التنين الطيب
ومدينة فروستي تاون
(20)
أ.د/
جابر قميحةمن قصص الأطفال الغربية
من كتاب :
(The Big Story Book)
كانت ندف الجليد الأبيض الناصع تتساقط على الأرض ، بينما كان سيرفالور " Valor Sir " صياد التنانين يمتطي جواده متجها إلى مدينة فروستي تاون لقد مضى عليه في طريقه عدة أيام لم ير خلالها إلا الجليد .
وكانت مدينة فروستي تاون إحدى مدن مملكة الملك آرثر .... كانت أشد مدن المملكة برودة هي كلها تقريبا مغطاة بالجليد الثقيل بصفة دائمة .
قال سير فالور لجواده القوي الأصيل وهو يربت على ظهره بحب وحنان :
ــ إن المدينة لم تعد بعيدة كثيرة عن هنا ، وحينما نصل إليها سيكون في انتظارنا الطعام اللذيذ والنار الدافئة ، فنستريح ونسترخي ونستدفئ قبل أن نخرج لصيد التنين " نافث النار " الذي أرعب الناس ، ومازال يرعبهم .
وكان سيرفالور هي الصياد الرسمي للدولة ... اختاره الملك لصيد التنانين بصفة خاصة ، فحين يظهر وحش المملكة ويهدد الناس بأمنهم كان الملك آرثر يبعث به لمقاتلة الوحش ومصارعته ، فإذا لم يستجب الوحش ويترك المملكة كان عليه أن يلقى نهايته على يد الفارس الشجاع العظيم .
وكان الفارس الشجاع ينتصر في كل معركة يخوضها ضد أي وحش مفترس ، فلم يحدث مرة واحدة أن خسر معركة خاضها ضد تنين أو غيره .
هل يستطيع الفارس الشجاع بجواده الأصيل القوي أن يهجم هذه المرة التنين الرهيب الذي تحرك إلى الجبال القريبة من مدينة فروستي تاون ؟ أم سيتمكن التنين المحترف من هزيمة الفارس الشجاع ؟ إن للتنين قرونا قوية ، وأنيابا طويلة حادة ، وحينما يفتح فكيه قذف ألسنة طويلة من اللهب .
وعاش سكان مدينة فروستي تاون في رعب وفزع ، إنهم يريدون الحماية والطمأنينة ؛ لذلك بعثوا برسالة إلى الملك آرثر يستنجدون به ، ويطلبون مساعدته واستجابة لهذه الاستغاثة كان سير فالور وحصانه جلانت في طريقهما إلى القلعة الباردة قلعة الدوق شيلي " Duke Chilly " حاكم مدينة فروستي تاون وكانت مهمة الفارس ــ كما ذكرنا ــ هي القضاء على التنين المفترس .
وتحدث سيرفالور لحصانه :
ـــ إن قلعة الدوق شيلي أمامنا تماما ... والأن ... وبعد هذه المسيرة الطويلة نستطيع أن نحصل على الدفء .
وابتسم الفارس في ارتياح وهو يرى جواده يشق طريقه بين الجليد ، ويعبر الجسر المتحرك إلى ساحة القلعة .
وهتف دوق شيلي حينما لمح أشجع فرسان المملكة :
ــ مرحبا ... مرحبا .. يا سير فالور ... مرحبا بك في قلعتي المتواضعة ... ونحن رهن إشارتك ... نحقق كل ما تريده وتطلبه .
فقال سير فالور وهو يترجل من فوق حصانه :
ــ إنني وحصاني في حاجة ماسة للدفء ... خذونا إلى مدفأة إلى أي نار ، فالبرد يكاد يحطم عظامنا .
ــ أسف يا سيدي الفارس الهمام ؛ فهذا هو الشيء الوحيد الذي لا أستطيع تحقيقه ، فليس في مدينة كلها قطعة واحدة من الخشب لنوقدها ، لقد نفذ كل ما ادخرناه للشتاء من الخشب وذلك من شهور مضت حتى الأن .... نأكل الطعام البارد ، وننام على الفراش البارد ، ونستحم بماء بارد .
فصاح سير فالور :
ــ يا لله إن هذا شيء رهيب .
ــ حقا إنه أمر رهيب لكننا تعودنا على ذلك ... إنه أمر يحدث لنا كل شتاء ... ففي الصيف نجمع أكبر قدر ممكن من الأخشاب ، وننقله إلى قلعتنا ، ثم يأتي الشتاء بثلجه الرهيب ، فنستهلك كل رصيدنا من الخشب ،ولا نستطيع الحصول على غيره ، لأن الثلج يكون قد غطى الأرض كلها .
وفجأة بدأت يدى الدوق ترتعشان ، ثم جسمه كله على الرغم من أن الدوق كان يرتدي معطفا ثقيلا وقبعة صوفية وحذاء وقفازا مبطنين بالفراء . وأخذ يعطس عدة عطسات كل واحدة أعلى وأقوى من سابقتها .
قال الدوق :
ــ أعذرني يا سير فالور ؛ فأنا مصاب ببرد شديد والحقيقة ليس هناك في المدينة واحد إلا وهو مصاب بالبرد ، وإذا مكثت هنا مدة طويلة فمن المحتمل أنك ستصاب بالبرد أيضا .
ــ إذا كان الأمر كذلك فمن الأفضل أن أسرع بالخروج للقضاء على التنين ... نعم أنا لست على استعداد للأصابة بنزلة برد ، لذلك سأترك القلعة حالا للقيام بالمهمة التي جئت من أجلها .
ووثب سير فالور على ظهر حصانه جلانت وغادر الحصان القلعة ، ومشى يشق طريقه في الجليد . وكان آخر ما قاله له الدوق شيلي وهو يغادر القلعة :
ــ إن العثور على التنين سيكون سهلا للغاية ... تتبع آثار زحفه في الجليد ، وستقودك بسهولة إلى مخبئه .
وبعد مسافة قصيرة رأى سير فالور آثار التنين ، فتتبعها الفارس الشجاع ، وسرعان ما اكتشف أنها تقود إلى كهف في جانب من جوانب الجبل .
وحينما رأى سحابات من الدخان الرمادي الثقيل تخرج من الكهف عرف أن التنين ، وترجل من فوق حصانه على عجل وسحب سيفه من غمده ، ومشى في بطء وحذر نحو فتحة الكهف في الجبل .
وقبل أن يدخل الكهف همس في أذن جواده :
ــ انتظر هنا يا جلانت ، فأنا ذاهب لملاقاة الوحش الرهيب .
ووقف جلانت في ارتياح أمام الكهف ينتظر ، شكرا ... شكرا أيها التنين الرهيب فأنفاسه النارية جلبت بعض الدفء للمنطقة المحيطة به ، وحولت الجليد إلى برك صغيرة من الماء الدافئ ...
وتوغل سير فالور داخل الكهف المظلم وفي يده سيفه البراق مستعدا ... مهيئا وكلما زاد توغله في الكهف زاد شعوره بالدفئ والحرارة ... وأخيرا رأى الوحش العملاق الرهيب .
كان التنين ــ على ما يبدو ــ نائما مستغرقا في النوم ، وكان صوت شخيره يهز المكان ، ولم يكن يبدو على التنين ملامح الوحش المفترس الخبيث الوضيع ، ولكن ألسنة اللهب التي تعود أن يطلقها مع أنفاسه لاعتقد الفارس أنه من الحيوانات الأليفة الطيبة .
وصاح سيرفالور وهو يضع سن سيفه على قدم التنين :
ــ انهض أيها التنين واستعد لمواجهتي ومصارعتي .
وتقلب التنين على جنبه الأخر وظل مستمرا في شخيره ، ولكن بصوت أعلى من ذي قبل .
وصاح سير فالور مرة ثانية وبصوت عال وهو يضرب ذيل التنين بعرض سيفه :
ــ استيقظ أيها التنين وانهض لقتالي .
وفتح التنين جفنيه فجأة ووثب على أقدامه في ذعر ، وأخذ يتراجع إلى الخلف إلى أن التصق ظهره بحائط الكهف ، ووقف التنين على رجليه الخلفيتين في هياج وهو يرتعش ويهتز من شدة الخوف .
وقال التنين ودموع الخوف تغسل خديه :
ــ اتركني يا سيدي .... لا تقتلني .... فأنا لم أنل أحد بأذى ... إنني تنين طيب ، وأكره القتال . أرجوك يا سيدي أبق على حياتي .
وأخذ التنين يبكي بصوت مختنق .
وخفض الفارس سيفه ، وأحس أن هذا التنين مخلوق مسالم ، يريد أن يعيش في سلام :
ــ أحقا أنت وحش مسالم ؟ إنني لم أواجه تنينا مسالما طيلة حياتي .
ــ أقسم لك يا سيدي الفارس أنني ودود ومسالم ... إنني أخاف الناس أشد مما يخافونني ، لقد انتقلت إلى هذا المكان الجليليدي الموحش حتى أستطيع أن أعيش وحيدا في سلام ، ولو لا حاجتي للخروج بحثا عن الطعام ما غادرت هذا الكهف طيلة حياتي .
هل تعترض طريق الناس وتأكلهم ؟ .
ــ لا ..... لا .... أنا أقسم لك أنني ما فعلتها في حياتي ... إنني أحب الخضروات والفاكهة ، ولا آكل غير هذين الصنفين ، وهذا هو الذي أكسب جلدي اللون الأخضر الجميل .
وبدأ سير فالور يقتنع بأن التنين طيب أليف وليس مفترسا متوحشا . ثم سأله :
ــ ولكن ما هذا اللهب الذي يخرج من فمك كلما تكلمت ... لماذا تخرج ألسنة اللهب حين تذفر ؟ .
فأجاب التنين في حزن وخوف :
ــ أنا لا أستطيع منعها ، فكلما فتحت فمي خرجت منه ألسنة النار ، وليس هناك ما أستطيع عمله لمنعها .
ــ أنا أصدقك أيها التنين في كل ما قلت ، ولكني لا أستطيع أن أتركك تتجول حول مدينة فروستي تاون ؛ إن الملك آرثر لن يسمح بذلك .
ــ إذا تكون قد حكمت عليّ بالموت لا لشيء إلا لأنني لست بشرا ، إنني يا سيدي حيوان ضخم عجوز ... عديم الفائدة ... لا أصلح للقيام بأي شيء .
ــ لا بل تصلح ــ ولا شك ــ للقيام بعمل ما ، إن أي حي على وجه الأرض يستطيع القيام بعمل معين .
ومسح التنين عينيه الحمراوين المملوءتين بالدموع . وسأل الفارس :
ــ ولكن ما الذي أصلح أن للقيام به ؟
فأخذ السير فالور يفكر لحظات ، ثم خطرت له فكرة رائعة ، لقد اكتشف كيف يستطيع أن يساعد التنين ، ويساعد سكان فروستي تاون ، ومال على التنين وهمس في أذنه بفكرته . فصاح التنين :
ــ نعم .... نعم ..... إني أوافقك من كل فلبي ، إن هذا يبدو رائعا ، هيا بنا يا سيدي ، هيا بنا .
وعاد سير فالور في ساعة متأخرة من الليل إلى فروستي تاون على حصانه القوي الأصيل ، وبدأ يستعد للعودة إلى الملك آرثر بعد أن نجح في مهمته نجاحا باهرا ، لقد تغير الحال في مدينة فروستي تاون ... الدوق شيلي ... القلعة وكل من فيها .... المدينة وسكانها ... أصبح الجميع يشعرون بالدفئ الشديد في أيام الشتاء القارصة .
قال دوق شيلي في سعادة :
ــ إن وجود التنين معنا في برج من أبراج قلعتنا حوّل القصور كلها إلى صيف دافئ ؛ إن أنفاسه النارية أذابة الجليد المحيط بالمنطقة وجعلت الجميع يشعرون بالدفئ .
فقال سير فالور وهو يهم بالرحيل :
ــ تذكروا دائما أن التنين يحب الخضروات والفاكهة .
ــ سوف نقدم له كل ما يشتهي .
ومنذ ذلك اليوم والناس في مدينة فروستي تاون لا يعرفون البرد ، ولا يعرفون الخوف ، إنهم يشكرون من أعماقهم التنين المسالم الودود الذي أصبح أعز أصدقائهم . ومنذ ذلك اليوم يعيش التنين في سعادة لأنه اكتشف أنه يصلح للقيام بعمل إنساني عظيم .