جابوتنسكي: لاحل وسطاً مع الفلسطينيين
ترجمة : حماد صبح
لا مجال لمناقشة حل وسط ، لا الآن ، ولا في المستقبل المنظور ، بيننا وبين العرب ، وكل طيبي النية بيننا ، باستثناء من ولدوا عميا ، أدركوا من زمن بعيد الاستحالة المطلقة للتوصل لاتفاق طوعي مع عرب فلسطين يحولها من بلد عربي إلى بلد ذي أغلبية يهودية . إن أي سكان أصليين ينظرون إلى بلدهم بوصفه وطنهم القومي الذي هم سادته ، ومن ثم لن يسمحوا بأن يملكه سيد جديد ، والأمر نفسه بالنسبة للعرب . ويسعى الجانحون بيننا إلى الحل الوسط إلى إقناعنا بأن العرب عصبة من الأغبياء يمكن خديعتهم بعبارات غامضة حول حقيقة أهدافنا . إنني أرفض رفضا جازما حازما تقبل هذا الرأي عن عرب فلسطين ؛ فنفسيتهم تشبه نفسيتنا تماما ، وهم ينظرون إلى فلسطين بذات الحب الغريزي والحماسة الصادقة اللذين ينظر بهما الأزتك إلى المكسيك وأي هندي أحمر إلى براريه . وكل شعب سيكافح ضد المستوطنين حتى تنطفىء آخر شعلة أمل له في صد مخاطر الاستيطان التي تهدد وطنه . ولا قيمة لصنف الكلمات التي نستعملها لتوضيح استيطاننا ؛ فللاستيطان معنى واضح تام لا مناص منه يدركه كل يهودي وكل عربي . الاستيطان له هدف واحد وحيد ، وتلك هي طبيعة الأمور ، وتبديل تلك الطبيعة ضرب من المستحيل . لقد كان من الضروري مواصلة الاستيطان رغم أنف عرب فلسطين ، ونفس الأمر ما زال قائما اليوم . وحتى الاتفاق مع غير الفلسطينيين ( العربِ الآخرين ) يعد نفس النوع من الخيال المستحيل . إن موافقة القوميين العرب في بغداد ومكة ودمشق على دفع هذا الثمن الكبير ستوجب عليهم التخلص من عروبة هوية فلسطين . ولا يمكننا من ناحية أخرى دفع تعويض عنها لا للفلسطينيين ولا للعرب . وعليه يستحيل تصور اتفاق طوعي بيننا وبينهم بشأنها ، ويجب أن تتواصل كل أنواع الاستيطان فيها بما في ذلك أكثره تقيدا بالضوابط في تحدٍ لإرادة السكان الأصليين . وبذلك يتواصل ويتطور في حمى درع القوة فحسب التي تشمل حائطا حديديا لا يستطيع السكان المحليون النفاذ منه . هذه هي سياستنا الحقيقية ، وصياغتها أي صياغة أخرى ما هي إلا ضرب من النفاق . وإن القوة الخارجية حتمية لا معدى عنها ، سواء من خلال وعد بلفور أو الانتداب لإيجاد ظروف تتعلق بالحكم والدفاع في فلسطين من شأنها أن تحرم السكان المحليين ، بصرف النظر عن رغبتهم ، من فرصة الحؤول دون تحقيق استيطاننا للبلاد إداريا وماديا . ولابد للقوة من أداء دورها في هذا الأمر بعنف ودونما أي مساهلة . ولا يوجد هنا حقيقة أي فرق بين محاربينا ومزارعينا ؛ فالأولون يؤثرون جدارا حديديا من الخناجر اليهودية ، والآخرون يؤثرون جدارا حديديا من الخناجر الإنجليزية . ويلزمك إذا أردت استيطان أرض يسكنها شعب آخر قبلك أن تقيم فيها لك حامية أو أن تجد شخصا غنيا أو محسنا جوادا يقيمها لصالحك . وإلا ، وإلا فاترك مشروع استيطانك ؛ إذ لا غنى عن القوة المسلحة التي تجعل أي محاولة لتدمير استيطانك أو منعه محاولة مستحيلة . الاستيطان بدون قوة مسلحة ليس صعبا ولا خطرا ، بل مستحيلا . والصهيونية في جوهرها مغامرة استيطانية ، ولذا هي تقوم بالقوة المسلحة وتنهار بدونها . وإنه لمن المهم أن نتحدث العبرية ، ولكن ، ولسوء النصيب ، مهم أكثر أن نكون قادرين على إطلاق النار، وإلا فأنا أهزل في مسألة الاستيطان . وأقول ردا على الملام الرخيص المبتذل بأن رأيي هذا ليس أخلاقيا إنه ملام مزيف تماما. هذه أخلاقنا ، ولا أخلاق سواها. وطالما وجد العرب بارقة أمل مهما وهنت لإعاقة استيطاننا فلن يبيعوا هذا الأمل بحلو الكلام أو لذيذ المأكل ؛ لأن الفلسطينيين ليسوا رعاعا ، بل شعبا حيا ، وما من شعب في الدنيا يقدم مثل هذه التنازلات الجسام في مثل هذه القضايا المصيرية إلا إذا فقد الأمل ، وأغلقنا أمامه كل ثغرة مرئية في الجدار الحديدي.
*فلاديمير جابوتنسكي ( 1880 _ 1940 ) أكبر أركان المشروع الصهيوني في فلسطين ، وواضع أسس الجيش الإسرائيلي .
*المادة مجتزأة من مقال في مجلة في تي الأميركية التي تتصدى في مقالاتها لمخاطر النشاط الصهيوني على العالم .