الابن على خلاف الأب: هكذا فقد بشار الأسد السيطرة
الابن على خلاف الأب:
هكذا فقد بشار الأسد السيطرة
مايكل يونغ
مجلة ناشيونال
28\1\2015
لو تسنى لحافظ الأسد أن يعود إلى الحياة مرة أخرى ويرى ما فعله ابنه, بشار, في سوريا, فإنه ربما عاد إلى ضريحه وأغلق الباب خلفه. تقريبا كل مبدأ سعى إليه الرئيس الراحل لفرض استقلالية بلاده وجعلها قوة إقليمية تجاهله خليفته.
وهذا يعيدنا إلى ما قبل 10 أيام سابقة عندما قتلت إسرائيل ضابطا رفيع المستوى في الحرس الثوري الإيراني, وهو محمد دادي, في القنيطرة. وفقا لصحيفة الجمهورية اللبنانية, التي اقتبست من مصادر دبلوماسية, فإن الجنرال دادي استهدف من خلال هاتف خلوي, واغتيل كما ورد بعد يوم واحد فقط على إنشاء غرفة عمليات مشتركة مكونة من الإيرانيين وحزب الله وضباط سوريون في المنطقة.
وأشار الصحفي اللبناني حازم الأمين في صحيفة الحياة الأسبوع الماضي, بأن التهديد الإيراني اللاحق للرد على إسرائيل كان وكأنك تقول : "في سوريا بشار الأسد الضعيفة أنا المسئول هناك", بالنسبة للسيد أمين, فإن إيران أكدت فقط على أن مرتفعات الجولان "جزء من سوريا", وأن قيام إسرائيل بقتل عناصر حزب الله والعناصر الإيرانية كان ردا على ذلك.
يأتي تبادل الرسائل هذا في لحظة مثيرة للاهتمام. في القاهرة الأسبوع الماضي, التقت جماعات معارضة, تتضمن مجموعات منفية وعناصر مما يطلق عليه "المعارضة الداخلية" التي يتغاضى عنها الأسد, من أجل إعادة التأكيد على دعم بيان جنيف الذي تم التوافق عليه في 2012. تدعو عملية جنيف إلى تشكيل حكومة انتقالية لديها " صلاحيات تنفيذية كاملة", وينظر إليها على أنها آلية لإزاحة الأسد.
يأتي هذا عشية المؤتمر الذي عقد في موسكو هذا الأسبوع والذي جمع ممثلين عن المعارضة الداخلية ومسئولين من النظام السوري. التوقعات بحدوث أي تقدم كانت منخفضة جدا, وخفض النظام سقف التوقعات إلى درجة متدنية جدا من خلال تعيين ممثل سوريا في الأمم المتحدة بشار الجعفري في المؤتمر, بدلا من وزير الخارجية وليد المعلم.
مؤخرا, تعهدت موسكو بالعمل بعيدا عن إطار جنيف. من أجل تأكيد أهمية جنيف, كان الهدف من مؤتمر القاهرة الحيلولة دون إيجاد إي مسار بديل له.
عبر استضافة الاجتماع في القاهرة, يبدو أن المصريين يريدون القول بأن البحث عن حل دبلوماسي يجب أن يعود مرة أخرى إلى الحظيرة العربية. ما يمكن أن يشكل أمرا جديدا هو ظهور إطار للحوار العربي الإيراني حول سوريا.
في كل ما يجري, هناك أمر واحد جلي وواضح: مصير الأسد, وكحال نظامه, في أيدي أطراف أخرى, سواء أكانوا أعداء أو حلفاء. مع أن والده الراحل أمضى الكثير من الوقت من أجل ضمان أن لا تسقط سوريا والنظام السوري في مثل هذا الفخ. دون أدنى شك فإن حافظ الأسد كان يذكر ويكره في نفس الوقت, كيف أصبحت سوريا ألعوبة في يد اللاعبين الدوليين خلال فترة الخمسينات والستينات.
كما تذكر الأسد تجربته الشخصية خلال حرب أكتوبر 1973 ضد إسرائيل, في ذلك الوقت, شعر الرئيس السوري بأن نظيره المصري أنور السادات وصل إلى ترتيبات مع الولايات المتحدة جعلت سوريا سياسيا وعسكريا ضعيفة, وليس أقلها اتفاق سيناء الأول في يناير 1974.
الاعتماد على قرارات تمليها القوى الخارجية أمر سعى حافظ الأسد باستمرار إلى تجنبه. كانت سياسة الزعيم الماكر, تتمثل في وضع سوريا في موقف كان على الآخرين فيه أن يأتوا إلى دمشق لتقديم طلبات سياسية, مما يجعله في موضع محوري إقليميا.
ولكن بشار الأسد فشل تماما في تكرار أسلوب والده. في حين أنه استعار تكتيك والده المفضل في تصدير الفوضى, بحيث يمكن لسوريا أن تحل هذه الأزمات فيما بعد, فإنه نادرا وفى بما وعد به.
هذا الأمر كان صحيحا بصورة خاصة, على سبيل المثال, عندما تراجع عن الالتزام الذي قطعه لوزير الخارجية الأمريكي آنذاك كولن باول في فبراير 2003 بوقف تهريب النفط العراقي نيابة عن نظام صدام حسين. في حين أن الرئيس كان يحاول الحفاظ على هامش سوريا في القدرة على المناورة, إلا أن هناك حقيقة غابت عنه وهي أنه فقط من خلال الوفاء بالتفاهمات فإنه سوف يكون لدى الممثلين الأجانب الحافز ليأتوا إلى عتبه داره.
الوضع اليوم في سوريا مختلف تماما. الأسد يعتمد اعتمادا كليا تقريبا على إيران, وإلى حد أقل على روسيا, من أجل بقائه السياسي. وعادت سوريا مرة أخرى لتكون رقعة للعب في يد الدول الإقليمية – مثل إيران والسعودية وتركيا وقطر وإلى حد أقل إسرائيل ومصر إضافة إلى الولايات المتحدة وروسيا الذين يلعبون جميعهم دورا في التطورات التي تحصل هناك.
الأسوأ من ذلك, هو أن مصالح إيران ومصالح الأسد غالبا ما تتصادم. سهلت إيران تفتيت سوريا من خلال التركيز على تعزيز قبضة النظام على جزء معين من سوريا, من دمشق إلى الساحل السوري, بما في ذلك مدينة حمص, كونها تشكل الوسيلة الوحيدة التي تملكها لبسط السيطرة على البلاد. الأسد في المقابل, سوف يفضل دون شك أن يحصل على الوسائل التي من شأنها استعادة سوريا بالكامل في نهاية المطاف.
وباالمثل أن تصبح الجولان ورقة بيد إيران أمر لا يرحب به الأسد, لأن استعادة هذه الأراضي طالما كانت قضية سورية وطنية محورية. خسارة ذلك لصالح طهران يمكن أن يؤدي إلى تآكل شرعية الرئيس.
أن تكون سوريا تحت سيطرة القوى الأجنبية يعني أن أي حل لن يأتي إلا من خلال ترتيب دولي, مع بقاء مستقبل بشار الأسد مجهولا. يمكن للمرء أن يسمع حافظ الأسد وهو يئن. بالتأكيد فإن روحه تقول: كل ما فعلته ذهب هباء.