التردد وقت احتراق دمشق
التردد وقت احتراق دمشق
ترجمة وتحرير مسار للتقارير والدراسات - 7 أيار 2013
في هذه الأوقات الحرجة التي تنزلق فيها سوريا للفوضى بشكل أكبر وأسرع، يتسم التعامل الأمريكي مع الوضع بالتردد تجاه مصالحنا الوطنية ومصالح حلفائنا في المنطقة.
ومما يبدو فإن سقوط الرئيس بشار الأسد أمر لا مفر منه، ولكن السؤال هو كم من الوقت سيمضي حتى يسقط، وما مقدار المعاناة وسفك الدماء الذي يجب أن يحدث قبل سقوطه. وطالما أن المعارضة مقسمة على أسس طائفية بين معتدلين ومتطرفين، فإن هناك معركة ثانية تلوح في الأفق، وببساطة، فقط كونهم ضد بشار الأسد أمر لم يعد كافيا.
لن يخدم انهيار الدولة مصالح أي أحد عمليا وأخلاقيا، ولا انهيار الدولة وعموم الفوضى في سوريا، وتمكين الجماعات العنيفة المتطرفة التي تتصل بتنظيم القاعدة وبالهجمات الانتقامية التي من الممكن أن تتبع سقوط الأسد. ولذلك فإن على أمريكا أن تستعد للعقد استثمارات والتزامات جديدة لتجنب كارثة أكثر عمقا.
القيادة الأمريكية، بما تتضمنه من تقديم السلاح وتدريب الثوار المعتدلين، قد تكون الحل الوحيد الذي من الممكن أن يرجح كفة الميزان ويساعد على إنهاء النزيف في سوريا وإيقاف التهديدات ضدنا وضد حلفائنا. وفي حين أن الإدارة الأمريكية غير حاسمة ومترددة في موقفها بالتدخل أو عدمه، فإن المتطرفين المتشددين والمسلحين يزدادون قوة وتأثيرا على الأرض. وإذا ثبتت المزاعم باستخدام سوريا للأسلحة الكيماوية – ما وصفه السيد أوباما "خطا أحمر" يحظر تجاوزه - فإن ذلك سيجبر البيت الأبيض والكونغرس على اتخاذ قرار حول زيادة مشاركتهم وتأثيرهم في منطقة الصراع.
الرئيس أوباما ومستشاروه يواجهون قرارات صعبة حول سوريا، فعلى الرئيس أن يعمل بشكل وثيق مع الكونغرس في وضع استراتيجيته وعدم نشر أي قوات عسكرية دون موافقة الكونغرس. وكما الرئيس، أنا متردد كذلك في توريط الولايات المتحدة في حرب معقدة وطويلة الأمد، ولا أؤيد نشر قوات أمريكية للإطاحة بالأسد. لكن وقت "القيادة من الخلف" قد انتهى.
بداية، يجب على الولايات المتحدة أن تتخذ موقفا تؤثر فيه على ميزان القوى على الأرض، وتحول الزخم بعيدا عن الجماعات الإسلامية المتطرفة باتجاه القوات الأكثر اعتدالا والذين نأمل أن يقودوا سوريا بعد سقوط الأسد. ولكن للأسف، القوات المعتدلة التي يجب أن ندعمها ليست هي الأكثر قوة أو الأكثر تماسكا من بين القوات المقاتلة في سوريا.
علينا أن نستخدم الموارد والخبرات الأمريكية للمساعدة في تغيير ذلك – بما هو أبعد من "المساعدات غير القاتلة" التي نقدمها حاليا. وهذا سيتطلب أسلحة وتدريبا لوحدات الثوار المتحقق من أمرها من قبل الولايات المتحدة ومساعدة في تطوير مهارات القيادة والتماسك في كلتا المؤسستين العسكرية والمدنية. لا يتوجب علينا أن نشارك في بناء الوطن، ولكن يمكننا بالتأكيد تقديم دعم محدد للسوريين لإعادة بناء بلدهم.
إرسال الأسلحة ليس كفيلا وحده بحل المشكلة، بالنظر إلى أن الأسلحة الصغيرة تتدفق بالفعل إلى المقاتلين من مصادر أخرى في المنطقة بمعدل ينذر بالخطر. بإمكان الولايات المتحدة أن تقوم بدفع سوريا خطوة للأمام على طريق المستقبل من خلال إنشاء علاقات مع شركاء المستقبل، وذلك عن طريق إشراك وحدات متحقق منها وتدريبها على احترام قانون الصراعات المسلحة وحماية البنية التحية الحيوية والحفاظ على مواقع الأسلحة الخطيرة آمنة.
بالإضافة إلى ما سبق، يجب على الولايات المتحدة أن تبادر في بناء توافق دولي في الآراء حول ما ستبدو عليه الحكومة المقبلة في سوريا. علينا أن لا نقع في الأوهام؛ فقد يكلفنا ذلك كثيرا ويتطلب أن نقوم بتأمين تغييرات كبيرة في السياسة من قبل روسيا وغيرها من الدول الأخرى في المنطقة.
حجر الأساس في بناء الحكومة السورية المقبلة سيكون إيجاد قضية وهدف مشترك بين الجماعات السنية المعتدلة والعلوية – الطرفين اللذين هما حاليا في صراع مع بعضهما البع- ضد الجماعات السنية المتطرفة وضد وكلاء إيران. وفي الوقت الحالي يتشبث العلويون بشكل كبير بنظام الأسد خوفا من أن يؤدي انتصار السنة إلى عنف طائفي ضدهم، وأن هذا العنف سيكون جزءا من انقسام أكبر وأشد مرارة بين السنة والشيعة في أنحاء المنطقة.
يجب على أمريكا أن تقدم فهما أعمق لمصالح روسيا الإقليمية والاستفادة من الهم المشترك مع الروس حول التطرف الإسلامي. يعتقد القادة الروس أن سوريا قد صارت ملاذا آمنا للمتطرفين، علينا أن نأخذ هذا الأمر على محمل الجد، إلى جانب إصرارنا في الوقت نفسه على إرسال المعونات للجماعات المعتدلة. ومن الممكن أن يكون هذا أساسا لتفاهم جديد مع موسكو واتباع نهج مشترك تجاه سوريا.
روسيا هي وحدها من يستطيع أن يقنع الأسد بوجوب تنحيه، الأمر الذي يعد خطوة أولى أساسية نحو حل تفاوضي، والولايات المتحدة هي الوحيدة القادرة على إقناع أصدقاء سوريا – مجموعة من 11 دولة - بعزل المتطرفين واجتذاب لب المعارضة إلى طاولة المفاوضات. وعلى أمريكا أيضا أن تكون أكثر عدائية في وقف الدعم الإيراني للأسد. وبالمثل، ينبغي الإعلان عن مصادر الدعم العامة والخاصة للجماعات المتطرفة المعادية للأسد واستهدافها بعقوبات، ويجب على الدول المعادية للأسد بما فيها حلفاء الولايات المتحدة أن تكون أكثر دقة في اختيار الجهات التي توجه الدعم إليها في سوريا، وعليهم أن يدركوا أن بناء تحالف سني-علوي ضد جيش الأسد والقوات السنية المتطرفة سيكون في صالحهم، كما هو في صالح أمريكا.
إن تغيير توجهات الصراع في المدى القصير سيساعد على بناء سوريا مستقرة، كما سيساهم في الحفاظ عليها على المدى الطويل. وزير الخارجية الأمريكية جون كيري في رحلته الأخيرة إلى اسطنبول عبر عن هذا الرأي واعتبرها خطوة في موضع الترحيب. ولكن إنهاء العنف في سوريا يتطلب من الولايات المتحدة أن تلعب دورا أكبر، كما يجبرها وشركاءها على اتخاذ قرارات صعبة.
عواقب الاستمرار في الفشل الجماعي لا يمكن تصورها، وهي تتزايد وتصبح أكثر خطورة كل يوم.