التطرف يقرب
التطرف يقرب
فلاديمير بوندارينكو حول المنحى الجديد
للصداقة الروسية اليهودية
ترجمة: م. شاهر أحمد نصر
(ترجمة أي مقال لا تعني تبني الأفكار الواردة فيه، إنما إتاحة الفرصة للتعرف إليها)
ألاحظ وجود اتجاه مثير للاهتمام. كنت أعتقد دائماً أن قوميينا اليمينيين المتطرفين، والأوساط القريبة منهم، من أبناء جلدتهم، على سبيل المثال، مرتبطون من حيث المنشأ أو الأصل بالغرب. فالأغلبية الساحقة من القوميين الروس التقليديين ـ تختلف بقيمها، وبفكرها الأرثوذكسي، وبالمبادئ الأساسية لبنيتها. وفي هذا الصدد، أرى ما هو غير متوقع: تقارب القوميين المتطرفين مع الأوساط المؤيدة لإسرائيل في مكافحة الأصوليين الإسلاميين. إنني لا أقدم أيّة وجهة نظرة خاصة بي، ولا أمدح ولا أذم، بل أقدم الحقائق بتجرد.
سافرت مؤخراً مجموعة من اليمينيين الروس إلى إسرائيل، وتحدثوا إلى اليمينيين الإسرائيليين. وها هما الشاعران الممتعان وصديقاي الطيبان من الاتجاه اليميني المتطرف، والمحرران القديمان في صحيفتي "يوم الأدب" مارينا ستروكوفا وألكسي شيروبايف يبدأان في أشعارهما في التعبير عن التعاطف مع اليمين الإسرائيلي. أتذكر أنّ شيروبايف كان يشيد منذ وقت ليس ببعيد بالإس إس ـيين (المخابرات النازية الألمانية. المترجم)، وها هو يجد اليوم حلفاء جدداً. قد يتخلى الشعراء، مع مرور الوقت عن هذا الاتجاه الجديد بالنسبة لهم، ولكنّه لم يظهر مصادفة؟
أجرى فلاديسلاف كارابانوف، القيادي البارز في الحركة الروسية، مقابلة مع "بيت داود" في إسرائيل، أي مع القوميين الإسرائيليين. وكتب كارابانوف ما يلي: "إنّ علاقتنا بدولة إسرائيل مواتية لنا تماماً. بشكل عام نفهم جيداً، وضعكم، ونضالكم، وأكثر من ذلك بكثير. ليس لدينا أيّة أسباب لمعاداة الصهيونية وإسرائيل، لا أسباب أيديولوجية، ولا جيوسياسية، بل على العكس تماماً، توجد نقطة تقاطع. ويمكن أيضاً، أن نتعلم الكثير عمّ نكتبه أحياناً في مقالاتنا. فمن المثير للاهتمام تجربتكم في إقامة علاقات مع السلطة الفلسطينية، التي تمتلك رموزاً فكرية ـ دينية مناوئة للعلاقة مع الدولة الإسرائيلية. يوجد الكثير ممّا نتعلمه منكم، فإسرائيل - دولة قومية. ونحن، الحركة الروسية، محدودي الإمكانية كثيراً..."
أعتقد أنّ أوساطنا اليمينية المتطرفة من ذوي الأصول الغربية الواضحة بدءاً من الشعارات وحتى الأسماء واقعة تحت التأثير الواضح لتصرفات النرويجي بريفيك. ليس من العبث ظهور تلك القصائد والمقالات التي تمدحه. وبريفيك، هو الفيغنكي النرويجي الجديد، حامي العرق الأبيض، والذي لا يخفي علاقاته الوثيقة مع الحركات اليمينية الإسرائيلية، والداعية الصريح لإسرائيل الكبرى.
تحتاج أيّة عملية عولمة واسعة النطاق إلى أبطال وأنبياء. ولم يوجد قبل بريفيك في أقصى اليمين الأوروبي "بطل" واحد مثله.
أعرف جيداً لوبان، رمز اليمينيين القدامى في أوروبا – الذي أمضينا وقتاً ممتعاً معه في عزبته بالقرب من باريس، وكان تحت صورة لوبان مباشرة أعمال إيليا غلازونوف، وهما معاديان معتدلان للسامية، جان ماري، وإيليا. وأصبح اليمين الجديد في حاجة إلى بريفيك كرمز جديد، كلون للأيديولوجيا الجديدة، وصديق ودود حميم لإسرائيل. ويعده متطرفونـ نا اليمينيون الحليف، والحامي الوحيد الصادق من التهديد الإسلامي.
لقد وهنت في أوساط متطرفينـ نا النظرة لليهود كأعداء، واستبدلوا الخطر اليهودي بالخطر الإسلامي. هل هذا صحيح؟ قد يكون ما لاحظته مجرد مصادفة لتطابق بعض الحقائق؟ لكنني لم أقرأ في الصحافة أي شيء آخر يختلف عن هذا التوجه حتى الآن. ومن المثير للاهتمام رؤية الإسرائيليين في هذا الشأن. فباراك أوباما نصف المسلم الأسود ـ ليس بطلهم كما هو واضح. من هنا ينبع الخصام بين إسرائيل وأمريكا. كما أنّ الأنظمة العربية الجديدة تعزز هذا المؤشر. تصمت وسائل إعلامنا عن أنّ أول عمل سيقوم به المعارضون في سوريا بعد فوزهم، ألا وهو اقتحام هضبة الجولان، كما أنّ رئيس مصر يغير علاقته مع إسرائيل. يجري استبدال الحكام العرب العلمانيين الاستبداديين المعتادين بالأصوليين بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية.
يلاحظ الشاعر الإسرائيلي المعروف ميخائيل سيبر، عند حديثه عن اتصالات اليمينيين الروس بالقوميين اليهود أنّه: "كما يبدو لي، ضلّ قوميوكم كثيراً في البحث عن الفكرة القومية. فالفكرة الروسية تبدو غامضة جداً، فهل هي ـ الأرثوذكسية، أم الوثنية، أم أي شيء آخر؟ ولذلك يجدون في إسرائيل كدولة، قائمة أصلاً على الفكرة القومية، والمخلوقة والموجودة كوطن قومي لليهود، مرجعاً هاماً وجديراً بالدراسة، وأنا لا أقول ـ المحاكاة والتقليد. وهناك حقيقية هامة بشكل خاص أنّ روسيا مهددة بخطر الأسلمة، أما أيديولوجية ما يسمى بالـ "وطنيين"، أمثال شيفتشينكو، وغيره، فإنّها ببساطة تستدعي الإسلام إلى الأرض الروسية. لقد صدمتني خطابات أولئك الوطنيين في إذاعة "صدى موسكو"، حيث يتحدثون عن أحمدي نجاد و"المثقفين والمفكرين"، والرغبة وصول الإسلام إلى روسيا الأرثوذكسية التي لا معنى لها. ماذا يعني ذلك؟ مَن مِن القوميين الروس يمكن أن يتصالح مع مثل هذه الخطابات؟ ولذلك، يغري القوميين الروس الحاجزُ الوحيد أمام التهديد إسلامي في الشرق الأوسط. وهذا يشبه النكتة القديمة عن الأرمني المحتضر: "يا أولادي، احموا اليهود! لأنّهم ما أن يتخلصوا منهم حتى يبدأون بنا.. "
علماً أن، ذكر اليهود هنا موضعي ومجازي.
أكرر مرة أخرى إنني أعتمد على الحقائق. أراقب وأكتب، ولا أعبّر عن رأيي الشخصي. نعم، إنّ القوميين المتطرفين يتأسرلون (من كلمة إسرائيل)، وإنّ الوطنيين يتأسلمون، بينما اليهود ـ المعمدون (الخاضعون لطقوس التعميد المسيحية. المترجم) يتخلون عن إسرائيل. ويجرد اليهود الباقون في روسيا إسرائيل عن أنفسهم بنجاح بناء على فكرتها كدولة قومية. وقرأت جدلاً حامياً في وسائل الإعلام، وعلى شبكة الإنترنت في إسرائيل وأمريكا حول كراهيتهم للـ"يهود ـ المعمدين المعادين للسامية": ديمتري بيكوف، ولودميلا أوليتسكايا، وكوستي رايكين، والكسندر كولياغين، والكسندر كاباكوف، وميخائيل فيلر والكثيرين غيرهم، من الكتاب والفنانين الذين لم يغادروا روسيا. والاستهزاء في الوقت نفسه من يوسف برودسكي، وأوسيب ماندلستام. وقرأت آراء "اليهود ـ المعمدين المعادين للسامية" أنفسهم.
وكما صرحت تاتيانا ميناكر: "إن الصحافة الإسرائيلية والأمريكية الناطقة باللغة الروسية تختنق بالسخط والبغضاء، لأنّ الكتاب الروسي المعمدين من ذوي الدم اليهودي يطلقون أموراً رديئة وحقيرة حول إسرائيل. فأعلن دميتري بيكوف الموهوب، وأوليتسكايا التي لا تقل موهبة (وأعتذر عن تعداد الآخرين)، عن إسرائيل النقانق (من وجهة نظرهم) الغريبة (من وجهة نظرهم) :ـ مخيم عسكري في سوق تيشيني، (سوق في ضواحي موسكو أقيم في شارع جورجيا الذي تشكل من تقاطع الطرق الزراعية في القرن الثامن عشر. ـ المترجم) مخيم لا يستحق الوجود، وهو خطأ تاريخي..."
لقد اندهشت تاتيانا مانكر، مثلها مثل العديد من اليهود الناطقين بالروسية الذين يعيشون في أمريكا وإسرائيل، بالخطب المعادية لإسرائيل، حسب رأيهم، التي ألقاها كتاب مشهورون في مهرجان الكتاب الذي أقيم منذ مدة قريبة في أمريكا. وهي لا تعي لماذا كان من الضروري الإسراع "برفع السرويل وإملاء التنانير بالفراغ الروحي من خطاب بوكوف، في الوقت الذي حتى الكسول يعرف أنّه ـ معمد ومعادي للسامية".
تحصل مثل هذه المعجزات على أرضنا.
مما يثير للدهشة أنّ ـ دميتري بيكوف معادي لليهود...
إنّهم يدينون أولئك "اليهود المعمدون المعادون للسامية" بغضب: "عملياً باسترناك، وماندلستام، وبرودسكي كانوا أنصاف أنسال عقليين لا يعرفون ديانة أجدادهم. لقد انزعج باسترناك (كما ديمتري بيكوف) في "دكتور جيفاغو" لأنّ اليهود لم يلقوا أسلحتهم، ولم يتبددوا ويختفوا. "
ولكن، يبدو في الواقع، أنّ "معمدينا المعادين للسامية" طعنوا وشككوا في رحلاتهم إلى أمريكا وإسرائيل بوطنهم التاريخي. لقد صرّحت لودميلا أوليتسكايا على سبيل المثال، أنه "على الرغم من أنها يهودية، ولكنّها من حيث الإيمان ـ مسيحية أرثوذكسية"، أنّها "تعاني من صعوبات أخلاقية في إسرائيل،" ويتحدث كاباكوف عن مسيحيته الجادة بسبب أو بدون سبب... وصرح ديمتري بيكوف أن "إسرائيل ـ خطأ تاريخي،" ووصفت ماريا أرباتوفا إسرائيل بأنّها "مشروع ميؤوس منها ولا مستقبل له"...
كتبت الصحيفة الإسرائيلية "أخبار الأسبوع: " لم يأبه المجادل وصاحب الكلمة الحادة ديمتري بيكوف من أن يطلق على نفسه سهام النقد، بتنصله من يهوديته:"أنا ـ إنسان روسي، أرثوذكسي، مسيحي مؤمن..."
إنني أرى أن الأمر الرئيس يكمن في منطق ذلك كلّه. إذ تستهوي قوميينا المتطرفين، على سبيل المثال، الفكرة البطولية لإنشاء وبقاء الدولة القومية اليهودية (على الرغم من أن النصف الخير من سكان إسرائيل ـ هم العرب). وإذا كانت إسرائيل ـ دولة قومية، فروسيا، ذات الـ 85% من الروس و 90% من السلاف والأرثوذكس المسيحيين، من الممكن ويجب أن تكون دولة قومية. إسرائيل - نموذج يحتذى به في كيفية خلق روسيا للروس.
وأنا أتفهم دميتري بيكوف الذي يعلن أنّه يجب توزيع اليهود في جميع أصقاع الكرة الأرضية كملح الأرض، لأنّه إذا جمعت الملح في مملحة واحدة يفقد نوعيته. وإسرائيل المالحة ليست ضرورية له، بل هي تعيق. وفي الواقع، فإن اليهود كانوا دائماً مرتبين أفضل في الشتات، ويشكلون النخبة من أية دولة. أما إسرائيل نفسها ـ فهي بلاد تكافح من أجل البقاء، لا أكثر... إنّها ليست سينغافورة، ولا شنغهاي، التي تبهر بإنجازاتها الحضارية، وهي ليست نيويورك، ولا وادي السيليكون، وليست المراكز الألمانية التقنية. إنّ جمع جميع اليهود معاً، يبخر بسرعة التصور عن الشعب العبقري نفسه. إنّ أمتع شيء في القدس نفسها أكثر أحيائها غنى ـ أحياء الأغنياء العرب، وهي تتحكم بسوق القدس.
كما أنّ بيكوف محق في أمر آخر: الأدب بالعبرية ـ ليس أفضل أدب، أكثر الأدباء اليهود نجاحاً في الآداب العالمية الغريبة ـ الأدب الروسي (باسترناك، وماندلستام، وبرودسكي)، والألماني (هاينه) وغيرهم. وبالتالي يمكن تحقيق النجاح الكبير في روسيا نفسها باتباع طريق ماندلستام، وليس شالوم ـ أليهيم.
وكما تكتب دينا روبينا: "اليهود، كما هو معروف، شعب ـ الله المختار. إذا وجد. وإن لم يكن الله موجوداً، فمجمل الغضب المقدس سينهال على الشعب ذاته. كما يلسع العقرب نفسه في رأسه". وتضيف لودميلا أوليتسكايا تأكيداً على ذلك: "إنّ اليهودية الأوربية في الشكل الذي وجدت في القرون الثلاثة الأخيرة، مدمرة". وبالتالي، تتطلب الحياة الناجحة الاندماج في روسيا وقيادة الثقافة الروسية نفسها. وكذلك الابتعاد كلياً عن الإسرائيليين الغارقين في التفكير القومي. ما يجب القيام به، هو كما اعترف ديمتري بيكوف "أنا أختنق في إسرائيل ..."
يشعر اليهود الروس بالملل والرتابة في ذلك البلد الصغير في الشرق الأوسط. وسرعان ما سينضمون إلى فكرة الإمبراطورية الروسية. وسرعان ما سيتحدون مع الوطنيين المتأسلمين، أكثر من توحدهم مع القوميين الذين يبنون على مثال إسرائيل بيت الروس العرقي المتجانس.
(ترجمة أي مقال لا تعني تبني الأفكار الواردة فيه، إنما إتاحة الفرصة للتعرف إليها ـ