سلمان الفارسيّ
أبطال خالدون: 7
سلمان الفارسيّ
عبد الله الطنطاوي
الراوي: نحن الآن في مكتبة الشيخ محمود، ننتظر قدوم حفيديه الذكيين النشيطين: أحمد وفاطمة.
مؤثر: نقرات على الباب.
الجد: ادخلوا يا أحفادي.
مؤثر: صوت فتح باب وإغلاقه.
الحفيدان: السلام عليكم ورحمة الله.
الرجلان: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الجد: أهلاً بكما يا حفدتي وأولادي، أهلاً بك يا أحمد.. أهلاً بك يا فاطمة.. اجلسا.
مؤثر: صوت كراسي.
الجد: سوف أحدّثكم اليوم عن رجل عظيم، شرَّق وغرّب بحثاً عن الحقيقة، حتى وجدها في المدينة المنورة، عند رسول الله
الجميع: صلى الله عليه وسلم.
الجد: رجل زاهد، زهد بمتع الحياة الدنيا ولذّاتها، وضحّى براحته وماله وجاهه وحريته، بحثاً عن الدين الحق، ولقي الألاقي في سبيل الوصول إليه، وكانت حياته ملحمة تُروى، حتى منّ الله عليه والتقى رسوله الأمين، وهداه إلى الإسلام العظيم.
فاطمة: من هو يا جدي؟.
الجد: إنه سابق الفرس إلى الإسلام.. إنه العالم العامل، والصحابي الزاهد، صاحب الرسول القائد: سلمان الفارسيّ.
الجميع: رضي الله عنه.
الجد: اسمه: سلمان. ولقبه: الفارسيّ، وكنيته: أبو عبد الله. ولد في قرية (جَيّ) قرب مدينة أصفهان في بلاد فارس.
الراوي: كان أبوه دِهقانَ قريته.. أي أن أباه كان زعيم الفلاحين في قريته جَيّ.. وكان أبوه يحبه حباً جماً.. كان أحبَّ خلق الله إلى أبيه، حتى بلغ به حبّه أن يحبسه في البيت، كما تُحبس البنات، خوفاً عليه.
فاطمة: هل كان نصرانياً؟
الجد: بل كانوا مجوسياً.. كانت المجوسيّة ديانة الفرس، وقد شجّعه أبوه على الاجتهاد في المجوسيّة، ليكون في المستقبل كاهن المعبد، وموقد النار فيه.
أحمد: وكم بقي على المجوسيّة يا جدي؟
الجد: إلى أن أرسله أبوه ذات يوم إلى ضيعة عظيمة كانت له، من أجل أن يتفقّد شؤونها، لأن أباه كان مشغولاً في ذلك اليوم ببناء كان يشرف عليه.
أحمد: هل كان أبو سلمان غنياً يا جدي؟
الجد: كلَّ الغنى.. كانت له ضياع، وأموال، وأطيان.. كان أبوه يملك كل شيء في قريته.
الراوي: وفيما كان الفتى سلمان في طريقه إلى ضيعة أبيه، مرَّ بكنيسة من كنائس النصارى، وسمع أصواتهم فيها وهم يصلّون، وكان سلمان لا يدري شيئاً من أمور الناس.
فاطمة: لماذا؟
الجد: لأن أباه ما كان يسمح له بالاختلاط بالناس، كان يخاف عليه، ويحبسه في بيته، كما يحبس بناته. ألم أقل لكم هذا قبل قليل؟
الحفيدان: بلى يا جدّنا
الراوي: دخل سلمان إلى الكنيسة، وشاهد النصارى وهم يصلّون، فأعجبته صلاتهم، ورغب في دينهم، وقال في نفسه: "هذا والله خير مما نحن فيه من المجوسيّة وعبادة النار".
الجد: وبقي سلمان في الكنيسة يسمع ويرى حتى غربت الشمس.
فاطمة: والضيعة؟
الجد: نسي ضيعة أبيه، فلم يذهب إليها، ثم سألهم سلمان:
أين أصلُ هذا الدين الذي أنتم عليه؟
قالوا: في الشام.
فاطمة: وأبوه؟ ألم يسأل عنه؟
الجد: سأل، ثم بعث من يبحث عنه، وشغله غيابه عن عمله كله.
الراوي: وعندما عاد سلمان إلى بيته، قصّ على أبيه ما رآه وسمعه في كنيسة النصارى، فقال له أبوه: يا بني.. ليس في ذلك الدين خير.. دينك ودين آبائك خير منه.
أحمد: هل ناقش سلمان أباه في هذا يا جدي؟
الجد: نعم.. قال سلمان لأبيه: كلا والله، إنه خير من ديننا..
فاطمة: وسكت أبوه؟
مؤثر: صوت قيود حديدية.
الجد: بل غضب أبوه وثار، ووضع القيد في رجل ولده سلمان، وحبسه في بيته.
الحفيدان: لا حول ولا قوة إلا بالله.
الجد: ولكنّ سلمان لم يرضخ، ولم يسكت، وبعث إلى النصارى من يقول لهم:
"إذا قدم عليكم ركب من الشام من النصارى فأخبروا سلمان بذلك".
الراوي: وبعد أيام، قدم بعض التجار من نصارى الشام، فأخبروا سلمان بقدومهم، وبأنهم سيعودون قريباً إلى الشام، فكسر سلمان قيده الحديديّ، وخرج معهم إلى الشام.
أحمد: معنى هذا أن سلمان كان قوياً.
الجد: جداً.. كان سلمان شاباً قويّ الجسم، مفتول العضلات.
فاطمة: وماذا فعل في الشام يا جدي؟
الجد: سأل سلمان أهل الشام عن أفضل رجل في هذا الدين عندهم، فدلّوه على الأسقف في الكنيسة، فذهب إليه سلمان وقال له:
- إني قد رغبتُ في هذا الدين، وأحببتُ أن أكون معك، أخدمك في كنيستك، وأتعلّم منك، وأصلّي معك.
الراوي: فقال له الأسقف: ادخل. فدخل معه سلمان.
فاطمة: وسَعِدَ به؟
الجد: لا.. لم يسعد به، فقد كان الأسقف سيِّئاً، فلمْا مات، جاء بعده رجل صالح، فأحبّه سلمان، واستفاد منه، ولكنه لم يلبث أن مات.
الحفيدان: لا حول ولا قوة إلا بالله.
الراوي: ولكنّ هذا الأسقف الصالح قال لسلمان قبيل وفاته:
- أيْ بنيّ.. والله ما أعلم اليوم أحداً على ما كنتُ عليه.. لقد هلك الناس وبدّلوا، وتركوا أكثر ما كانوا عليه، إلا رجلاً في الموصل، وهو فلان، وهو على ما كنتُ عليه، فالحقْ به.
الجد: سافر سلمان إلى مدينة الموصل، والتحق بذلك الرجل، وكان صالحاً كما وصفه أسقف الشام، ولكنه لم يلبث أن مات.
فاطمة: مسكين أنت يا جدي سلمان، ما تكاد تتعرّف إلى أحد الصالحين حتى يموت.
الجد: ولكن هذا الرجل الصالح أوصاه قبيل وفاته، بأن يلحق برجل صالح من أهل نَصيبين.
أحمد: ولحق به؟
الجد: نعم يا أحمد, ولكنه.
أحمد: لم يلبث أن مات.. مسكين أنت أيها الشاب الصالح.
الجد: وقبل وفاته، أوصاه بأن يلحق برجل من أهل عمّورية، فلحق به سلمان، وأقام عنده، وكان رجلاً صالحاً على هَدْي أصحابه السابقين وعلى أمرهم.
أحمد: ولكنه لم يلبث أن مات، أليس كذلك يا جدي؟
الجد: بلى يا احمد، ولكنه قال له قبل أن يموت: أيْ بنيّ.. والله ما أعلم أحداً من الناس على ما نحن عليه، حتى أنصحك بالذهاب إليه، ولكنه قد أظلّك زمان نبيّ مبعوث بدين إبراهيم، يخرج بأرض العرب، مهاجراً إلى أرض بين حرَّتين.
فاطمة: ما معنى الحرّتين يا جدي؟
أحمد: أنا أجيبها إذا سمحتَ يا جدي.
الجد: أجبها يا أحمد.
أحمد: الحرّتان مثنّى حَرّة، والحَرّة هي الأرض ذات الأحجار السُّود.
الجد: أحسنتَ يا أحمد.. واسمعوا بقيّة الحكاية.
قال له ذلك الرجل الصالح: إن ذلك النبيّ العربي سوف يهاجر إلى أرض ذات حرّتين، بينهما نخل، فيه علامات لا تخفى، يأكل الهديّة ولا يأكل الصدقة، بين كتفيه خاتم النبوة، فإن استطعتَ أن تلحق بتلك البلاد فافعل.
مؤثر: خوار بقر وأصوات أغنام.
الراوي: وبعد أن مات ذلك الرجل الصالح، مكث سلمان بعمّورية ما شاء الله أن يمكث، ثم مرَّ به تجار من بني كلب، فقال لهم سلمان: تحملوني إلى أرض العرب، وأعطيكم بقراتي وغنماتي هذه.
الجد: وافق التجار على ما عرض عليهم سلمان، فأعطاهم بقراته وغنماته، وحملوه معهم، حتى إذا صاروا في وادي القرى، ظلموه وباعوه ليهودي.
أحمد: كيف يبيعون رجلاً حراً مثل سلمان؟
الجد: زعموا لليهوديّ أنه عبدٌ من عبيدهم، فباعوه كما يباع العبيد في ذلك الزمان.
فاطمة: لصوص.. مجرمون.
الجد: ورأى سلمان أشجار النخيل، فظنّ أنه في البلد الذي وصفه له أسقف عمّورية، وصار يترقّب ظهور النبيّ العربي، حتى كان يوم قدم فيه ابن عم لذلك اليهودي من يثرب.. يعني من المدينة المنورة، من يهود بني قريظة، فاشترى سليمان من ابن عمه، وأخذه معه إلى يثرب.
الراوي: ولما وصل سلمان إلى يثرب، ورأى حرّتيها ونخيلها، عرف أنها البلد المطلوب، ففرح بالإقامة فيها.
الجد: وبُعث الرسول
الجميع: صلى الله عليه وسلم.
الجد: وأقام في مكة ثلاثة عشر عاماً يدعو الناس إلى الإسلام، وكبراء قريش يصدّون عنه وعن دعوته، ويعذّبون أتباعه.
أحمد: وسلمان الفارسيّ لم يسمع به؟
الجد: نعم.. لم يسمع سلمان ببعثة النبيّ الكريم، فقد كان عبداً مملوكاً لذلك اليهودي الجشع الذي كان يرهقه في العمل.
الراوي: ثم هاجر النبي الكريم إلى يثرب.. واسمعوا ما قاله سلمان الفارسيّ.
الجد: قال سلمان رضي الله تعالى عنه: والله إني لفي رأس نخلة لسيدي اليهوديّ أعمل فيه بعض العمل، وسيدي جالس، إذ أقبل ابن عمّ له، حتى وقف عليه وقال له:
- يا فلان.. قاتل الله أهل يثرب.. والله إنهم الآن مجتمعون في (قُباء) على رجل قدم إليهم من مكة اليوم، يزعم أنه نبيّ.
الراوي: ويتابع سلمان الفارسيّ روايته فيقول:
فلما سمعت هذا الكلام، أخذتني الحمّى، حتى ظننت أني ساقط على سيدي.. فنزلت عن النخلة، وسألت اليهودي:
- ماذا تقول يا رجل؟
فغضب سيدي مني، لتدخُّلي فيما لا يعنيني، ولكمني لكمة شديدة وقال:
- مالك ولهذا أيها العبد الرقيق؟ أقبلْ على عملك.
أحمد: وسكت له سلمان؟
الجد: وماذا يستطيع عبد رقيق أن يفعل مع سيده؟
الراوي: فقال سلمان لسيده اليهودي: لا شيء.. لا شيء.
الجد: كان سلمان يريد أن يتأكد من صحة ما سمع.
الراوي: قال سلمان رضي الله عنه: "وكان عندي شيء قد جمعتُه، فلما أمسيت، أخذتُه، ثم ذهبت به إلى رسول الله.
الجميع: صلى الله عليه وسلم.
الراوي: وكان الرسول في (قُباء) فدخلت عليه، وقلت له:
"لقد بلغني أنك رجل صالح، ومعك أصحاب لك غرباء محتاجون، وهذا شيء كان عندي للصدقة، فرأيتكم أحقَّ به من غيركم".
ثم قرَّبته منه، فقال النبي الكريم لأصحابه: كلوا. وأمسك هو يده فلم يأكل.
الجد: فقال سلمان في نفسه: هذه واحدة.
الراوي: ويتابع سلمان فيقول: ثم انصرفتُ عنه، فجمعتُ شيئاً، وجئت به إلى النبي الكريم.
الجميع: صلى الله عليه وسلم.
الراوي: وقلت له: -والكلام لسلمان- علمتُ أنك لا تأكل الصدقة وهذه هدية أكرمتُك بها.
فمدَّ النبيُّ يده وأكل منها، ثم أمر أصحابه أن يأكلوا معه، فأكلوا جميعاً.. فقلت في نفسي:
"وهذه الثانية".
الجد: وبعد أيام، ذهب سلمان إلى النبي الكريم في البقيع، كان في جنازة أحد أصحابه، وعليه شَملتان.. وفيما كان النبيُّ جالساً في أصحابه، تقدّم منه سلمان، وسلّم عليه، ثم استدار سلمان لينظر إلى ظهر النبي صلى الله عليه وسلم، لعله يرى خاتم النبوّة الذي وصفه له صاحبه أسقف عمورية.
الراوي: قال سلمان رضي الله عنه:
"فلما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد استدبرتُه، عرف أني أريد أن أتثبّت من شيء وُصف لي، فألقى رداءه عن ظهره، فنظرت إلى خاتم النبوّة، وعرفتُه، فأكببتُ عليه أقبّله وأبكي، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"تحوَّلْ" فتحوّلتُ، فقصصتُ عليه حديثي، فسُرَّ رسول الله بما حدثته، وأعجبه أن يسمع ذلك أصحابه..
الجميع: صلى الله عليه وسلم.
أحمد: هل بقي سلمان في الرقّ بعد أن أسلم؟
الجد: بل ساعده النبيّ الكريم وأصحابه الكرام، وحرّروه من الرق.
فاطمة: هنيئاً له، فقد وصل إلى الحقيقة، بعد ذلك البحث المضني.
أحمد: ونال شرف صحبة الرسول القائد.
الجميع: صلى الله عليه وسلم.
أحمد (متابعاً): فهل نال شرف القتال تحت لواء الرسول القائد؟
الجد: لم يقاتل سلمان في غزوتي بدر وأحد، لأنه كان عبداً مملوكاً لذلك اليهودي، ولكنه نال شرف القتال تحت لواء الرسول القائد في سائر الغزوات الأخرى.
مؤثر: أصوات حفر وجلبة وأصوات.
الجد: عندما علم الرسول القائد بمسير قريش والقبائل العربية الكافرة نحو المدينة، للقضاء على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى الإسلام والمسلمين، فيما سُمّي بغزوة الأحزاب، أو غزوة الخندق، استشار الرسول القائد أصحابه فيما يفعل، فأشار عليه سلمان الفارسيّ بحفر الخندق حول المدينة المنورة.
الراوي: قال سلمان الفارسيّ رضي الله عنه:
يا رسول الله. إنّا كنّا بأرض فارس، إذا تخوّفنا الخيل خندقنا عليها، فهل لك، يا رسول الله، أن نُخندق؟
الجد: فأعجب ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعجب المسلمين.
مؤثر: أصوات صهيل خيول ووقع حوافرها.
الجد: عندها ركب رسول الله فرسه، وركب معه خاصة أصحابه من المهاجرين والأنصار، فاختار موضعاً ليحفر الخندق فيه، ثم عاد إلى المدينة، فندب الناس وأخبرهم بدنو عدوّهم.
مؤثر: أصوات حفر.
الراوي: وأمرهم بحفر الخندق.. فصاروا يحفرون مستعجلين، يبادرون قدوم الأعداء عليهم، وكان رسول الله يعمل معهم في الخندق، ووكّل بكل جانب من الخندق قوماً يحفرونه، فالأنصار في جانب، والمهاجرون في جانب.
أحمد: والرسول القائد يحفر معهم؟
الجد: ويحمل التراب..
الحفيدان: الله أكبر.. الله أكبر..
الراوي: كان الشباب ينقلون التراب على رؤوسهم بالمكاتل، وكانوا إذا أفرغوها من التراب، ملؤوها بالحجارة من جبل سلع، وكانوا يصفّون الحجارة كأنها جبال من تمر، وكانت الحجارة سلاحاً فعّالاً لهم، يرمون بها المشركين.
الجد: وكان المسلمون يتنافسون في الحفر ويتسابقون، وإذا رأوا فتوراً من أحدهم، ضحكوا منه.
الراوي: وكان سلمان يعمل عمل عشرة رجال.. جعلوا له خمسة أذرع طولاً، وخمساً في الأرض فما لبث أن فرغ من حفره، وكان يحفر ويقول:
"اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة".
أحمد: فارحم الأنصار والمهاجرة.
الجد: وتنافس الناس في سلمان يومئذ، فقال المهاجرون: سلمان منا. وقال الأنصار: سلمان منا ونحن أحقّ به. لما رأوا من قوّته ومعرفته بحفر الخندق.
الراوي: وبلغ هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
"سلمان رجل من أهل البيت".
الحفيدان: رضي الله عن سلمان وإخوانه.
مؤثر: أصوات الحفر والهمهمات.
أحمد: هل من ذكريات عن حفر الخندق يا جدي؟
الجد: وأيّ ذكريات يا أحفادي.. اسمعوا هذه الحادثة.
أحمد: هاتها يا جدي.
الجد: بينما كان المسلمون يحفرون الخندق، برزت لهم صخرة ضخمة، حاولوا تكسيرها فلم يستطيعوا.. دعوا سلمان القويّ البارع في الحفر والتكسير، فعجز عن كسرها، فطلب سلمان من النبيّ الكريم أن يتركوها، ويتحوّلوا عنها، فابتسم الرسول القائد، وأخذ المعول من سلمان، وضرب به الصخرة ضربة قويّة فصدّعها، وبرقت منها برقة أضاءت ما بين جنبي المدينة، كأنها مصباح في جوف بيت مظلم.
الحفيدان: الله أكبر.. الله أكبر..
الجد: ثم ضربها الرسول القائد ضربة ثانية فصدّعها، وبرق منها برقة أضاءت ما بين جنبي المدينة، حتى لكأنّ مصباحاً يضيء في جوف بيت مظلم، فكبّر الرسول تكبير فتح وكبّر المسلمون.
الحفيدان: الله أكبر.. الله أكبر.
الجد: ثم ضربها الرسول القائد الضربة الثالثة فكسرها، وبرق منها برقة أضاءت ما بين جنبي المدينة، حتى لكأنّ مصباحاً في جوف بيت مظلم، فكبّر الرسول تكبير فتح، وكبّر المسلمون.
الحفيدان: الله أكبر.. الله أكبر..
الراوي: قال سلمان رضي الله عنه:
- سألتُ رسول الله عن ذلك البرق فقال:
- ضربتُ الضربة الأولى، فبرق الذي رأيتم، فأضاءت لي قصور الحيرة، ومدائن كسرى، كأنها أنياب الكلاب، فأخبرني جبريل أنّ أمتي ظاهرة عليها.
الحفيدان: الله أكبر.. الله أكبر.
الراوي: وقال الرسول القائد في تفسير البرقة الثانية:
- ثم ضربتُ ضربتي الثانية، فبرق الذي رأيتم، فأضاءت لي منها القصور الحمر من أرض الروم كأنها أنياب الكلاب، فأخبرني جبريل أنّ أمتي ظاهرة عليها.
الحفيدان: الله أكبر.. الله أكبر..
الراوي: وقال الرسول القائد عن البرقة الثالثة:
- ثم ضربتُ ضربتي الثالثة، فبرق منها الذي رأيتم، فأضاءت لي منها قصور صنعاء كأنها أنياب الكلاب، فأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها.
الحفيدان: الله أكبر.. الله أكبر..
الراوي: ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
الجميع: صلى الله عليه وسلم.
الراوي (متابعاً): فأبشروا يَبْلُغُهم النصر، وأبشروا يبلغهم النصر، وأبشروا يبلغهم النصر.
الحفيدان: الله أكبر.. الله أكبر..
الجد: وقد شدّت هذه البشارات بالنصر من عزائم المسلمين، ورفعت معنوياتهم في تلك الظروف القاسية جداً جداً.
الراوي: قال سلمان رضي الله عنه:
- ثم جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصف لي قصر كسرى في المدائن، كأنه كان يراه أمامه.
الجد: وكان سلمان رضي الله عنه وأرضاه يقول للرسول القائد:
- صدقت.. إنّ هذه صفة القصر، وأشهد أنك رسول الله.
الجميع: صلى الله عليه وسلم.
الراوي: وقال سلمان: ثم قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"هذه فتوح يفتحها الله عليكم بعدي يا سلمان.. لتفتحُنَّ الشام، ويهرب هرقل إلى أقصى مملكته، وتظهرون على الشام، ولا ينازعكم أحد.
ولتفتحُنّ اليمن، ولتفتحنّ هذا المشرق، ويُقتل كسرى، فلا يكون كسرى بعده.
الجد: وصدق رسول الله.
الجميع: صلى الله عليه وسلم.
الجد: فما كان ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى.
الراوي: وقد شاهد سلمان فتح الشام، وفتح اليمن، وفتح العراق، وبلاد فارس، وصار أميراً على المدائن عاصمة كسرى، وقُتل كسرى، ولم يأت من بعده كسرى آخر، وهرب هرقل من بلاد الشام إلى أقصى مملكته وهو يقول: وداعاً يا سوريا، وداعاً لا لقاء بعده.
الحفيدان: الله أكبر.. الله أكبر..
الجد: وقد شارك سلمان في بعض تلك الفتوح.
فاطمة: مثل ماذا يا جدي؟
مؤثر: طبول حرب، وأجواء معركة.
الجد: قال سلمان رضي الله عنه: كنتُ مرة أميراً على جيش من جيوش المسلمين في بلاد فارس، وحاصرنا حصناً من حصونهم، فقال لي أصحابي: ألا ننهد إليهم يا أبا عبد الله؟
فقلت لأصحابي: بلى.. ولكن دعوني أدعهُم كما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوهم.
الراوي: ثم ذهب سلمان إلى أهل الحصن وقال لهم:
"إنما أنا رجل منكم، فارسيّ، ترون العرب يطيعونني، فإن أسلمتم، فلكم مثل الذي لنا، وعليكم مثل الذي علينا، وإن أبيتم إلا دينكم، تركناكم عليه، وتعطوننا الجزية وأنتم صاغرون، وأنتم غير محمودين، وإن أبيتم، نابذناكم على سواء".
فاطمة: لابدّ أنهم استجابوا له!
الجد: لا.. بل قالوا لسلمان: ما نحن بالذين يعطون الجزية.. ولكنّا نقاتلكم.
فقال له أصحابه: ألا ننهد لهم يا أبا عبد الله؟
قال: لا.. يجب أن أدعوهم وأمهلهم ثلاثة أيام، فإذا لم يستجيبوا، نهدنا إليهم، وقاتلناهم.
الراوي: وهكذا كان.. وبعد ثلاثة أيام من الإمهال، قاتلهم سلمان وانتصر عليهم، وفتح الحصن.
أحمد: الله أكبر.. ما أعظم هذا الاتباع للنبيّ القائد!
الجميع: صلى الله عليه وسلم.
فاطمة: هل لجدي سلمان أحاديث شريفة رواها عن النبي يا جدي؟
الجد: طبعاً.. واسمعوا هذا الحديث الرائع.
قال سلمان رضي الله تعالى عنه: قال لي النبيّ صلى الله عليه وسلم:
يا سلمان.. لا تبغضني فتفارقَ دينك.
قلت: يا رسول الله، كيف أبغضك، وبك هدانا الله؟
فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: تبغض العرب فتبغضني.
أحمد: الله أكبر.. الذي يبغض العرب يبغض رسول الله؟
الجد: ومما رواه سلمان رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إن الله خلق، يوم خلق السماوات والأرض، مئة رحمة، كلّ رحمة طِباقَ ما بين السماء والأرض، فجعل منها في الأرض رحمة، فيها تعطف الوالدة على ولدها، والوحشُ والطيرُ بعضُها على بعض، فإذا كان يومُ القيامة، أكملها بهذه الرحمة".
فاطمة: اللهم ارحمنا برحمتك الواسعة يا رحيم.
الراوي: وروى سلمان رضي الله عنه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال:
"إن ربّكم حييّ كريم، يستحيي من عبده أن يرفع إليه يديه فيردّهما صفراً أو خائبتين".
فاطمة: اللهم إنك عفوٌ تحبُ العفو فاعف عني وعن والديّ يا كريم.
أحمد: آمين.
الجد: واسمعوا مسك الختام يا أولادي.
دخل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، على سلمان الفارسيّ في مرض وفاته، فوجده يبكي، فسأله سعد:
- ما يبكيك يا ابا عبد الله، بعد أن علمتَ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفّي وهو راض عنك؟ وتلقى أصحابك، وترد على الحوض؟
الراوي: فقال له سلمان: والله ما أبكي جزعاً من الموت، ولا حرصاً على الدنيا، ولكنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، عهد إلينا عهداً فقال:
"لتكن بُلغة أحدكم من الدنيا مثل زاد الراكب".
وأنت ترى حولي هذه الأساود: الأفاعي والحيّات.
الجد: فنظر سعد حوله، فلم ير إلا برذعة حمار، وفراشاً، ومِطهرة، وكلها لا تساوي عشرين درهماً.
فقال له سعد: يا أبا عبد الله، اعهدْ إلينا عهداً نأخذ به بعدك.
فقال سلمان: يا سعد، اذكر الله عند همّك، وعند حكمك إذا حكمت، وعند بذلك إذا قسمت.
الراوي: ثم قال سلمان لامرأته: ما فعلتِ بالمسك الذي جئنا به من (بَلَنْجَر)؟
قالت: هو ذا.
فقال لها: ألقيه في الماء، ثم اضربي بعضه ببعض، ثم انضحي الماء حول فراشي، فإنه يأتينا الآن قوم ليسوا بإنس ولا جن.
الجد: وفعلت زوجة سلمان ما أمرها، وخرج عُوّاده من عنده، ثم عادوا فوجدوه قد مات، ثم واروا جثمانه الطاهر في مدينة المدائن التي أطلق عليها المسلمون اسم (سلمان باك) على نهر دجلة، قرب مدينة بغداد.
الراوي: وكان ذلك سنة ستٍّ وثلاثين من هجرة سيدنا محمد.
الجميع: صلى الله عليه وسلم.
- الختام -