ما علمتني إياه حرب العراق عن سوريا

جاكسون ديل - واشنطن بوست

مسار للتقارير والدراسات - 11 نيسان 2013

عززت الذكرى العاشرة لغزو العراق كثيرا من التحليلات للأخطاء التي ارتُكِبت فيها إلى جانب القليل من الادعاءات المغرضة بأن نفس الأشخاص الذين أيدوا الحرب في العراق يضغطون الآن من أجل تدخل الولايات المتحدة في سوريا، وأنا أحد هؤلاء . لذلك، وبلغة المعارضين: ألم نتعلم شيئا من العقد الماضي؟ هل نرغب بتكرار الفشل الذريع في العراق؟

لنبدأ بالسؤال الثاني. كانت العراق دون شك مكلفة وموجعة للولايات المتحدة، بالمال والالتزام السياسي، وأهم من ذلك حياة العراقيين والأمريكيين. ولم يتبين منها حتى الآن ما كنا نأمل به نحن داعمو الحرب؛ إلا أنه يبدو أن سوريا قد تتعدى إلى كارثة إنسانية أسوأ بكثير وتراجع أكثر خطورة لاستراتيجية للولايات المتحدة.

تتشابه سوريا والعراق في جوانب كثيرة، حيث أن كلاهما غير طبيعي المنشأ، فقد تم رسمهما على الخريطة بأيدي دبلوماسيين فرنسي وبريطاني في عام 1916. وكلاهما يحتوي خليطا مضطربا من الجماعات والطوائف العرقية بما فيها الشيعة والسنة والكرد والمسيحيين. كما خضع كلاهما في القرن الماضي لحاكمين مستبدين عديمي الرحمة، يمثلان طائفة الأقلية ويستخدمان القمع والقبضة والنزعة العسكرية والقومية العربية، وعند الحاجة قد يستخدما الإبادة الجماعية للمحافظة على حكمهم. وقد تودد نظامي بشار الأسد وصدام حسين للإرهابيين والأسلحة المخزونة للدمار الشامل، لكن الأسد اختلف عن صدام بأنه لم يتخل عن ترسانة الأسلحة البيولوجية الكيميائية .

مع تهالك نظاميهما الاقتصادي وأيدولوجيتيهما كان لابد لهاتين الدولتين أن تتفككا؛ لتقوم الأغلبية الشيعية المكبوتة في العراق كما الغالبية السنية المضطهدة في سوريا بالمطالبة بالتعويض. والفرق بينهما هو أن التدخل العسكري الأمريكي أدى إلى التحول والتخلص بسرعة من النظام القديم في العراق، والعمل على تأجيل الصراع الطائفي لوقت لاحق. أما في سوريا فقد تراجع دور الولايات المتحدة إلى تقديم المعونات الإنسانية وحث المعارضة على التوحد، ومن ناحية أخرى رفض التدخل.

والنتيجة لا قتلى ولا جرحى من الجنود الأمريكيين في سوريا، والتكاليف لم تتعد مئات الملايين بدلا من مئات المليارات. ولكن حتى التكلفة الإنسانية حتى الآن في سوريا أكبر بكثير، فسوريا قدمت 70 ألف قتيل في عامين أي ضعفي عدد القتلى في العراق بعد الغزو الأمريكي. كما في أعداد اللاجئين إلى الدول المجاورة والتي تجاوزت 1.1 مليون شخصا والمتوقع أن يصل عددهم إلى 3 ملايين بنهاية هذا العام. سوريا في طريقها إلى ترحيل ما يزيد عن 50 بالمئة من عدد اللاجئين العراق بعد عام 2003.

في العراق، واجهت الولايات المتحدة القاعدة وفي النهاية كانت الهزيمة حاسمة؛ أما في سوريا فإن القاعدة والتي تضم جبهة النصرة تستمد قوتها عبر الحدود لإحياء القاعدة في العراق. ولا يقدم نهج إدارة أوباما أي وسيلة لاختبار تهديد أو لمنع سيطرة تنظيم القاعدة في النهاية على الأسلحة البيولوجية والكيميائية.

دفعت حرب العراق إلى التدخل بنسبة محدودة من قبل إيران وسوريا ودول مجاورة أخرى ولكنه من جهة أخرى أبقى على المناطق المحيطة سالمة، وذلك بفضل تواجد الولايات المتحدة.  أما المذبحة المستمرة في سوريا فتمتد دون رادع لها إلى لبنان والعراق، وتهدد إسرائيل وتركيا والأردن؛ حلفاء الولايات المتحدة. ومن ناحية أخرى فإن إيران ودول الخليج الفارسي وغيرها من الدول المجاورة أخرى ترسل الأسلحة بكثافة إلى سوريا، وفي بعض الحالات ترسل وحدات محاربة.

أسفرت حرب العراق عن توتر مؤقت في العلاقات بين الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا، والدول العربية السنية لم تقبل بحكومة ديمقراطية المنشأ يقودها الشيعة بشكل كامل، لكن النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط  كان لا يزال قويا. أما الآن فقد تراجع هذا النفوذ؛ لم تكن بريطانيا وفرنسا الدولتان الوحيدتان اللتان صدمتا من فشل القيادة الأمريكية، بل جميع الدول المجاورة لسوريا. وفي حال استمرار الوضع في سوريا - ليس العراق - على ما هو عليه، فإنها ستكون نقطة تحول يتوقف عندها النظر إلى الولايات المتحدة بأنها كما قال بيل كلينتون: "الأمة التي لا  غنى عنها".

هل كل هذا يعني أن على الولايات المتحدة أن ترسل مئات الآلاف من الجنود إلى سوريا؟ بالطبع لا. إن مأساة منطق ما بعد العراق الذي تبناه الرئيس أوباما أنه لا يكتفي باستبعاد نماذج غزو جورج بوش فقط، بل أنه يستبعد أيضا التدخل الأكثر تواضعا من قبل إدارة كلينتون لمنع الكوارث الإنسانية وحماية المصالح الأمريكية في التسعينات. وكما في البلقان – أو ليبيا – فإن الاستخدام المحدود للقوة الجوية الأمريكية بالتعاون مع قوات على الأرض كان بإمكانه وضع حد وبسرعة لنظام الأسد منذ 18 شهرا، لمنع سقوط الـ 60 ألف قتيل وصعود القاعدة. كان ذلك كفيلا بإنقاذ مساحات كبيرة من الدمار.

ليست المشكلة هنا أن المدافعين عن غزو العراق قد فشلوا في استخلاص الدروس منها، المشكلة تكمن لدى معارضي تلك الحرب، بدءًا بأوباما، الذي تعلم الدرس الخاطئ.