الشجرة السخية
أحبت شجرة طفلا ،
فصار يأتيها يوميا ،
ويجمع ما تساقط من ورقها ،
ويصنع منها تيجانا ، ويلبسها
ممثلا دور ملك الغابة .
وكان أحيانا يتسلق ساقها ،
ويتدلى من أغصانها ،
ويأكل حبات التفاح التي
كانت تلاعبه أحيانا لعبة الاستغماية .
وكان إذا تعب ينام في ظلها ،
وانتهى شأنه بأن أحبها من كل قلبه .
ومرت السنون ، وكبر الطفل ،
وازدادت وحشة الشجرة لغيابه ،
وجاءها يوما ، فقالت : " تعال يا فتى ، وتسلق
ساقي ، وتدلَ من أغصاني ، وكل من حباتي ، والعب
في ظلي ، واسعد ! " .
فقال : " كبرت جدا على التسلق واللعب .
أحب شراء الأشياء ، واللهو .
أريد بعض المال . "
قالت الشجرة : " آسفة . ليس لدي مال .
ما لدي إلا الأوراق وحبات التفاح .
فخذ حباتي وبعها في المدينة لتنال المال
وتسعد ! "
فصعد عليها ، وقطف ثمارها ،
ومضى بها ، فسعدت بما فعل .
وطال غيابه بعدئذ مما أحزنها ،
وعاد يوما ، فطربت فرحا لعودته ، وقالت :
" تعال يا فتى ! تسلق ساقي ، وتدلَ من أغصاني واسعد ! " .
فقال : " تشغلني شواغل كثيرة عن تسلق الشجر . أريد بيتا
يدفئني . أريد زوجة وأولادا ، ولهذا أريد بيتا . هل تهبينني بيتا ؟! " .
قالت : " لا أملك بيتا . الغابة بيتي ، ولك ان تقطع أغصاني ، وتبني منها بيتا ، فتسعد "
فقطعها ومضى بها لبناء بيت ، فسعدت بما فعل .
وطال غيابه بعد ذلك .
وسعدت به حين عاد يوما سعادة عظيمة حتى كادت تعجز عن الكلام ، فهمست :
" تعال يا فتى ! تعال والعب ! " ،
فقال : " أنا أكبر سنا وأكثر حزنا من أن ألعب . أريد زورقا يحملني بعيدا عن هذا المكان .
هل تهبينني زورقا ؟! " .
قالت :" اقطع ساقي ، واصنع منها لك زورقا ، وعندئذ تستطيع الرحيل ، والشعور بالسعادة . "
فقطع ساقها ، وصنع منها زورقا ، ورحل بعيدا ، فشعرت بالسعادة إلا أن شعورها
ما كان صادقا .
وعاد إليها بعد زمن طويل ، فقالت : " آسفة يا فتى ! لم يبق لدي ما أهبه لك .
ذهبت كل ثماري . " .
فقال : " أسناني أضعف من أن تأكل ثمارك . "
قالت : " وأغصاني ذهبت . لا يمكنك الآن أن تتدلى منها .
فقال : " أنا أكبر الآن من أن اتدلى من الأغصان . "
قالت : " وذهبت ساقي . لا تستطيع أن تتسلقها . أتمنى لو أستطيع أن أهبك شيئا إلا
أنني لم يبق لدي شيء . لم يبق سوى أصل ساقي . آسفة . " .
قال : " لا أريد الكثير الآن . لا أريد سوى مكان هادىء أقعد فيه وأستريح . أنا متعب جدا . "
فقالت وهي ترفع قامتها بأقصى قدرتها : " حسن ! أصلُ ساقي مكان صالح للقعود والراحة .
تعال يا فتى واقعد ! اقعد واسترح ! " ، فقعد ، فشعرت بالسعادة .
*الشاعر الأميركي شل سيلفرشتاين ( 1930 _ 1999 ).
وسوم: العدد 1034