هل انتصر نظام الأسد في الحرب الأهلية في سوريا؟ (الجزء 1)
أمريكان إنترست
الحرب الأهلية السورية ليست بعيدة عن نهايتها فقط، بل إن انتصارات نظام الأسد على قوات المتمردين أثارت سلسلة من "الحروب بعد الحرب الأولى" من شأنها أن تقوض مكاسبها الأخيرة – وأن تخلق فرصا للولايات المتحدة.
قال الرئيس بشار الأسد حول الحرب الأهلية الدامية بأن "الأمور تتجه في الاتجاه الصحيح حاليا" وأن "الأسوأ أصبح خلف ظهورنا". حتى إن مسئولين من روسيا وإيران وحزب الله والأمم المتحدة ودبلوماسيون أمريكان سابقون ذهبوا أبعد من ذلك، وأعلنوا انتصار الأسد وطالبوا الجماعات المتمردة والحكومة الأمريكية بالتصالح مع هذه الحقيقة غير المستساغة. ومع ذلك فإن تحليل ديناميكيات الصراع الإقليمي تشكف عن صورة أكثر تعقيدا، وهو ما يشير إلى أن المعاناة في سوريا ربما تكون بعيدة كل البعد عن نهايتها، وأن المكاسب العسكرية ربما تكون أكثر هشاشة مما تبدو عليه.
تأمين النصر مع قوات غير كافية
تسيطر القوات الموالية للنظام على ما يزيد على 50% من مساحة الأرض السورية وما بين نصف وثلثي عدد السكان. ومع ذلك فإن سيطرة النظام على العديد من المناطق لا زالت غير ثابتة وذلك بسبب النقص الكبير في القوات الموالية والمؤهلة إضافة إلى الافتقار إلى للقدرات المؤسسية. في حين أن قوات النظام كانت قادرة على "تطهير" العديد من المناطق التي تمت استعادتها، إلا أن هذه القوات أصبحت متفرقة وتتحمل أكثر من طاقتها، ومن المنتظر رؤية ما إذا كان في وسعها السيطرة علي هذه المناطق. (في الواقع، صعدت داعش مؤخرا هجماتها في مثل هذه المناطق – مثل تدمر ودير الزور التي تم الإعلان بأنه تم تطهيرها من قبل القوات الموالية للنظام مرارا وتكرارا). ترحيل المتمردين وأسرهم من المناطق المسيطر عليها إلى إدلب أو درعا – كجزء مما يطلق عليه اتفاقيات المصالحة – وهي أبعد ما تكون عن ذلك – من الممكن أن يسهل من أمر هذه المصالحات ولكن قوات النظام سوف تبقى في مواجهة مقاومة مسلحة دائمة في هذه المناطق من قبل أجيال جديدة من المعارضين.
لدى الجيش السوري ما يقرب من 10000-20000 جندي متاح للقيام بعمليات هجومية على امتداد البلاد. وهذه القوات قادمة أصلا من الفرقة الرابعة المدرعة والحرس الجمهوري وقوات النمر وعناصر من قوات الدفاع الوطني. باقي الجيش السوري – الذي يضم بقايا عناصر التجنيد الإجباري ومعظم قوات الدفاع الوطني، والفيلق الرابع المؤسس حديثا وقوات الدفاع المحلية (المكونة من ميليشيات متعددة موالية للنظام) وأجهزة المخابرات التابعة للنظام- ربما يصل تعدادها جميعا إلى 100000 – 150000. كثير من هذه القوات تفتقر إلى التدريب وعدد كبير منهم من المتطوعين من جميع الأعمار، إضافة إلى أن عناصر من الميليشيات أصبحت مسئولة عن الأمن المحلي في المناطق التي يسيطر عليها النظام. لا يمكن في أي حال الاعتماد على هذه القوات للقيام بعمليات خارج مناطقهم.
عدد كبير من القوة القتالية للنظام قادمة من مقاتلين من حزب الله اللبناني (6000-8000) مقاتل، ومن إيران (2000 مقاتل)، ومن مقاتلين شيعة من العراق، وأفغانستان وباكستان (10000-20000 مقاتل)، وقوات روسية برية وجوية قليلة نسبيا. استطاعت القوات المولية للنظام من الاستفادة من احتياطيات هائلة من المقاتلين الشيعة لدعم جهودها – في حين أن تدفق المقاتلين السنة المناهضين للنظام كان منخفضا إلى حد كبير بسبب السيطرة الشديدة على الحدود والهزائم التي تعرضت لها داعش. علاوة على ذلك، هناك مناطق كثيرة مسيطر عليها من قبل قوات أجنبية موالية للنظام، إضافة إلى متمردين صالحوا النظام عشائر تدين بولاء مشروط للنظام. إذا اضطرت هذه القوات الأجنبية إلى العودة إلى مواطنها الأصلية، أو بدل المتمردون المتصالحون والعشائر من موقفهم مرة اخرى، فإن النظام سيواجه صعوبة كبيرة في بسط سيطرته على هذه المناطق. أضف إلى ذلك، بأن على جزب الله اللبناني أن يوازن بين رغبته في خفض وجوده في سوريا وعودة مقاتليه إلى لبنان مع الحاجة المستمرة لبقائهم في سوريا.
تنص القاعدة العسكرية التي يستخدمها المخططون العسكريون على وجوب وجود 20 جنديا مقابل 1000 مدني من أجل الحفاظ على عمليات مستقرة. وهذا يكافئ وجود 200000-240000 جندي للنظام للسيطرة على 10-12 مليون مدني يعيشون حاليا في مناطق ما بين مسيطر عليها أو أن السيطرة عليها أمر مشكوك فيه. وهذا يعني قوات تفوق كثيرا قوات النظام المتوافرة حاليا. ولكن بعد 7 سنوات من الحرب الأهلية، فإن قوات المتمردين أصبحت هي الأخرى مستنزفة ومتعبة- ومتفرقة من الداخل أيضا. في الواقع وفي معظم المناطق لم يعد في وسعهم الحفاظ أو الاستمرار في المقاومة.
علاوة على ذلك، فإن القوات الموالية للنظام كان لديها وحدة هدف بصورة دائمة. وقد استطاعوا الاستفادة بصورة كبيرة من التضامن الجماعي (التعصب) للطائفة العلوية وحلفاؤها – من بينهم الشيعة والمسيحيون وعدد من السنة من أنصار النظام- إضافة إلى درجة انحياز كل من إيران وحزب الله وروسيا في سوريا إلى مصالحهم الذاتية. على النقيض من ذلك، فإن التعصب المحلي المختلف للمعارضة والأجندة المختلفة لداعميهم الخارجيين عمق من انقسام المعارضة. وقد تفاقمت هذه النزعات بسبب الميول الجارفة للجماعات السلفية والجهادية التي تقاتل النظام، والتي غالبا ما أدت إلى إراقة للدماء فيما بينها. ولهذا فإنه في وسع قوات النظام السيطرة على معظم المناطق التي استعادتها لحد الآن من المتمردين – على الأقل في الفترة الحالية.
إضافة إلى ذلك فإن إيران لم تساهم إلا بنزر يسير جدا من قواتها البرية التي تصل إلى 450000 جندي للقتال في سوريا (هذا العدد يشمل 100000 من الحرس الثوري و 350000 من الجيش النظامي). وبالمثل، فإنها لم ترسل أكثر من العدد الكافي والضروري من المقاتلين لإبقاء الأسد في السلطة – ولهذا فهي بعيدة كل البعد عن قدراتها الحقيقية في مساعدة النظام.
مستشارو الحرس الجمهوري والمقاتلون في سوريا كانوا يخاطرون في بعض الأحيان ، في حين أن صناع القرار في طهران كانوا دائما يرفضون المجازفة. ولو أن الكلمة العليا كانت للحرس الثوري في صناعة القرار في طهران، ربما أرسلت إيران المزيد من القوات إلى سوريا من أجل تمكين نظام الأسد من القضاء على الأعداء الداخليين – وربما كان من شأن ذلك إثارة مواجهات مع الإيرانيين المعارضين لدور بلادهم في سوريا. ولهذا على الولايات المتحدة أن لا تتفاجأ إذا عززت إيران مواقعها في سوريا – كما فعلت في سبتمبر 2015، عندما نفذت زيادة لفترة وجيزة في عدد القوات بالتزامن مع تدخل روسيا هناك للمساعدة في صد هجوم المتمردين الذي هدد وجود نظام الأسد.
ديناميكيات الحرب الأهلية:
سوف يواجه الأسد عددا من التحديات الإضافية التي تم الحديث عنها وتحديدها في في الأدبيات الأكاديمية للحروب الأهلية. أول هذه التحديات؛ أن الدول التي خاضت حربا أهلية سوف تعاني على الأرجح من حالة انتكاس. وسوريا هي حالة واضحة هنا فقد دخلت في حالة عصيان مدني قام بها الإخوان المسلمون منذ عام 1976 إلى 1982، وهي حاليا تخوض حربا أهلية ثانية. دول أخرى واجهت مجموعة من حالات التمرد، والانتفاضات، والحروب الأهلية أيضا، من بينها اليمن (1962-70، 1994-حتى الوقت الحالي) والعراق (1961-70، 1974-2010، 2014-2017). وهناك دول أخرى واجهت حروبا أهلية مثل الأردن (1970-1971). والجزائر (1991-2002). العديد من اللبنانيين والأردنيين يخشون من أن التوترات الإقليمية سوف تزعزع استقرار بلادهم مرة أخرى.
ثانيا، الحروب الأهلية التي تنتهي بانتصار عسكري صريح لأحد الأطراف أقل احتمالا أن تقود إلى صراعات عسكرية متجددة وبالتالي الإبقاء على القدرات العسكرية في حالة سليمة. ولكن من غير الواضح ما إذا كان في وسع نظام الأسد تحقيق انتصار عسكري واضح؛ جيوب التمرد لا زالت في إدلب ودرعا وفي المناطق الكردية في شمال شرق البلاد، وبعض هذه المناطق تقع تحت حماية قوى أجنبية. علاوة على ذلك، من غير الواضح ما إذا كانت انتصارات النظام سوف تجلب حالة طويلة من الهدوء، كما حصل بعد انتصار الأرض المحروقة الذي أحرزه النظام في حماة عام 1982، وكما حصل لروسيا في غروزني (1999-2000)، أو سوف يكون انتصارا غير كامل كما حصل في العراق في مواجهة القاعدة منذ 2007 إلى 2011، الذي مهد الطريق لعودة داعش 2013-14 ردا على سياسات الحكومة القمعية.
يتبع الجزء الثاني
وسوم: العدد 773