حان الوقت لطرد إسرائيل من الأمم المتحدة : إيان ويليامز
إيان ويليامز* - (تقرير واشنطن عن شؤون الشرق الأوسط) 15/10/2024
حذر رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى ضرورة إجلاء قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة "فوراً" من مناطق القتال في جنوب لبنان، مدعياً أن قوات الأمم المتحدة تعمل "كدروع بشرية" لحزب الله.
* * *
غطيت أخبار الأمم المتحدة وقدمت التقارير الصحفية عنها منذ العام 1989، وظلت كل من فلسطين وإصلاح مجلس الأمن يشغَلان الأجندة على مدى كل تلك العقود. كانت هناك قضايا أخرى بطبيعة الحال -تتداعى إلى الذهن مسائل كشمير وقبرص والكونغو- لكنها غالباً ما كانت تتقلب بهدوء على موقد هادئ بدلا من الفوران على نار حامية. بشكل خاص، أدى المأزق المتشابك من قضية فلسطين وإصلاح مجلس الأمن إلى تآكل مصداقية الأمم المتحدة تدريجياً بينما كان أعضاء عاديون في الأمم المتحدة يحاولون الالتفاف على حق النقض، (الفيتو)، وتجاوز العقبة التي يشكلها.
وراءً في العام 1989، لم تكن أيّ من المملكة المتحدة والولايات المتحدة تعتبر نيلسون مانديلا و"حزب المؤتمر الوطني الإفريقي" أفضل من "منظمة التحرير الفلسطينية"؛ بعبارات أخرى، كان يُنظر إليهما كما يُنظر اليوم إلى "حماس" و"حزب الله" -كإرهابيين مارقين ومنبوذين. في العام 1988، مُنع ياسر عرفات من دخول الولايات المتحدة لإلقاء كلمة في الجمعية العامة للأمم المتحدة. وعندئذٍ رحلت الجمعية بأسرها إلى جنيف احتجاجاً على انتهاك الولايات المتحدة للقانون الدولي. ولم يكن لذلك تأثير يُذكر على الولايات المتحدة التي كان يجري إعداد ناخبيها -حتى في ذلك الوقت- لهوس "جعل أميركا عظيمة مرة أخرى" الذي سيأتي لاحقاً.
وفي توقع لنوع التفكير المزدوج الذي ساد حالياً، أشاد المعلقون بمانديلا ورفعوه إلى السماء وحاولوا التغاضي عن دعمه الصاخب لمنظمة التحرير الفلسطينية وياسر عرفات. مع ذلك، وبصرف النظر عن الفترة المثالية التي أعقبت "اتفاقات أوسلو، حين بدا أن بعض السياسيين الإسرائيليين يأخذون وعودها بإقامة دولة فلسطينية على محمل الجد، تم تقييم إسرائيل في كل مكان تقريباً في الأمم المتحدة ووُجد أنها لا تفي بالمطلوب. وفي العام الماضي، وسط إدانة عالمية تقريباً، واصلت إسرائيل أعمال السلب والنهب التي تمارسها بلا توقف -ليس من دون دون قيود أو معارضة فحسب، بل بدعم اقتصادي وعسكري وسياسي هائل من عضوين على الأقل في مجلس الأمن الدولي.
ترتبط مسألتا خروج إسرائيل على القانون الدولي، ودعم أعضاء مجلس الأمن لهذا الخروج على القانون، بشكل وثيق. فمن دون الهيكل الرجعي لمجلس الأمن، ما كانت إسرائيل لتتمكن من استخدام حق النقض بالوكالة من خلال الولايات المتحدة (وأحياناً بريطانياً). ومن دون هذا الفيتو، كانت إسرائيل ستواجه النقد الشديد، وتصبح منبوذة دولياً. تعرف إسرائيل وأصدقاؤها مدى أهمية عضويتهم في الأمم المتحدة، الآن وفي كل وقت. وفي حين يزدري الوزراء الإسرائيليون المتبجحون قرارات الأمم المتحدة، يكدح المحامون الأذكياء في وزارة الخارجية الإسرائيلية بلا كلل لتقديم الأعذار اللازمة وتعكير المياه بما يكفي لتجنب عمل دولي ضد إسرائيل. لكن المرء يتساءل: متى سيبدأ الرد، ومتى ستعلِن القوى الكبرى ووسائل الإعلام الرئيسية أن إسرائيل ترتدي مُسبقاً مئزر جزار؟
كان إدوارد سعيد هو الصوت النبوئي المدوي في البرية، الذي يحذر كل من يستمع من أن القادة الإسرائيليين لن يفوا أبداً بالتزاماتهم بموجب أي اتفاقات. ولأنني كنت مصاباً بعدوى التفاؤل والحماس بسبب اتفاقات أوسلو، شعرت بالأسى في البداية لهتافه الشبيهة بابتهالات إرميا، لكنني اعتذرت له في غضون عام. كان محقاً تماماً، على الرغم من أن ازدواجية إسرائيل كشفت عن نفسها في ذلك الوقت في شكل المماطلة والتدقيق المبالغ فيه في التفاصيل الصغيرة وليس بالإجرام المطلق الذي انحدرت إليه الآن.
الآن، تتجاوز إسرائيل كل الحدود. في بداية تشرين الأول (أكتوبر)، أعلن وزير الخارجية، يسرائيل كاتس، أن الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، هو شخص غير مرغوب فيه. وقال كاتس: "أي شخص لا يستطيع إدانة هجوم إيران الشنيع على إسرائيل بشكل لا لبس فيه لا يستحق أن تطأ قدمه الأراضي الإسرائيلية. هذا أمين عام كاره لإسرائيل، ويقدم الدعم للإرهابيين".
ولكن ليس، على ما يبدو، للنوع المقبول من الإرهابيين الذين يغتالون الناس على الأراضي الإيرانية، أو يهددون بقصف أحادي الجانب للمنشآت النووية الإيرانية، أو يقومون بتفخيخ الهواتف المحمولة وأجهزة الاستدعاء في لبنان ويقصفون غزة وبيروت بلا هوادة.
عندما أدلى كاتس بتصريحاته غير المدروسة وسيئة المشورة، لم تتم استشارة محامي وزارة الخارجية، أو ربما يكونون قد سئموا واستسلموا. من المؤكد أن المرء يشك في أن كاتس لم يكن يأخذ نصيحة من واشنطن، ناهيك عن رئيس وزرائه، الذي تجرده قبضته غير المستقرة على السلطة من القدرة على ممارسة أي سلطة تأديبية على وزراء ائتلافه. في الحقيقة، ينبغي اعتبار رفض دخول الأمين العام للأمم المتحدة إلى إسرائيل، إلى جانب الحظر المفروض على ممثلي الأمم المتحدة الآخرين وتمزيق السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة، جلعاد إردان، ميثاق الأمم المتحدة على منصة الجمعية العامة، انسحاباً رمزياً من المنظمة.
في القاموس الإسرائيلي، يشمل "الإرهابيون" الأطفال بين أذرع أمهاتهم، ولكن ليس الإسرائيليين الذين يلقون الصواريخ الخارقة للتحصينات على خيام اللاجئين، ولا قوات الاحتلال الإسرائيلي التي تطلق النار على شاحنات المساعدات. لم تُعق التحدي الإسرائيلي للأمم المتحدة والمحاكم الدولية الانتقادات العرضية من البيت الأبيض. في الواقع، في الأسبوع نفسه الذي وجه فيه كاتس أصابع الاتهام إلى غوتيريس، عسكرت قوات الاحتلال الإسرائيلي في لبنان تماماً بجوار القوات الأيرلندية، وهي جزء من قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة. في سياقات أخرى، كان من الممكن أن يثير هذا السلوك صيحات الاستهجان حول "الرهائن البشريين"، لكن الأيرلنديين مصنوعون من شيء أكثر صلابة، وقد رفضوا الانتقال من مواقعهم على الرغم من توجيه فوهة مدفع دبابة إسرائيلية إليهم مباشرة.
وكسب العناد الأيرلندي. في النهاية كان الإسرائيليون هم الذين رحلوا، ربما بعد أن وزن الأشخاص المهووسون بالتفاصيل في واشنطن الآثار المترتبة على إمكانية أن يلحق اللوبي الأميركي الأيرلندي الأذى بخط أزرق رفيع بإضافة شريط أخضر. لكن ذلك لم يمنع إسرائيل من إطلاق النار على القاعدة الإيطالية، وإن كان ذلك بحذر إضافي بحيث لم يقتل ذلك أحداً في الواقع. لكنه يدل على الإصرار على الأقل.
حتى الولايات المتحدة احتجت، واقترب رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر من قبول الدعوة الأيرلندية التي قالت إن الخطوة الإسرائيلية تنتهك القانون الدولي. ينبغي أن تكون لائحة الاتهام هذه بالمخالفات "الإجرائية" ضد ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي واتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية وما إلى ذلك من الأشياء التي بلا نهاية أكثر من كافية لدفع أعضاء الأمم المتحدة إلى فرض عقوبات على إسرائيل، حتى قبل أن نصل إلى الأشياء الخطيرة مثل القتل الجماعي وانتهاك اتفاقية الإبادة الجماعية، التي ينبغي أن تلزم الأعضاء بواجب التدخل، وهو السبب في أن جنوب أفريقيا حاولت جاهدة الحصول على الحكم.
لكن سيل القنابل والأصوات التي تهب للدفاع عن إسرائيل يستمر في التدفق بلا عوائق. في الواقع، بينما كان انتباه العالم "مشتتا" بالهجوم الإسرائيلي على لبنان، أعلنت إسرائيل عن آخر أعمالها الإجرامية غير القانونية: عزمها على مصادرة مقر وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) في القدس الشرقية المحتلة واستخدام الأرض لبناء مستوطنات يهودية غير قانونية. وحتى السفير الأميركي لدى الأمم المتحدة بدا قلقاً.
لماذا توجد قوات إسرائيلية في لبنان؟ لماذا لا يفتتح المعلقون الأميركيون والبريطانيون كل جملة بالتأكيد على حق اللبنانيين في الدفاع عن النفس؟
كانت سلَف الأمم المتحدة، عصبة الأمم، قد ذابت في مواجهة التعنت من ألمانيا واليابان والاتحاد السوفياتي، الذي كان قد طرد بعد غزو فنلندا. وخلافاً لتلك الهيئة، يتمتع مجلس الأمن الآن بسلطة الإنفاذ.
يرى البعض أن إصلاح الأمم المتحدة هو الرد على تعنت دولة عضو: توسيع المقاعد الدائمة، وإلغاء مقعدي بريطانيا وفرنسا الدائمين، وتقييد صلاحيات حق النقض. ولن تكون هذه التدابير الإجرائية فعالة، على الرغم من أن تشكيل "اتحاد من أجل توافق الآراء" يتمتع بتمثيل أوسع ومنتخب يمكن أن يحسن فعالية المنظمة وشرعيتها. إن ما نحتاجه حقاً هو وفود أكثر التزاماً بالمبادئ والتي سترفض قبول إسرائيل كعضو شرعي في مجتمع الأمم. لقد طردت روسيا من "مجلس حقوق الإنسان" التابع للأمم المتحدة.
هل يجب أن يرقص ممثل إسرائيل الحالي لدى الأمم المتحدة، داني دانون، على منصة الجمعية العامة ورأس نائب الأمين على طبق من ذهب لكي يدفع أعضاء المنظمة إلى العمل؟ لقد حان الوقت لأن تتوقف هذه القوادة. كان ينبغي اعتبار تمزيق إردان لميثاق الأمم المتحدة إلغاءً إسرائيلياً للميثاق؛ وأن يشير منع الأمين العام من الزيارة إلى أن إسرائيل ليس لها دور في المنظمة. وكذلك حال حظر عمل (الأونروا) والتهديد بمصادرة أصولها في القدس لبناء مستوطنات غير قانونية على الأراضي المحتلة. لقد تمكن مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي من إيقاف آل كابوني بتهمة التهرب الضريبي -والآن هو الوقت المناسب ليتم الضغط على إسرائيل بسبب انتهاكاتها الإجرائية الواضحة لميثاق الأمم المتحدة واتفاقية فيينا، حتى لو كان متمتعان بحق النقض (الفيتو) يتستران عليها بشأن بتهمة الإبادة الجماعية.
من خلال إعلان غوتيريس شخصاً غير مرغوب فيه، ربما تكون إسرائيل قد أنقذت سمعة الأمين العام، التي خفتت بسبب حذره النسبي في معالجة أعمال النهب والسلب والانتهاكات الإسرائيلية. إن التعرض للهجوم من قبل عدو للبشرية والقانون الدولي ليس بالأمر السيئ.
ولكن الآن ينبغي أن تكون هناك متابعة. يجب أن تكون عضوية الأمم المتحدة الآن بصدد سحب امتيازات عضوية إسرائيل، لأنه حتى لو كانت الدول مترددة في التصرف بشأن انتهاكات إسرائيل الفظيعة للقانون الدولي، فإنها انتهكت الآن بوضوح القواعد الأساسية للدبلوماسية الدولية. وباستعارة تعبير ترامب المشهور، حان الوقت لـ"ركلهم إلى الخارج"!
*إيان ويليامز Ian Williams: صحفي بريطاني مخضرم وكاتب معروف بعمله في الشؤون الدولية، وخاصة تغطيته للأمم المتحدة وسياسات الشرق الأوسط. كتب بإسهاب عن قضايا الحوكمة العالمية والدبلوماسية والأمور المتعلقة بالأمم المتحدة، مع التركيز غالباً على ديناميات القوى بين الدول الكبرى والدول الأصغر داخل المنظمة. نشر في منشورات مثل الغارديان وذا نايشن وفورين بوليسي إن فوكس، كما شغل سابقاً منصب رئيس رابطة مراسلي الأمم المتحدة. بالإضافة إلى عمله الصحفي، ألف ويليامز كتبا عدة، من بينها "حكاية الأمم المتحدة: القصة الحقيقية للأمم المتحدة في السلم والحرب" The U.N.told: The Real Story of the United Nations in Peace and War، حيث يقدم تحليلاً نقدياً لدور الأمم المتحدة في الشؤون العالمية. ويعرف ويليامز بمواقفه الناقدة للسياسات الأميركية والإسرائيلية داخل إطار الأمم المتحدة، وعلق كثيراً على قضايا مثل إصلاح مجلس الأمن وحق الفلسطينيين في إقامة دولة والقانون الدولي. يتميز عمله بنظرة صريحة ونقدية في كثير من الأحيان للقيود والتحديات التي تواجه المؤسسات الدولية كالأمم المتحدة.
وسوم: العدد 1101