاً وحفظها ابن عباس من ساعته..........
5
ما بالنا إذا صلى أحدنا ركعتين في المسجد قطّب حاجبيه
وإذا أطلق لحيته أمسك قلبه
وإذا قصّر ثوبه أطال لسانه
وإذا فتح كتابا أغلق باب ابتسامته
ما بالنا أعزة على المؤمنين
وننسى أنه لو كان فظا غليظ القلب لانفضّ الناس من حوله
.
إن هذا الدين يُسر فلا تعقّدوه
إن هذا الدين رحب فلا تًضيّقوه
إن هذا الدين حديقة غنّاء فلا تجعلوه صحراء
هذا سُليمان يبتسم لقول نملة وقد ملك الأرض ومن عليها
وهذا محمد يحضن جذعا اشتاق له و قد صعد إلى السماء السابع..
مع التحية
وسوم: العدد 739