الأرنب والقنفذ
لن يصدق أحد هذه القصة ، ومع ذلك فهي حقيقية ؛ لأن جدي كررها مرارا على مسمعي قبل أن يأذن لي بحكايتها . قال : لابد أن تكون يا بني قصة حقيقية بمصداقية عالية وإلا ما كنت لأحكيها لك .
وإليكموها : حدث ذلك خريفا صباح يوم أحد . كانت الشمس قد علت ساطعة في السماء ، ونسيم الصباح يلاطف أعواد القمح بنفسه الدافىء ، والقبرات تصدح ، والنحل يكد في ارتشاف رحيق الزهر ، والناس يؤمون الكنيسة لا بسين ثياب الأحد . كل الدنيا كانت مسرورة راضية حتى القنفذ الذي جلس أمام بيته مصالبا ذراعيه على صدره ، ومسرحا ناظريه في الجو الناسم الباسم ، ومرددا أغنية لا مليحة ولا قبيحة ، وإنما بالخصيصة التي يمكن أن تكون عليها أغنية قنفذ في صباح أحد سني بهي . وبدت له فكرة في غنائه . خلاصتها أنه قادر _ خلال قيام زوجته بتحميم أبنائهما وإلباسهم ثيابهم _ على التنزه في الحقول للاطلاع على اللفت اذي لا يبعد عن بيته كثيرا ، ويتغذى عليه مع عائلته ، ويعده ملكية خاصة لها . وكان أن أوصد باب البيت وسلك سبيله إلى الحقل الذي لم يكن بعيدا عنه . وكل ما فعله أن استدار حول أجمة برقوق قبل أن يتجه إليه . ولما قابل الأرنب _ وكان الآخر في طريقه للاطلاع على الملفوف _ حياه في مودة إلا أن الأرنب الذي يعد سيدا عالي المقام في قومه ويعتز بنفسه اعتزازا فظا ؛ لم يرد التحية ، وقال متملكا لنفسه في نبرة معسولة : ما الذي جاء بك في هذه الصبحية البهية ؟!
رد القنفذ : أتنزه .
فتناهف الأرنب مستضحكا : تتنزه ؟! أعتقد أنه يحسن بك أن تستعمل سيقانك استعمالا أفضل من التنزه .
فغضب القنفذ من كلام الأرنب غضبا عنيفا . إنه يتحمل كل صنوف المزاح سوى ما يتصل بسيقانه التي خلقت ملتوية .
قال للأرنب : تحسب نفسك قادرا على استعمال سيقانك أفضل من استعمالي سيقاني ؟!
فقال الأرنب : أحسب ذلك .
فقال القنفذ : عجيبة والله . عموما سنرى . أثق بأنني سأسبقك إن تجارينا .
قال الأرنب : تمزح . أتسبقني بسيقانك الملتوية ؟! عموما أنا موافق إن قدر لك أن تجاريني . ما الرهان ؟
قال القنفذ : ليرة ذهبية وقنينة خمرة .
رد الأرنب : قبلت . لنرسم خط السباق الذي سنجري فيه !
قال القنفذ : لا. الأمر ليس ملحا ضاغطا .لم أفطر بعد .سأذهب أولا إلى البيت لأفطر . سأكون هنا بعد نصف ساعة .
فوافق الأرنب ، وذهب القنفذ . فكر في الطريق :" سيعتمد الأرنب على سيقانه الطويلة ، ومع ذلك سأفوز بالسباق .هو سيد موقر . وهو ليس فقيرا، ولا بد أن يكون ما سيدفعه جيدا " .
وحين بلغ بيته قال لزوجته : البسي ثيابك يا امرأة بسرعة ! يجب أن تذهبي معي إلى الحقل .
فسألته زوجته : ماذا حدث ؟
_ راهنت الأرنب على ليرة ذهبية وقنينة خمرة . سنتسابق ويجب أن تكوني حاضرة .
فتأوهت زوجته : آه يا إلهي ! جننت ؟! لابد أنك فقدت عقلك كليا . كيف تراهن أرنبا بريا على سباق ؟!
فقال : اخرسي يا امرأة ! هذا شأني أنا . لا تشغلي نفسك بشئون الرجال ! البسي ثيابك وتعالي !
لابد مما ليس منه بد . يجب أن توافقه طوعا أو كرها . وفي الطريق قال لها : أحسني سمع ما سأقوله لك !
انظري ! سنتسابق في هذا الحقل . سيجري الأرنب في هذا الثلم ( أخدود غير عميق ) ، وسأجري أنا في الثلم الآخر .ما عليك إلا أن تكوني في نهاية الثلم الخاص بي، وتقولي للأرنب حين يصل إليك : وصلت قبلك !
وحين بلغا المكان المقصود ترك زوجته في طرف الحقل ، ومضى إلى طرفه الآخر حيث ينتظره الأرنب الذي بادر بسؤاله : نبدأ ؟
رد الأرنب : بكل توكيد .
_ هيا إذن !
واتخذ كل واحد مكانه في ثلمه . وعد الأرنب : واحد ، اثنان ، ثلاثة .
واندفع في سرعة الريح العاصفة أما القنفذ فلم يخطُ سوى ثلاث أو أربع خطوات رقد بعدها في جوف ثلمه دون أي حركة .ولما بلغ الأرانب طرف الحقل في وثبات واسعة صاحت به زوجة القنفذ : وصلت قبلك !
فلم يشك فيها ، وحسب مَن كلمه القنفذ نفسه ؛لأن مظهرها نفس مظهره تماما إلا أنه قال : هذا ليس عاديا .
وصاح : سأجري في الاتجاه الآخر .
واندفع ثانية كالعاصفة وأذناه تطيران فوق رأسه . ومكثت زوجة القنفذ ساكنة في موضعها .
وحين بلغ طرف الحقل الآخر صاح به القنفذ : وصلت قبلك !
فصاح الأرنب بعد أن فاض انفعاله : نعيد السباق ؟!
قال القنفذ : موافق .ولنأخذ وقتا كافيا يلائمك .
وكان أن جرى الأرنب ثلاثا وسبعين مرة فاز فيها القنفذ كلها . وفي كل مرة يصل فيها الأرنب إلى أحد طرفي الحقل يقول له القنفذ أو زوجته : وصلت قبلك !
وفي المرة الرابعة والسبعين لم يبلغ الأرنب نهاية المضمار ، وسقط في منتصفه والدم يسيل من فمه ، فمات . وأخذ القنفذ الليرة الذهبية وقنينة الخمرة اللتين فاز بهما ، ونادى زوجته ، وعادا إلى بيتهما راضيين مسرورين .
*الأخوان جرم
*عن النص الفرنسي
وسوم: العدد 680