يوميات السجن
يوميات السجن
(هوشي منه) شاعرا
إن ما في السجن جسمك
ليس ما في السجن روحك
فاحفظ القلب سليما
تنجز الأمر العظيما
سأله الصحفي الغربي: هل سجنت أيها السيد لمدة طويلة؟
فأجابه القائد الكبير: الوقت في السجن طويل دائما
آب-(أغسطس) آسيا
كانت السنة الثانية من الحرب على وشك الانتهاء, اليابانيّون يحتلون الهند الصينية, ولكن ثمة قوى جديدة قد نهضت, وفي فيتنام مقاومة سرية قابضة بحزم على المنطقة العليا.
ذات يوم على مقربة من الحدود الصينية- الفيتنامية أوقفت شرطة ديكتاتور الصين (تشان كاي شك), رجلا لا تعلم عنه شيئا سوى أن اسمه هوشي منه, وأنه قاصد (تشون كن) ويقول عن نفسه انه ممثل للوطنيين الفيتناميين.
قبل ذلك حوالي 1926-1927 كان اسمه نغوين أي كووك وكانت تعرفه كل دوائر شرطة الشرق الأقصى, كان لديهم من ما يكفي من الأسباب لوضعه في السجن, فاعتقل في تشان سي ثم ساقوه إلى نان تنغ و منه إلى كوي لين ومنه إلى ليثو تشيثو تم عادوا به من حيث أتى.
كان الوضع في السجن وفي مراكز الاعتقال مأساويا, لكن برغم التسفير لمسافة خمسين كيلو مترا مشيا على الأقدام, و الليالي التي لم يذق فيها طعم النوم, وبرغم الجوع و البرد و الحميات و المحابس الخشبية الصينية ذات الثقوب لإبراز الرأس و اليدين فقط, و برغم تكبيل الساقين و الساعدين, ورائحة العفونة و الرطوبة و النوم بين القاذورات و أرتال البعوض, كان السجين ينفث ما بصدره من أحاسيس على شكل أشعار غاية في الجمال:
الطائر المتعب
يؤوب في الغابة ميمما عشّه
و في السماء سحابة تؤوب لوحدها شريدة
وثمّ في القرية صبية تطحن ذرتها الصفراء
بينما تحمرّ نار في ضوئها الأحمر
و في سجن الصين, كان يكتب بلغة سجّانيه, فقد كان من شأنهم أن يرتابوا لرؤيته يكتب باللغة الفيتنامية, كان يختلس الفرص فيخرج دفترا صغير خضراويا من مخبأ ويكتب:
يتفتح في الأرض الورد
يتفتح في الأرض و يذبل
لا يدري الورد بما يفعل
يكفي أن ينشر أريجه
ويشم عبير الورد سجين
حتى تتصايح في قلبه
و يضج ظلام الدنيا
و يقول لنا في قصيدة في الصفحة الأولى لماذا يكتب شعرا
لم أكن جد ولوعا بالقوافي أبدا فيما مضى
غير أني الآن و السجن مقامي
ولعجزي عن أداء الأفضل
لقضاء الوقت في الأيام أيامي الطوال
انظم الأشعار ترويحا لنفسي
بانتظار أن أرى حريّتي
وفي قصيدة يعبر عنوانها عمّا فيها: لدى الدخول الى سجن تشان سي
في السجن هنا يستقبل القديم الوافد الجديد
و في السماء غيوم زرق تكر
و ثمة إنسان حر وحيد
يلبث في زنزانة
في قصيدة درب الحياة يعبّر عن خيبة أمله بالإنسان:
لقيت نمور الذرى ولم أجد عناء
لكنني ما كدت أصادف الإنسان
حتى اعتقلت
وعن حياته في السجن يقول في قصيدة طعام السجناء:
كل ما نطعم حفنة من أرز أحمر
فيا لها تعاسة لا ملح لا خضار حتى ولا حساء
في السجن يقدر أن يأكل من كان يستجلب لنفسه الطعام
أما الذي لا أحد خلفه فدأبه استغاثة بالأم و الأب
لكن المساجين يحتالون على الملل باختراع لعبة شطرنج يزجون بها الوقت
فلتكن الضربات جيدة الإعداد
ولتبق خطتك طي الكتمان
تصبح جديرا بأن تكون القائد الكبير
وكان له ما أراد فقد أصبح قائدا عظيما
وهو رغم معاناته لا يني يستشعر جمال الطبيعة
برغم أن ساعدي و الساقين
تشدهما القيود
فإنني في كل ناحية أصغي إلى الطيور
أشم ّطيب الزّهر
فهل في وسعهم أن يمنعوا عني سعادة الإحساس
سعادة الإصغاء
سعادة تقصّر الدروب و تجعل الإنسان
اقل عزلة
و على درب شقائه كان حراسّه يجرونه مشيا على الأقدام حين كانوا يحملون خنزيرا صادفهم:
يجرني حراسي جرا
ويحملون في الدرب خنزيرا
الجر للإنسان
و الحمل للخنزير
انك أنت أدنى من ذلك الخنزير
في عالم التقييم
كم ذا يحط من قيمة الإنسان
قصائد عديدة و جميلة, بين دفتي الديوان, تمنيت لو أنقلها جميعا إلى ذهن القارئ الكريم, تشي بمكنونات( العم هو كما يلقّبه شعبه) شاعرا, أما هو تشي منه قائدا, فكان مثالا للتواضع و الإيثار و التقشّف بل كان أقرب إلى الأسطورة.
دفتر السجن
هوشي منه
ترجمة وصفي البني
منشورات وزارة الثقافة و الإرشاد القومي
دمشق-1969