هل الولايات المتحدة دولة إرهابية ؟!
لا مفر من الإجابة : نعم ، أميركا دولة إرهابية .
غالبا ما تشير كلمة " الإرهاب " إلى هجمات عنيفة منظمة على مدنيين لدفع الحكومات والمجتمعات أو الأفراد لوقف القتال أو المقاومة ، أو لمعاقبتهم لكونهم مخطئين في نزاع معين ، أو للاستيلاء على أرضهم أو ممتلكاتهم ، أو لدفعهم لقبول الخضوع لمعتدٍ معين . وعادة ما ترعى الإرهاب دولة من الدول ، أو تسمح به بإشاحة وجهها عنه لمصلحة تخصها . وللولايات المتحدة ميول إرهابية منذ زمن بعيد ، وأطول حملاتها الإرهابية زمنا هي تدمير الأميركيين الأصليين وتدمير ثقافتهم بدءا بتأسيس أميركا على يد الأوروبيين واستمرارا إلى يومنا هذا . ويشمل الإرهاب حملات إفناء الهنود الحمر التي نفذها " شرفاء " نيو إنجلاند الأتقياء ومواطنو فرجينيا " المحافظون على القانون " في القرن السابع عشر ، وهجمات الأرض المحروقة التي قام بها جورج واشنطون على شعب الإيروكوا في الحرب الثورية التي أعقبها الاستيلاء على الغرب الشمالي القديم من قبيلة الشاوني والقبائل ذات الصلة بها خلال حرب 1812 حين قاتل الهنود الحمر في صف البريطانيين عند غزو الأميركيين لكندا ، وطرد الهنود الحمر من الجنوب الشرقي الأميركي تنفيذا للسياسات التي أعلنها الرئيس أندرو جاكسون ، وطبعا حملة الإبادة الجماعية ضد السهول الهندية عقب الحرب الأهلية ؛ تلك الحملة التي قادها الجنرال وليم شيرمان الذي أحرق جنوده أطلانطا في 1864 قبل زحفه المخزي صوب البحر . وكانت رعاية الحكومة الأميركية للقتل المقصود لملايين الجواميس في 1870 و 1880 للقضاء على المصدر الأساسي لمعيشة الهنود الحمر ؛ من أفظع صنوف الإرهاب ضدهم . وكان الجنوب الأميركي أيضا منهمكا عميقا في إنفاذ الأساليب الإرهابية للسيطرة على رقيقه من الأفريقيين ، واتصل إرهابه لهم حتى عقب الحرب الأهلية ممثلا في ثقافته ضدهم وفي إعدامهم دون محاكمة . وبديهيٌ أن الهنود الحمر والسود الأفريقيين ما كانوا الضحايا الوحيدين . كان الإرهاب هو الاختيار الأساسي للأوروبيين في غزو الأراضي في القارات الأميركية الثلاث وأفريقيا والهند وفي مناطق من أورآسيا ، وحتى في أستراليا طوال ما ينوف على أربعة قرون ، بل إن أميركا نفسها اقترفت الإرهاب في هجماتها على الفيليبينيين الأصليين بعد استيلائها على جزر الفيليبين من أسبانيا في الحرب الأسبانية _ الأميركية . وكانت أساليب الإرهاب والأرض المحروقة هي المفضلة في حروب العصور الوسطي بين جيوش الإقطاع المتنافسة ، وأصحاب الألقاب الدينية إبان حرب الأعوام الثلاثين حين مات ثلث شعب ألمانيا من الحرب والجوع ، وفي حرب حكومة فرنسا على الهوجونوت ، وفي حرب الإبادة التي شنها الإنجليز في عهد كرومويل على الآيرلنديين . وكان من أشد الإرهابيين في التاريخ المغاوير الفرسان من السهوب الأوروبية الآسيوية مثل مغول جنكيز خان وهون أتيلا . ودائما مارست عصابات الجريمة في كل العالم الإرهاب على السكان المدنيين الذين عاشت بينهم وسرقتهم . وشهدت هذه العصابات في الولايات المتحدة الأميركية تضخما هائلا في نموها في زمن " الحظر " عليها حين دقت المافيا والمجموعات الأخرى جرس تهريب مضارب التنس جنبا إلى مع تهريب عقاقير القمار وتجارة البشر وسواها من الموبقات . وهذه العصابات منتشرة في زمننا انتشارا موسعا مع سياسيين غالبا ما يكونون في خدمتها للتستر عليها. على أن الإرهاب إنما بدأ يمد خطاه واسعة بالحرب المؤللة الحديثة في ختام القرن التاسع عشر ومستهل القرن العشرين ، فلم يعد كافيا أن يقتل ملايين الناس ويشوهوا بعضهم بعضا في الخنادق في الجبهة الغربية في الحرب العالمية الأولى بالدبابات والغاز السام اللذين دخلا في الميدان ، فإضافة إليهما وجد الإرهاب مستقبله في القوة الجوية ، وصار الأميركيون والبريطانيون الخبراء الحقيقيين في محو المدن والبنية التحتية المدنية بالسلاح الجوي وقتل المدنيين . وبداهة أن الإرهاب ضد كل الشعوب والبشر صار مع تلك التطورات تكرارا مألوف الممارسة من جانب أنظمة مثل نظام النازي هتلر والشيوعيين الذين تولوا السلطة في روسيا أولا والصين ثانيا . واليوم ، تخفي معجزة إعادة ألمانيا بناء مدنها التي محتها القاذفات الأميركية والبريطانية وسوتها بالأرض في الحرب العالمية الثانية ؛ آثار الخراب المرعب الذي أحدثته الخبرة الأميركية الخرافية في التخريب .ويشمل هذا القصف الناري لمدينة درسدن في 1945 التي قتل فيها عشرات الآلاف من الألمان في ليلة واحدة . وفي منطقة المحيط الهادئ ، دفع القصف الأميركي اليابانيين إلى الاستسلام ، بما في ذلك الهجمات الجوية الكبرى على طوكيو ، وطبعا كانت أميركا الأمة الوحيدة حتى اليوم التي أسقطت قنابل ذرية على سكان دولة معادية بالقاذفات في مديني هيروشيما ونجازاكي . ولا زالت تلك الأعمال التي قامت بها الولايات المتحدة الوحيدة في التاريخ حتى الآن تعد أسوأ إرهاب للدولة نظرا لكون أميركا كانت قد انتصرت في الحرب قبل ضرب المدينتين اليابانيتين ذريا . وواصلت الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية إمطار القنابل على كوريا وبعدها على فيتنام وكمبوديا ولاوس خلال حروبها في الهند الصينية في ستينات وسبعينات القرن العشرين إلا أن ذلك لم يكن كل ما خلق ترسانة الإرهاب الأميركية ؛ ذلك أن أميركا انهمكت منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حتى يومنا هذا في حملات إرهاب لا تحصى في جهودها لضمان مواقف مؤيدة لها من بلدان العالم وحكوماته ، وغالبا ما نفذ هذه الحملات مجالس الجناح اليميني السياسية في بلدان أخرى خاصة في أميركا اللاتينية والشرق الأوسط وأفريقيا والأرجنتين والبرازيل وتشيلي وأميركا الوسطى وأنجولا والكونغو وأندونيسيا . فهذه البلدان وبلدان أخرى كثيرة في العالم شهدت إرهابا رعته الولايات المتحدة أو مولته ، ونفذته مليشيات وشرطة ضد مواطنيهم . ولم يكن أي من تلك الحملات والعمليات حروبا أعلنها الكونجرس مثلما يقتضي الدستور الأميركي إلا أن الولايات المتحدة انغمرت فيها . وكانت أفظع حملات الرعب " عملية العنقاء " التي نفذت ضد عشرات الآلاف من المدنيين الذين قتلوا في وحشية في فيتنام . وانهمرت القنابل مجددا حين حاربت الولايات المتحدة العراق في 1990 . والواقع ، يومئذ ، أن الأسلوب الأميركي المفضل في الحرب كان محو البلد الذي تحاربه أولا بالقصف الجوي ، ثم إرسال القوات البرية لهزيمته هزيمة كاسحة . وللأسف في حال العراق ، استمرت عملية الهزيمة الكاسحة عقودا ضد شعب شموس متمرد ومتطرف عقديا . وجاءت حملات قصف أخرى لمناصرة أطراف معينة لعل أشدها سطوعا هجوم الناتو ، الولايات المتحدة وبريطانيا ، على صربيا في 1999 الذي تمخض عن تدمير يوغسلافيا ، وقاد الهجوم القائد الأعلى للناتو الجنرال ويزلي كلارك . ولم تحتل الولايات المتحدة يوغسلافيا ، وإنما تركتها لشظايا أمتها السابقة لتسوية الأحوال فيها ، وهو ما لم يتم حتى يومنا هذا . والحقيقة أن تفكيك يوغسلافيا صار ممكنا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي حليفها وحاميها في 1991. وبعدها جاءت الحرب على الإرهاب التي أطلقت شرارتها أحداث الحادي عشر من سبتمبر التي من الجائز بقوة أنها ما كانت إلا هجمات باطلة مزيفة لفقها جهاز الأمن الوطني في الولايات المتحدة لاختلاق مسوغ للسيطرة على الشرق الأوسط سيطرة كلية . وانهمرت القنابل في تلك الحرب على أفغانستان والعراق مرة أخرى وليبيا وسوريا والصومال وسواها . وفي ذات الوقت باعت الولايات المتحدة طائرات وأسلحة أخرى لا حصر لها إلى إسرائيل والسعودية ، وإلى أصدقاء وحلفاء آخرين ليفعلوا مع أعدائهم ما تفعله هي من باب ضرورات حسب الحاجة أو لتقف بجانبهم إن احتاجوا إلى وقوفها . وجنى صانعو الأسلحة الأميركيون ثروات طائلة من بيع أسلحتهم في العالم بما في ذلك بيعها إلى أعضاء في الناتو . ويجب أن ننظر أيضا في التوجه لتسليح الفضاء الذي أطل بطريقة مثيرة مذهلة في أحلام رونالد ريجان الخاصة ب " حرب النجوم " شاملة خططا لأشعة الليزر ، والمدفع الإليكتروني ، ومحطات المعارك النووية ، وأشعة ليزر القوية القادرة على حرق مدن العدو وتحويلها رمادا في ثوانٍ قليلة .وبصفتي محللا سابقا في برنامج مكوك ناسا الفضائي ، في وسعي أن أؤكد أن الهدف غير المعلن لنظام ريجان الخاص بحرب النجوم الذي بدأ باستخدام المكوك كرصيف اختبار إنما كان لحماية الولايات المتحدة من الانتقام في حال بدئها بضربة نووية ضد الاتحاد السوفيتي . ونفس الاعتبارات لا ريب في أنها وراء التوسع في الانشطة العسكرية الأميركية التي اتخذت الفضاء منطلقا لها في السنين الأخيرة بما في ذلك إيجاد القوة الفضائية في زمن الرئيس دونالد ترامب . وهذا يصل بنا إلى وقتنا الحالي ، وإلى العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا ، ومثلما رأينا ، ليس من أساليب روسيا في الحرب أن تقصف المدنيين قصفا جويا عشوائيا ؛ فقد حاول الروس ، رغم الدعاية الغربية ، تقليل إصابة المدنيين . إنهم لا يقومون بحرب إرهابية ، وبدلا منها يعتمدون على القصف بالمدفعية لتليين دفاعات مواقع العدو قبل التحرك نحوها في هجوم بري ، وبفعلهم هذا يحطمون الجيش الأوكراني منهجيا ، وهو ما أحبط الولايات المتحدة إحباطا شديدا . وكانت إدارة الناتو بقيادة جينز شتولتنبرج تتبع أسلوب القضم قطعة قطعة بإرسال المقاتلات والقاصفات في سماء أوكرانيا لتقطيع الروس فتاتا ، وفي قواعد الناتو في أوروبا طائرات كثيرة تستطيع ذلك التقطيع . وطالب الرئيس الأوكراني مرارا بدعم جوي من الناتو ، ولم يأتِ شيء منه . وأوضح الجنرال المتقاعد ويزلي كلارك مؤخرا أنه لا سبيل إلى هزيمة روسيا إلا إذا شرع الناتو حالا في حرب جوية كبرى في سماء أوكرانيا . وقامت الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون ، بدلا من الحملة الجوية المألوفة المحددة التوقيت ، بإرسال أسلحة برية قليلة نسبيا وبعض المدفعية القديمة " الخردة " التي لم تحدث أي فارق حتى الآن في الحرب .ونسمع في هذه الأيام نواحا متصلا في الإعلام الغربي عن نفاد أسلحة أوكرانيا . ونظرا لأنه من المستحيل لوجستيا نقل أسلحة بعيدة المدى إلى أرض المعركة بهدف إحداث فارق فيها ؛ فإن لي الذراع الإعلامي هذا قد يكون محاولة متخفية لحث الولايات المتحدة لبدء استعمال قوتها الجوية الكاسحة في الحرب . وطبعا نعلم كلنا أن الولايات المتحدة امتنعت عن القيام بحملة الرعب الجوية المألوفة خاصتها ؛ لأن روسيا أوضحت بأن نتيجة تلك الحملة إنما هي الحرب العالمية الثالثة التي لدى أميركا شكوك في قدرتها على خوضها ، أقله في الوقت الحالي ، وهذا سبب كون الأمور في حالها هذه . وسأذكر، بصفتي محايدا ، بديلا آخر لهجوم إرهابي تقوم به الولايات المتحدة ، هو الهجوم بالأسلحة البيولوجية . ولعل اقتناعها بعبثية جر روسيا إلى حرب مفتوحة وراء استثمارها الهائل في بحوث تلك الأسلحة بما في ذلك في أوكرانيا . ويقر البنتاجون الآن بأنه أنشأ في أوكرانيا قبل الصراع الحالي أكثر من أربعين مختبرا لتلك الأسلحة زاعما أنها ل " أغراض سلمية " ، وبصراحة أنا مندهش من ظن سلطات الولايات المتحدة أن من الممكن أن يصدق أي شخص هذا الهراء الباطل . وقد اجتزنا حديثا وباء فايروس كورونا . ومن معرفتي بحكومة الولايات المتحدة أؤمن أنها هي التي صنعت الوباء عمدا لإضعاف الصين وروسيا وإيران وسواها من الدول غير المهيأة لمواجهته . ورجائي اقرؤوا مقالات رون أونز ! وطبعا كانت حكومة الولايات المتحدة متأكدة أن الوباء المصنع الجالب للمرض سيصيبها بشره أيضا إلا أنها ربما أملت أن تكون جاهزة لمقاومته باللقاحات . وبداهة لم تكن أوكرانيا المكان الوحيد الذي يطور فيه الجيش الأميركي أسلحة بيولوجية . طورها في جورجيا مثلا . والمسألة في رأيي مسألة وقت قبل إطلاق الوباء التالي بعد كورونا الذي رحبت به النخب الغربية وحدها باعتباره وسيلة تخفيض لعدد سكان العالم . وموصولا بالحرب البيولوجية ، يأتي السعي لغمر شعب من الشعوب بالعقارات المحرمة بغرض تقليل عدده إلى الحد الأدنى من خلال الإدمان . وفعل هذا البريطانيون في الصين في القرن التاسع عشر ، وفي تقارير أن السي آي إيه فعلت هذا ضد عدة شعوب في آسيا الوسطى إضافة إلى روسيا ؛ بإنتاج الهيروين من مزارع الخشخاش في أفغانستان ، وربما ضد مواطنيها من الأميركيين بإنتاج عقار ل. س . د ، والكوكايين وتوزيعهما ، وهي تقوم الآن بإنتاج وتوزيع أنواع من الأفيون ، والفنتالين ، وكل هذا إرهاب . و " الحظر" صنف آخر من الإرهاب ، وعرفنا كثيرا جدا عنه في الأسابيع السالفة إبان عملية روسيا العسكرية الخاصة في أوكرانيا ، ومن ذلك إصدار الاتحاد الأوروبي الصنف السادس من الحظر ضد روسيا ، وكلها تستهدف تدمير اقتصادها ، وخلق كارثة اقتصادية قد تدفع مواطنيها إلى الانتفاضة ، وإسقاط بوتين . وارتدت كل صنوف الحظر حتى الآن على أصحابها حيث إن الأوروبيين بسبيلهم إلى تدمير اقتصادهم ، ودفع العالم كله إلى كساد يعم المعمورة . وللحظر تاريخ مديد ، ومن أشهر حالاته الحظر الذي فرضته الولايات المتحدة على العراق في تسعينات القرن العشرين ، وأشرفت عليه وزيرة خارجيتها مادلين أولبرايت ، وقيل إنه تسبب في وفاة أكثر من 500 ألف طفل عراقي جوعا وسوء تغذية أو مرضا ، وهي النتيجة التي قالت عنها أولبرايت على شاشة التليفزيون الوطني : " يستحقونها ! " . ويبتدع صنوف الحظر موظفون مكتبيون ينفذون توجيهات سياسية دون أي إحساس بالمسئولية ، وفي فراغ قانوني ، وانعدام للإنسانية البسيطة . وصنوف الحظر الحالية على روسيا أعمال حرب ، ولكن متى أعلن كونجرس الولايات المتحدة هذه الحرب ؟! أو متى صدر قرار من الأمم المتحدة بها ؟! ومن ثم فهي جرائم وأعمال حرب . وتتواصل قائمة الأعمال الإرهابية ، وسأذكر هنا نوعا آخر من الإرهاب ، وأؤجل مناقشته تفصيلا إلى يوم آخر ، وهذا النوع هو تدمير عملة دولة بالتضخم ، وحدث هذا في أزمنة تاريخية عديدة ، ويمكن أن يحدث ضد مواطني الدولة نفسها . وأعتقد أن إدارة بايدن تدمر عامدة عملة الولايات المتحدة لتدفع ديونها التي لا تقدر على تحملها دولاراتٍ منخفضة القيمة ، وتحب الحكومات الأوروبية ذات المؤسسات المصرفية الطفيلية التضخم لنفس السبب . وتاريخ الإرهاب مديد ومع ذلك لم ينتهِ ، وتنوء الولايات المتحدة ، بصفتها الراعي الرئيسي اليوم للإرهاب في العالم ، بعبء باهظ من الذنب ، وملزمة بالإجابة عن الكثير من الأسئلة في شأنه إلا أن أوج الإرهاب الذي ترعاه لم ينته حتى يومنا هذا . وأؤمن الآن في الوقت الذي أكتب فيه ، وانطلاقا من سنوات عملي في حكومة الولايات المتحدة ، ومن تجربتي الطويلة في المراقبة ؛ أن الجيش الأميركي يهيء الخطط لتسديد أول ضربة نووية لروسيا . وبديهي أنه من المستحيل مع ترسانة نووية في ضخامة ترسانة أميركا ألا تجري التدريبات وتعد السيناريوهات الخاصة باستعمال تلك الترسانة ، وهي لم تتعهد ألا تكون البادئة بالضربة الأولى . واحتمال تسديد الضربة النووية الأولى إلى روسيا ليس جديدا . سبق أن ناقشه الرئيس جون كنيدي وهيئة أركانه ومستشاروه العسكريون في أزمة الصواريخ الكوبية في أكتوبر 1962. وربما نشهد في وقتنا الماثل ، الوقت الذي تجري فيه العملية الروسية الخاصة في أوكرانيا ، خطرا يشابه في مستواه أي خطر سالف أو يزيد عليه في شدته . ومثلما اتخذت الولايات المتحدة أحداث الحادي عشر من سبتمبر حجة لمحاربة الإرهاب ؛ فإن انفجارا نوويا مزيفا ينفذه أفراد من جيشها أو من وكلائها وينسب إلى روسيا قد يصير سببا في تصعيد شامل للحرب أو ضربة أميركية أولى إلى روسيا بالأسلحة التقليدية أو النووية . وواضح أن الولايات المتحدة اقترفت خطأ كبيرا في حساب ما قامت به في أوكرانيا ، واليقين أنها استدرجت روسيا للهجوم على أوكرانيا في فبراير من هذا العام ، وكانت مع حلفائها الأوروبيين فرضت من قبل عقوبات اقتصادية عليها بغرض تدمير اقتصادها وإحداث تغيير في نظامها السياسي إلا أن استراتيجيتها عادت عليها ضررا ، فروسيا تكسب الحرب عسكريا واقتصاديا ، والولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي والناتو يقاسون هزيمة مهينة . وامتنعت الولايات المتحدة التي لا ترغب في القيام بحرب صريحة ضد روسيا ؛ عن توفير مساندة جوية للجيش الأوكراني المحطم ، أو إرسال قوات برية منها أو من دول الناتو . وقالت الولايات المتحدة إنها لن تحارب روسيا بسبب أوكرانيا ، والدولة الوحيدة التي تحدثت عن الحرب النووية حتى الآن هي روسيا حين أعلن بوتين أن بلاده وضعت قواتها النووية في حال استعداد ردا على التصريحات الميالة للحرب التي يطلقها وزير دفاع المملكة المتحدة ليز تروس ، وعرضت محطة تليفزيون روسية ريش عنق طائر في رسم متحرك إشارة لما يمكن أن يحدث لو قصفت روسيا المملكة المتحدة بأسلحتها الهائلة القوة . ومع توقعنا لانتصار روسيا في حرب مصطنعة أو حرب بالوكالة ضدها ، أو سمها ما شئت ، تقف فيها روسيا مع حليفتها الوثيقة الصين في عدة جبهات ؛ ستواجه الولايات والمتحدة والغرب كله إعادة بناء ضخمة لديناميات الحرب في عالم اليوم . ويواجه النموذج المالي الغربي العالمي القائم على الهيمنة القاهرة للرأسمالية تحديا وجوديا من اقتصادي روسيا والصين الجماعيين واقتصاد شركائهما الآخرين . وربما تكون الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والناتو خسرت الحرب الحالية ، ومرة ثانية ، مع مواجهة هذا الاحتمال ، نحن على يقين أن بين القوى التي تحرك سياسة الولايات المتحدة من يلعب لعبة الضربة النووية الأولى ، وسيكون هذا إرهابا على نطاق غير مسبوق ، والمؤكد أن في روسيا قوى تعمل على منعه .وكل ما أفعله أنا هو تحذير . لا أتنبأ بشيء ، وآمل أن تنهض ، في الأسابيع والشهور القادمة ، القوي التى لا تزال تحتفظ في الغرب بدرجة من العقل ، وتؤكد أن مؤتمرا عالميا كبيرا للسلام في العالم يلاقي روسيا والصين في منتصف الطريق هو أملنا الوحيد في ذلك السلام .
*الكاتب الأميركي رتشارد كوك في صحيفة " في . تي " الأميركية.
وسوم: العدد 988