حقيقة الروح ... ومصدر الخلاف
أسرار الحياة 55
د. خالد سيفي
انت لا تحتوي الوعي بل الوعي هو الذي يحتويك، انه اكبر منك.
كثيرون يتساءلون، وبعضهم يأتي إليّ متذاكيا " أين موقع الروح من الجسد"، بذلك يظنّون أنهم يطرحون سؤالا عصيا؟!.
اقول " الروح ليست في أي مكان من جسمك، لا تتعب نفسك...بل إنّ جسمك هو الذي في الروح"!!!، وَعْ، ودَعْ ذلك درسا لك وأودعه في وعيك.
في الحقيقة، الروح اكبر واضخم من الجسد، الروح هي التي تحيطُك".
الروح كالتّيار الكهربائي، تمدّ الأجهزة على اختلافها بالطاقة نفسها...الكهرباء. راديو، تلفزيون أو مروحة، ومهما كانت الوظيفة التي تلبيها هذه الأجهزة، فيها نفس النوع من الطاقة المشغّلة، إنها الكهرباء. وهي تأتي من خارج البيت ... إنها من المولّد...من المصدر.. وهو واحد لجميع الأجهزة على اختلاف الصفات والمهمات والأنواع.
إننا جميعا نتاج نفس الطاقة ، وجوهرنا حقيقة واحدة،.. لكن مظاهرها مختلفة.
من هنا تستطيع ان تستنتج ان "ارواحنا" هي نفس الروح... روح واحدة، .....ليست مختلفة ولا متعددة!!!.
ونحن نعيش الوجود، نستمد أرواحنا من نفس المصدر الواحد، نحن نشرب من نفس المحيط.
فالروح التي بداخلنا هي نفس الروح الحاضنة لنا.
نعم أجسامنا مختلفة وطموحاتنا مختلفة، ومعاناتنا وعذاباتنا متنوعة... ولكن الروح التي تسري في أجسامنا هي نفسها.....واحدة.
وإذا كان الأمر كذلك، فمن أين يا ترى يأتي اختلافنا؟ ومن اين تنبع خلافاتنا؟!
نحن واحد؟!.. إلا أنَّ ادمغتنا مختلفة وهي مصدر اختلافنا وخلافاتنا؟!
فمن أهم وظائف الدماغ التصنيف والتمييز الناتج عن المقارنة والمقاربة، المفارقة والمطابقة، التلخيص والتفصيل، المراجعة والتجريد، الاستنباط والاستنتاج، القياس والنقد، التفكيك وإعادة التركيب، الإجمال والاختزال والتضييق، وبالتالي هو مصدر التصادم والتضارب. فيه ينشأ التنافر بسبب المصالح والتكالب على الممتلكات، هو الجشع والسيطرة والجنس والغضب.
وإذا صنّفت فإنّك تُمَيِّز، وكل تمييز يَتْبعه تفضيل، وكل تفضيل بعده إقصاء ، وكل إقصاء يثير شقاق بينك وبين الطرف الآخر.
لذا، أخرج من الدماغ وركّز على الوعي...
اقصد المصدر الذي يجمع الجميع ويمثّل الكل، انه النّقي والخالص من كل شوائب.
إذا فعلت سنكون أنا وأنت واحدا، لا فَرقَ ولا فُرقَة، نصبح في هذه الحالة متحدّون، وهذا ما نطلق عليه اسم الوعي الكوني.
الوعي كوني، والجهل شخصي.
وفي اللحظة التي تكون فيها انسانا حقيقيا تكون فيها انسانا كونيا. وهذا ما تعنيه كلمة "البوذا" الانسان الكامل، او الانسان الكوني او المطلق.
ودعوتي لك : أنْ تعال إلى الكلية، إلى الكونية لكي نتوحد.
روحي وروحك واحدة وآتية من الخارج وتمنحني وإياك طاقة التشغيل، وتمدّ ما على الوجود من أجساد وأحياء بنفس الذي فيّ وفيك. هذا بكل ما في الكلمة من معنى وعمق وبساطة، وبكل ما فيه وجه شبه مع الكهرباء من تماثل ومطابقة.
إلاّ أنّك – وللأسف - إنسان آلة. ومتخلف لم تبلغ الإنسان الحقيقي بعد. وأنت ما زلت شرها، شهوانيا شبقا شجعا وخائفا ....وبعيدا عن الكونية.
عندما يشعر الإنسان الآلة بوجع في الرأس، لا يستطيع آخر أن يأخذ عنه هذا الوجع. في هذه الحالة لا يستطيع احدهم مساعدة صديق أو انقاظ محبّ. ولا تقدر أن تقدّم دعما أو مشورة لتلبية طموح منافس، هذا إن لم تعرقله وتشِ به. أنا لا استطيع أخْذ أي شيء من محتوياتك الآن.
لكن إن جلسنا في حالة تأمّل، نستطيع أنا وأنت أن نخرج معا من نطاق الأجساد والأدمغة والمحتويات لنصبح واحدا، حينها ما لدي ينتقل لعندك وما لك يصبح لي.
يبدأ المتأمّلون فرادى وسرعان ما يلتقون ويتحدّون في الوعي المطلق.
انتم تستمعون لي فرادى، لكن إن انتقلتم لحالة أرقى، وهي الحالة التأمّلية فإنكم تصبحون مستمعا واحدا.... في الحقيقة نغدو أنا وانتم واحدا، لا مستمعا ولا متحدثا، كلنا واحد.
وأنت أيها القارئ قد تجد نفسك في نفس حالة التماهي هذه، اذا ما ترفعّت عن مشاغلك ومشاكلك وتجاوزت المال والأعمال، ففي لحظة انسجام وتركيز في النص الذي بين يديك، يختفي الكاتب، وقد تختفي في النص وتذوب في المكتوب.
في الحقيقة، ما يشدّك إلى القراءة هو الاندماج والتوحّد مع الروح والوجود الكوني. هذه هي أحلى لحظات التجلّي والنشوة، هنا لا قاص ولا نص، لا حدود ولا شروط، لا فاعل ولا مفعول.