الصبية والدب
كان لزوجين مسنين حفيدة اسمها ماشا ، وفي يوم اعتزم بعض رفاق ماشا الذهاب إلى الغابة لجمع عش الغراب وثمر العليق . وقدموا إلى بيت جدي ماشا ودعوها لمصاحبتهم إلى الغابة . قالت ماشا لجديها : ذنا لي بالذهاب إلى الغابة معهم !
فقالا : اذهبي ، واحرصي على البقاء قريبة منهم وإلا ضعت في الغابة !
بلغت ماشا الغابة مع لداتها ، وأخذوا ينقبون عن نبتة عشش الغراب وثمار العليق . مضت ماشا من شجيرة إلى أخرى ، ومن شجرة إلى شجرة حتى اكتشفت لصدمتها أنها تباعدت عن رفاقها . وحين استقر في ذهنها أنها أضحت بعيدة وحيدة بدأت تناديهم دون سمع منهم أو إجابة ، فسارت في كل ناحية ، وجابت أرجاء الغابة . وفجأة لمحت كوخا صغيرا ، فدقت بابه ، ولم يأتها جواب ، فدفعته ، فماذا حدث ؟! انفتح ، فدخلت واقتعدت مقعدا طويلا لدى النافذة وفكرت : "ترى من يقيم فيه ؟! " ، والذي يقيم فيه دب كبير ، كان آنئذ يجوس خلال الغابة ، وعاد إليه غروبا ، واغتبط كثيرا لرؤية ماشا فيه .
قال : يا سلام ! لن آذن لك بالانصراف ! ستقيمين في كوخي وديعة مثل فأرة ، وستطهين لي عشائي وفطوري ، وستكونين خادمتي الوفية الصادقة .
فحزنت كثيرا ، ولكن ما كان بيدها حيلة ، فبقيت مع الدب ربة لبيته . وكان يذهب يوميا إلى الغابة ويلبث فيها كل نهاره ، ويأمر ماشا قبل ذهابه باللبوث في الكوخ وارتقاب مآبه مغربا .
قال لها : لا خروج لك إلا في معيتي ، وإذا خرجتك وحدك سأصيدك وألتهمك .
وقعدت مرة تفكر في وسيلة للخلاص منه . كل ما يحيط بها إنما هو شجر الغابة ، وما من أحد تراه لتسأله مخرجا من معتقلها ، وامتد تفكيرها حتى هداها الله _ سبحانه _ إلى ما تفعل .
قالت للدب حين رجع مغرب ذاك النهار : ذن لي يا عزيزي الدب في الذهاب إلى قريتي يوما واحدا ! أريد أن آخذ معي شيئا حسنا لتأكله جدتي وجدي .
فقال : كلا ! ما في ما تريدين من نفع لجديك .لو أخبرتني ما تريدين أن تحمليه لهما لحملته بنفسي .
وكان ذلك ما تريد ماشا سماعه منه وفق تدبيرها ، فطهت بعض الفطائر وحطتها فوق طبق وأحضرت سلة وسيعة وقالت للدب : سأضع الفطائر في السلة لتحملها إلى جدتي وجدي ، واحرص على ألا تفتح السلة في الطريق وأكل أي فطيرة من الفطائر . سأرتقي إلى قمة السنديانة الكبيرة وأراقبك حتى لا تفتح السلة .
قال : رائع تماما ، هاتي السلة !
وقصد شرفة الكوخ للاطمئنان على خلو الجو من المطر ، فدخلت ماشا في السلة والتحفت بالفطائر ، وعاد الدب فوجدها مهيأة للارتحال بها ، فحزمها فوق ظهره وانسرب بها . مضى خطوة خطوة بين شجر البيسيه والزان ، تعليه رابية ويهويه وادٍ في طريق مترامٍ متعطف ، وحمله يوقر خطاه ، لكنه ما توقف في سيره ، وأخيرا نابه الكلال، فقعد للاستجمام مخاطبا نفسه : سأموت إن لم تستجم عظامي ، سأقعد فوق أصل شجرة مقطوعة ، وألتقم فطيرة .
فأهابت ماشا من السلة : أراك ، أراك ، لا تقعد فوق أصل الشجرة ، ولا تلتهم فطيرتي ! احمل الفطائر إلى جدتي وجدي !
فقال : ما أغرب حدة عيني ماشا ! تريان كل شيء .
وحمل السلة وتابع سيره إلا أنه توقف ثانية قائلا لنفسه : سأموت إن لم تستجم عظامي ، سأقعد فوق أصل شجرة مقطوعة ، وألتقم فطيرة .
فأهابت ماشا من السلة مرددة ما قالته له في المرة السابقة ، فقال : يا لماشا من صبية بارعة ! فوق سنديانة عالية ، وبعيدة مني ، وترى ما أفعل وتسمع ما أقول !
فقام وتابع سيره أسرع من قبل ، وبلغ القرية ، ولما هدي إلى بيت جدي ماشا دق بابه بجماع قوته مزمجرا : افتحا الباب ! معي لكما شيء من ماشا !
وشمت كلاب القرية ريحه ، فاندفعت إليه من أفنية سائر البيوت نابحة عاوية ، فانذعر ، ورمى السلة عند الباب وعدا بأقصى سرعته لا يلتفت خلفه أيما التفاتة . وقصد العجوزان الباب وشهدا السلة . سألت الجدة : ماذا في السلة ؟!
فأزاح الجد غطاءها ونظرا داخلها ، فلم يصدق عينيه : رأى ماشا تجلس حية معافاة ، فطغى فرحه وفرح زوجته ، واحتضن الاثنان ماشا وقبلاها ، وقالا إنها أبرع ما تكون البراعة ، وهو ما يماشيهما فيه رأيا قراؤنا الأحبة .
*من القصص الشعبي الروسي .
وسوم: العدد 651