أشجع كلب في الدنيا
أشجع كلب في الدنيا
The Bravest Dog In The World
ترجمة: أ.د/
جابر قميحةمن كتاب : (The Big Story Book)
( 5 )
كان بت ( Pete ) كلبا خشن الشعر ، يملكه فتى يدعى مايك (Mike) . وكان مايك فخورا بكلبه حتى إنه لم يكن يذهب إلى مكان إلا وهو بصحبته .
وكان دائما يردد :
ـ " إن بت هو أشجع كلب في العالم ، ولو حاول أحد اللصوص سرقة منزلنا فإن بت سيوقفه عند حده ، حتى لو كان مسلحا ببندقية أو سكين أو سلسلة حديدية غليظة ؛ لأن بت لا يخاف ، وليس هناك في الوجود ما يخافه بت الشجاع " .
وفي ليلة من ليالي الصيف ـ بعد العشاء ـ كان مايك وصديقه جو ( Joe ) يلعبان أمام البيت مع بت ، ونظر مايك إلى السماء التي كانت ملبدة بالغيوم .
قال مايك :
ـ " أعتقد أنها ستمطر ، وأعتقد أنه من الأفضل أن ندخل البيت " .
ولم يتم كلامه إلا وسمع صوت الرعد في الأفق البعيد . فصاح جو :
ـ " يظهر أنها عاصفة رعدية ، هيا بنا نجري إلى البيت ؛ فأنا أخاف من العواصف الرعدية " .
فقال مايك :
ـ " وأنا كذلك " .
وقال بت في نفسه :
ـ " وأنا مثلكما " .
إن بت لا يستطيع أن يتحدث لغة الآدميين ، وحتى لو كان يستطيع التحدث بها فإنه لن يعترف لمايك أنه يخاف العواصف الرعدية ؛ لأنه أشجع كلب في العالم وكلب بهذه الصفة من المفروض ألا يخاف أي شيء في الوجود حتى لو كان العواصف الرعدية .
وحينما وصلوا إلى منزل مايك ، ودع مايك صديقه جو قائلا له :
ـ " عليك أن تسرع إلى بيتكم ؛ فالعاصفة الرعدية ـ على ما يبدو ـ ستهب في أية لحظة " .
وبعد ذلك مزق البرق ستار الظلام ، وعلا هزيم الرعد أكثر من ذي قبل ، وبدا بت يعوي ، ويخمش باب البيت بمخالبه ، وقال في نفسه :
ـ " إنني لا أستطيع أن أساعد نفسي ، إنني خائف وأريد أن أدخل البيت ضمانا لسلامتي " .
ونظر جو إلى بت وضحك وهو يقول :
ـ " قد يكون بت خائفا من العاصفة الرعدية مثلنا " .
فرد عليه مايك بنزق وخشونة :
ـ " لا تكن غبيا ضيق الأفق ... إن بت هو أشجع كلب في العالم وليس هناك في الوجود كله ما يخيفه ، لقد كان يعوي ، ويخمش باب البيت لإنه كان يشعر بالجوع وشدة حاجته إلى طعام العشاء ، وهذا كل ما فيها " .
وقال بت في نفسه :
ـ " هذا هو الواقع ... إني جائع بالتأكيد ... لا ... ليس هذا هو الواقع ... بل الواقع أنني خائف ... خائف ، ولكن لا داعي لأن يعرف مايك شعوري هذا " .
وأخذ بت ينبح ويهز ذيله ، كأنه أشد كلاب الدنيا جوعا ، وشوقا إلى الطعام .
قال مايك وهو يفتح الباب الأمامي للدار :
ـ " حسنا يا بت ، سأذهب لأجهز لك طعامك حالا " .
طعام ؟ أي طعام ... إن الطعام هو آخر شيء يتطلع إليه بت ، ولكنه ـ على أية حال ـ التهم كل طعام العشاء الذي أحضره مايك من أجله ، ثم تبع صاحبه مايك إلى الحجرة الأخرى .
وخطر لمايك أن يفتح التلفاز ، فربما استطاع أن يشغله عن التفكير في العاصفة الرعدية .
وتمدد بت على الأرض قريبا من مايك وأخذ ينظر حوله ... كان الأب يجلس على كرسيه المفضل ، يدخن غليونه . وكانت الأم تجلس على الأريكة تطوي الملابس المغسولة وتنظمها . أما مايك فكان جالسا على أرض الحجرة يضحك ، وهو يتابع أحد برامج التلفاز .
وقال بت في نفسه :
ـ " ما أحمقني إذ أخاف من العاصفة الرعدية ؛ فأنا هنا في بيتي ... سليم معافى ، ولا تستطيع العاصفة أن تمسني بسوء " .
وفي هذه اللحظة نفسها أضاء البرق ، وقصف الرعد بشدة وعنف ، في العرض الذي كان يقدمه التلفاز . وأصيب بت بفزع شديد حتى إنه وثب إلى الأريكة مباشرة وتمدد بجانب الأم .
فصاحت الأم :
ـ " ما هذا يا بت ؟؟ أنت تعلم أنه ليس من حقك استعمال أثاث المنزل " .
وأمسك الأب بغليونه بعيدا عن فمه ، ووجه الكلام إلى مايك وهو يضحك :
ـ " إن بت يخاف من الرعد والبرق كأي كلب آخر ".
واحمر وجه مايك ، وظهرت أمارات الغضب على وجهه وهو يقول لأبيه :
ـ " إن بت لا يخاف من الرعد أو البرق ، إنه أشجع كلب في العالم ، فهو لا يخاف من أي شيء ، وقد قفز إلى الأريكة لأنه يريد مكانا أكثر ليونة وراحة يتمدد فيه . هذا كل ما في الأمر " .
وابتسم الأب وهز رأسه ولم يعلق بشيء .
وقال بت في نفسه :
ـ " هذا صحيح ... فأنا اريد مزيدا من الراحة ، وهذا ما دفعني إلى الوثوب والتمدد بجانب الأم " .
وأخذ بت يلعق بلسانه يد الأم ويهز ذيله كأنه أسعد كلاب العالم وأشدها راحة واستقرارا .
قالت الأم :
ـ " يكفيك هذا يا بت ، لقد تقدم الوقت وآن لك أن تخرج لتنام " .
ثم التفتت إلى ابنها مايك وأضافت قائلة :
ـ " وأنت أيها الفتى عليك أن تذهب إلى سريرك الآن " .
فصاح مايك :
ـ " من فضلك يا أمي أرجو أن تتركي بت ينام معنا في البيت هذه الليلة " .
فابتسم الأب وقال :
ـ " ولماذا ينام أشجع كلاب العالم في البيت هذه الليلة بصفة خاصة ، ألأنها ليلة عاصفة ؟ ولماذا لا ينام في الجراج كما يفعل دائما ؟ " .
وقال مايك :
ـ " لأن وجوده هنا في المنزل هذه الليلة يشعرني أكثر بالأمان والطمأنينة فإذا ما بات خارج البيت ، وبدا البرق يرسل ضوءه الشديد الخاطف فيحتمل أن يوقظنا بت بنباحه " .
ونظر الأب إلى الأم ، ونظرت الأم إلى الأب ، ونظر بت المسكين إلى كل منهما .
وأخيرا قالت الأم :
ـ " حسنا يستطيع بت أن ينام هذه الليلة فقط في دهليز ( قبو ) البيت ، والأن هيا إلى سريرك يا بت " .
والحقيقة أن بت لم يكن يرغب أن ينام في الدهليز ؛ لأنه يفضل النوم مع مايك على سريره ، ولكن الدهليز على أية حال خير من الجراج كمكان للمبيت ؛ فالجراج ينفذ إليه ضوء البرق مباشرة ، ويقصف الرعد بشدة كأنه على مقربة منه.
وهبط الأب وابنه مايك السلالم إلى الدهليز وفرش مايك على الأرض بطانية طرية لينام بت عليها ، ومد الأب يده ليطفئ النور . فنبح بت كأنه يقول :
ـ " لا تطفئ النور فأنا لا أريد أن أكون وحيدا في الظلام " .
وقال له مايك :
ـ " من فضلك يا أبي أرجو ألا تطفئ النور " .
وابتسم الأب وقال :
ـ " وما حاجة أشجع كلب في العالم إلى الضوء ؟! هل هذا يساعده على النوم ؟ ".
فرد مايك قائلا :
ـ " لا ... ولكن حتى يستطيع أن يرى الأشياء في أماكنها إذا ما استيقظ في منتصف الليل وقرر أن يقوم بجولة " .
وقال بت في نفسه :
ـ " هذا صحيح أريد النور حتى لا أصطدم بشيء إذا ما استيقظت في منتصف الليل وقررت أن اقوم بجولة " .
وهكذا بقي النور موقدا ، وتمدد بت على السرير الطري الذي صنعه له مايك من البطانية وأخذ يراقب مايك وأباه وهما يتركانه ويصعدان درج السلم . وسمع صوت باب الدهليز وهو يغلق عليه ، واستمع إلى وقع المطر الذي كان يهطل على نوافذ الدهليز ، وهو يعرف أنه هنا وحيد تماما .
ـ بم ... بوووم .... بوووم .
هكذا كان صوت الرعد الذي كان يقصف بشدة لم يعهد بت مثلها . وغطى بت عينيه حتى لا يرى البرق ، وغطى أذنيه حتى لا يسمع الرعد ، ولكن بت ليس له إلا رجلان أماميتان ، وعيناه وأذناه تحتاج إلى أربعة أرجل امامية .
وقال بت في نفسه :
ـ " لو كان لي كفان أماميتان ، إذن لاستطعت أن أغطي عينيّ وأذنيّ في وقت واحد ،
وحينئذ ربما غدوت لا أخاف أي شيء في الوجود بعد ذلك " .
وازداد قصف الرعد ، ولمعان البرق الخاطف ، وفجاة انقطع النور الكهربي ، وأصبح كل شيء يسبح في الظلام .
قال بت في نفسه :
ـ " كيف حدث هذا ؟ لن أكون بعد ذلك أشجع كلب في العالم ... ولا يهمنى إن علم الأخرون بهذه الحقيقة أم لا ، وليس أمامي من حل في هذا الظلام الدامس إلا أن أنبح ، وأنبح ، وأعوي ، وأخمش باب الدهليز بمخالبي إلى أن يأتي من ينقذني من هذا الدهليز الحالك الظلام " .
وفجأة سمع بت باب الدهليز يفتح ، وسمع وقع أقدام على سلم الدهليز ، وسمع صوت مايك يناديه في الظلام :
ـ " تعال يا بت ، ستعود إلى أعلى وتنام معي في سريري ، لقد قُطع التيار الكهربي وانطفأت كل الأنوار ، ولم يستبد بي الخوف طيلة حياتي كما يستبد بي الآن ، وأنا لا أستطيع النوم من غير أن يكون معي ـ تحت غطاء واحد ـ أشجع كلب في العالم " .
ونهض بت من فوق بطانيته اللينة وأخذ يهز ذيله ، وتبع صاحبه مايك وهو يصعد السلم . وقال بت في نفسه :
ـ " إنني أشعر الآن بسعادة لم أشعر بمثلها طيلة حياتي ، شكرا للصاعقة التي قطعت النور . ولكن على الجميع أن يتذكروا دائما أنني أشجع كلب في العالم ".