من هو الدكتاتور؟
روبرت كابلان
ريال كلير بوليتيكس
17/10/2013
من هو الدكتاتور, أو المستبد؟ أراهن أنك تعتقد أنك تعرف. لكن ربما لا. طبعا, أدولف هتلر وجوزيف ستالين وماو تسي تونغ كانوا دكتاتوريين. وكذلك كان صدام حسين وكلا من حافظ وبشار الأسد. ولكن في عدة حالات فإن الوضع ليس بتلك البساطة والوضوح. في العديد من الحالات فإن الواقع – والأخلاق- التي تحكم الموقف تكون أكثر تعقيدا.
دينغ شياو بينغ كان دكتاتورا, صحيح؟ بعد كل شيء, فقد كان رئيس الحزب الشيوعي في الصين من عام 1978 إلى عام 1992. ولم يكن منتخبا. وحكم من خلال الخوف. كما وافق على ذبح المتظاهرين في ميدان تيانمين في بكين عام 1989. ولكنه قاد الصين أيضا باتجاه اقتصاد السوق الذي أدى إلى رفع مستوى المعيشة ودرجة حريات الأفراد للمزيد من الناس في فترة ربما تكون أقصر من أي وقت زمني آخر مسجل في التاريخ لمثل هذا التحول الاقتصادي. من أجل هذا الانجاز, ربما يجادل المرء بأنه يمكن تصنيف دينغ كواحد من أعظم الرجال في القرن العشرين, على قدم المساواة مع وينستون تشرتشيل وفرانكلين روزفيلت.
ولذلك ليس من العدل وضع دينغ في نفس الفئة مع صدام حسين, أو حتى مع حسني مبارك, زعيم مصر السابق, أي منهم أدى حكمه العقيم إلى إعداد شعبه للمزيد من الانفتاج المجتمعي؟ فوق جميع الاعتبارات ليس هناك أي من هؤلاء الرجال الثلاثة جاء إلى الحكم عن طريق الانتخابات. وجميعهم حكموا من خلال الخوف. فلماذا لا نضعهم جميعهم في نفس المجموعة؟
أو ماذا عن لي كوان يو و زين العابدين بن علي؟ خلال المراحل الأولى لحكم لي لسنغافورة تصرف بطريقة استبدادية, كما فعل بن علي خلال طيلة فترة حكمه لتونس. إذا ألا يستحقان أن نصفهما بالمستبدان؟ لقد رفع لي مستوى الحياة ونوعيتها في سنغافورة من دولة كانت مساوية لبعض أفقر الدول الإفريقية في الستينات إلى دولة تعادل أغنى الدول الغربية في بداية التسعينات. كما وضع أسسا للجدارة ( نظام لمكافأة الفرد بناء على إنجازاته ولس على أمواله أو معارفه: المترجم) والحكم الرشيد والتخطيط الحضري على أساس عالمي. مذكرت لي ذات الجزأين يمكن قراءتها كما تتم قراءة حياة النبلاء اليونان والرمان. ولكن بن علي وعلى النقيض من ذلك, كان مجرد سفاح خادم لأجهزة الأمن جمع ما بين التوحش وأقصى مستويات الفساد, كما كان الإصلاح غائبا تماما عن حكمه. مثل مبارك, فقد ضمن الاستقرار ولكن لم يقدم أي شيء آخر.
فهمتهم الفكرة. إن تقسيم العالم ما بين أسود وأبيض بين الدكتاتوريين والديمقراطيين يفتقر تماما للمعنى السياسي والتعقيد الأخلاقي للوضع على الأرض في الكثير من البلاد. إن تقسيم الأمور ما بين ديمقراطيين ودكتاتوريين واسع جدا لفهم العديد من المناطق وحكامها – وبالتالي تقديم فهم كاف للجغرافيا السياسية. بالتأكيد هناك فضيلة في ذلك من خلال تبسيط التفكير وتقديم الأمور. إن تبسيط الأنماط المعقدة يسمح للناس إدراك الحقائق الأساسية التي ربما لا يدركوها في حالة عدم تبسيطها. ولكن ولأن الحقيقة ذات طبيعة معقدة, فإن الكثير من التبسيط يؤدي إلى رؤية بدائية للعالم. واحدة من أفضل الأمور بالنسبة للمثقفين والمتخصصين في الجغرافيا السياسية هي ميلهم لمكافأة التفكير المعقد وقدرتهم المصاحبة على رسم الأبعاد بصورة دقيقة.
إن التمييز الجيد يجب أن يكون حول ما تدور حوله الجغرافيا والعلوم السياسية. وهو يعني أننا نتعرف على العالم من خلال معرفتنا أنه كما أن هناك ديمقراطيون سيئون فإن هناك دكتاتوريون جيدون. في العديد من الحالات فإنه لا يجب تصنيف حكام العالم ما بين أبيض وأسود, ولكن هناك ظلال كثيرة غير محدددة, تغطي الطيف ما بين الأسود والأبيض.
المزيد من الأمثلة:
نواز شريف ومنافسته الراحلة بنازير بوتو, عندما حكموا باكستان بالتناوب في التسعينات, كانت إدارتهما رهيبة. كلاهما كان منتخبا, لكن كلاهما حكم بطريقة غير منضبطة وفاسدة وغير حكيمة مما جعل البلاد أقل استقرارا ومهدا الطريق لوجود حكم العسكر. لقد كانا ديمقراطيين ولكنهما لم يكونا ليبراليين.
الملك حسين ملك الأردن الراحل والراحل بارك تشونغ في كوريا الجنوبية كانا دكتاتوريان, ولكن الديناميكية والحكم المستنير أدى إلى تغيير قطع جغرافية غير مستقرة وجلبا لهما النمو وحالة من الاستقرار النسبي. لقد كانا دكتاتوريان ولكنها ليبراليان في نفس الوقت.
وسط هذا التعقيد السياسي والأخلاقي الذي يعصف بمناطق مختلفة من الأرض, ظهرت بعض النماذج الأخرى. على العموم, الدكتاتوريون الآسيويون حكموا بطريقة أفضل من نظرائهم الشرق أوسطيين. دينغ في الصين, لي في سنغافورة, بارك في كوريا الجنوبية, مهاتير محمد في ماليزيا, تشيانغ كاي تشيك في تايوان, جميعهم كانوا مستبدين بدرجة أو بأخرى. ولكن شموليتهم قادت إلى تطور اقتصادي وتكنولوجي وإلى حكم أفضل وإلى تحسين نوعية الحياة. الأهم من ذلك كله, فإن حكمهم, مهما كان ناقصا, أدى إلى تحسين وضع مجتمعاتهم وبالتالي التحول نحو الإصلاحات الديمقراطية فيما بعد. جميع هؤلاء الرجال, من ضمنهم مهاتير المسلم, كانوا متأثرين بطريقة غير مباشرة وغامضة بمجموعة من التعالم الكونفوشيوسية, والتي تتضمن: احترام التسلسل الهرمي وكبار السن وبشكل عام الحياة الأخلاقية العامة في هذا العالم.
كل ذلك يقف على نقيض من حالة الدكتاتوريين العرب مثل بن علي في تونس ومبارك في مصر وصدام في العراق وعائلة الأسد في سوريا.كما أنه صحيح أن بن علي ومبارك كانا أقل قمعا من صدام والأسد الراحل. وعلاوة على ذلك فقد شجع كل من بن علي ومبارك على بعض التطور في الطبقة المتوسطة في بلادهم. ولكنهما لم يكونا مصلحين أخلاقيين بأي شكل من الأشكال. وبالطبع صدام والأسد كانا متوحشين تماما. فقد حكموا البلاد بطريقة خانقة من القمع بحيث حولوها إلى زنزانة صغيرة. وبدلا من الحكم بالكونفوشسية فقد حكم كل من صدام والأسد مدفوعان بالبعثية, وهي صورة من صورة الاشتراكية العربية التي تعارض بشراسة الاستعمار الغربي ولكنها خلقت حالة استبداد سيئة جدا.
خارج الشرق الأوسط وآسيا هناك حالة روسيا. في التسعينات, حكم بوريس يلتسن البلاد, وهو رجل أشاد الغرب به على أنه ديمقراطي. ولكن حكمه غير المنضبط أدى إلى حالة من الفوضى الاقتصادية والاجتماعية. فلاديمير بوتين, من ناحية أخرى, أكثر قربا من الاستبداد – وهو يظهر ذلك بصورة متسارعة- ويحظى بحالة من الازدراء في الغرب. ولكن, وبمساعدة أسعار الطاقة المتزايدة, أعاد روسيا إلى نوع من أنواع الاستقرار, وبهذا حسن بصورة سريعة نوعية الحياة بالنسبة للروسي العادي. وقام بذلك دون اللجوء إلى مستوى الاستبداد- مع اختفاء تام لمخيمات العمل في سيبيريا- العائد إلى القياصرة القدماء.
وأخيرا, هناك قضية أخلاقية أكثر إرباكا بالنسبة للجميع وهي قضية الدكتاتور التشيلي الراحل أوغستو بينوشيه. في السبعينات والثمانينات, خلق بينوشيه أكثر من مليون فرصة عمل, وعمل على تخفيض معدل الفقر من ثلث عدد السكان إلى أقل من العشر, وخفض معدل وفيات الأطفال من 78 لكل 1000 إلى 18. و كانت تشيلي في عهد بينوشيه واحدة من الدول غير الآسيوية القليلة في العالم التي شهدت معدل نمو اقتصادي مرتفع في ذلك الوقت. لقد أعد بينوشيه بلاده بصورة جيدة للديمقراطية, حتى أن سياسته الاقتصادية أصبحت نموذجا للنمو في عالم ما بعد الشيوعية. ولكن بينوشيه كان موضعا للكراهية ما بين الليبراليين والحقوقيين في العالم بسبب سنوات من ممارسة التعذيب الممنهح ضد عشرات الآلاف من الضحايا. وهكذا أين يمكن وضعه ضمن الطيف ما بين الأسود والأبيض؟
ليست الشئون الدولية فقط هي من يمتلك ظلالا غير محددة, ولكن في بعض الأحيان يصبح من المستحيل معرفة أين يمكن تصنيف شخص ما على هذا الطيف. إن قضية ما إذا كانت الغايات تبرر الوسائل لا يجب أن يتم الإجابة عليها من خلال الأسلوب الميتافيزيقي, ولكن يجب الإجابة عليه من خلال الملاحظة التجريبية, حيث إن بعض الغايات تبرر الوسائل, وبعضها لا. في بعض الأحيان تكون الوسائل غير مرتبطة أبدا بالغايات, ولهذا فهي يجب أن تدان., كما في حالة تشيلي. هذه هي معضلة العالم السياسية والأخلاقية. التعقيد والتمييز الدقيق أمور يجب تتبنى؛ وإلا فإن العلوم السياسية والجغرافيا السياسية والتخصصات المرتبطة يمكن أن تؤدي إلى التضليل عوضا عن التنوير.