السكرتير الأمين
من المسرح السياسي (1)
السكرتير الأمين
بقلم الأديب الكبير: علي أحمد باكثير
- 1-
في منزل المسيو تريجفي لي سكرتير هيئة الأمم المتحدة بليك ساكسس.
(يعود السكرتير إلى منزله فتستقبله زوجته لتساعده على خلع معطفه ولكنه لا يلتفت إليها بل يهرول إلى غرفته الخاصة حيث توجد خزانته الحديدية).
الزوجة: (تجري خلفه) ماذا بك يا عزيزي؟ ألا تدعني أخلع معطفك؟
السكرتير: دعيني أولاً أودع ما عندي في الخزانة ثم افعلي ما بدا لك.
الزوجة: (تتضاحك) إن من يراك على هذا الحال يحسب أن لصاً يطاردك ليسرق نقودك.
السكرتير: هذه هي الحقيقة يا عزيزتي فقد كنت أمشي بين الناس والناس جميعاً لصوص!
الزوجة: ليس في جيبك إلا المصروف اليومي فلو جرؤ أحد على اختلاسه ما اختلس شيئاً ذا بال..
السكرتير: (بصوت خافت) كلا بل جئت معي براتب الشهر.
الزوجة: اليوم؟ لم يجئ أول الشهر بعد فكيف قبضت راتبك؟
السكرتير: قد اتفقت معهم على أن يسلموني راتبي قبل أول الشهر بيومين على سبيل الاحتياط لأن النشالين يختارون أول الشهر للقيام بغاراتهم.
(يخرج الأوراق المالية من جيبه ويعدها متوجساً ليودعها في الخزانة).
الزوجة: عجباً لك يا عزيزي.. تحتاط هذا الاحتياط االشديد ثم لا تودع أموالك هذه في أحد البنوك فهي أحرز من هذه الخزانة.
السكرتير: أتريدين يا عزيزتي أن تعرفي كل سر من أسراري؟
الزوجة: ما دام السر لا يتعلق بامرأة أخرى فما يمنعك من إطلاعي عليه؟
السكرتير: فاعلمي أنني أودع راتبي الشهري هنا. أما البنوك فأودع فيها ما يأتيني من وراء ذلك. وهذا من باب الاحتياط أيضاً دفعاً للريبة.
الزوجة: أف لك ! أوقعت في شرك إحداهن؟
السكرتير: ماذا تقولين؟
الزوجة: (متمعّرة الوجه) قد أنذرني قلبي بهذا من قبل!
السكرتير: إني ما فهمت شيئاً مما تقولين.
الزوجة: لا تتجاهل قصدي!
السكرتير: (غاضباً) يا هذه وضّحي لي فإني والله ما فهمت.
الزوجة: بلغني حين قدمت إلى هذه البلاد أن فيها مليونيرات مغرمات بالاتصال بأرباب الشهرة من الرجال ينفقن عليهم من أموالهن!.
السكرتير: يا لغيرة النساء أما تعلمين أنني رجل مشغول من فرقه إلى قدمه فأنى يتسع وقتي لمثل هذه المغامرات السخيفة؟
الزوجة: فقل لي من أين يأتيك "ما وراء ذلك"؟
السكرتير أوثر ألا أثقل قلبك بكتمان هذا السر.
الزوجة: (بلهجة قاطعة) إن لم تخبرني به صدقت ما أنذرني به قلبي.
السكرتير: أواه.. هذا شيء لا يطاق!
الزوجة: لا أعفيك من البيان فما جئت إلى أمريكا لأخسر فيها زوجي!
السكرتير: أقسم لك بأنه لا يأتيني من طريق أمرأة.
الزوجة: فمن طريق رجل؟
السكرتير: نعم.
الزوجة: من هو؟
السكرتير: أواه.. ألا يكفي أن تعرفي أنه رجل فحسب؟
الزوجة: من هو؟ اذكر لي اسمه.
السكرتير: موسيه شرتوك.. أفاطمأننت الآن؟
الزوجة: لا !
السكرتير: عجباً.. ألم تسمعي قط بهذا الاسم؟أتخشين أن يكون صاحبه امرأة؟
الزوجة: بل أخشى أن يكون همزة وصل فإني أعرف هؤلاء اليهود...
السكرتير: هس... اخفضي صوتك.. آه لو علموا أن زوجتي تحمل هذه الروح اللاسامية لقضي على مركزي ومستقبلي!
الزوجة: إنك لا تفكر إلا في مستقبلك.. ومستقبلي أنا!
السكرتير: قد بينت لك الآن أن مستقبلك في أمان.
الزوجة: أتفكر أن هؤلاء اليهود يقدمون...
السكرتير: (مقاطعاً) كلا ولكني لست من أولئك الرجال الذين تفتنهم هذه الأمور التافهة. أنا لا أقيم وزناً إلا للمال. ثم ماذا يدعوني إلى ما ظننت وعندي من جمالك ما يغنيني عن تلك الهنات؟
الزوجة: إنك تخادعني وتداورني بإطراء جمالي عما نحن بصدده!
السكرتير:ما هو هذا الذي نحن بصدده؟
الزوجة: لعلك نسيت أنك حدثتني ذات ليلة أن هذا الرجل كان يقيم لبعض مندوبي الدول سهرات حمراء.
السكرتير: أي بأس في ذلك؟ فهل حدثتك أنني كنت أشهد تلك السهرات؟
الزوجة: ما كنت لتعترف لي بمثل هذا.
السكرتير: مخطئ من يحدث زوجته بما لا يعنيها من أخبار الناس فتتخذه سبباً للاسترابة والتشكك!
الزوجة: هل ندمت الآن على أن وضعت في يدي أدلة اتهامك؟
السكرتير: أي اتهام يا هذه وأية أدلة؟ لقد صدعت رأسي.
الزوجة: كفى دليلاً عليك اتصالك بهذا الرجل!
السكرتير: أؤكد لك اتصالي به في أمور سياسية ومالية ليس غير.
الزوجة: ما يؤمنني ألا يكون شيء آخر وراء ذلك؟
السكرتير: من حسن الحظ يا عزيزتي أن موسيه شرتوك هذا سيزورني هذا المساء ففي وسعك أن تتسمعي لما يدور بيننا من الحديث إن شئت.
الزوجة: إذن فاستقبله في هذه الحجرة حتى أتمكن من سماع حديثكما من حجرة نومي.
السكرتير: (يقفل الخزانة) لك ما تريدين على شرط ألا تبوحي لأحد بما تسمعين من الأسرار... السياسية والمالية طبعاً!
الزوجة: فيم هذا الاشتراط؟ ألا تراني أهلاً لكتمان الأسرار؟
السكرتير: بلى يا عزيزتي ولكن النساء كما يقولون ميالات إلى الثرثرة.. فذكرت هذا الشرط من باب الاحتياط يا عزيزتي.. من باب الاحتياط..
- 2 -
تريجفي لي يستقبل موسيه شرتوك.
السكرتير: أهلاً بك يا سيدي.. لا تؤاخذني إذ لم أستقبلك في حجرة الضيوف فإني آثرت هذه الحجرة الخاصة من باب الاحتياط لئلا يتسرب حديثنا إلى مسمع أحد.
شرتوك: هل في المنزل أحد من الأجانب؟
السكرتير: لا ليس فيه غير زوجتي وأولادي وكان في وسعي أن أستقبلك في حجرة الضيوف ولكني آثرت هذه من باب الاحتياط يا سيدي... من باب الاحتياط فقط.
شرتوك: أشكرك يا مسيو تريجفي لي.
السكرتير: هذه حجرة خاصة لا أستقبل فيها أحداً من الضيوف ولكنك يا سيدي قد أصبحت من أخلص أصدقائي ولم تعد بيننا كلفة.. بل يمكنني أن أعتبرك الآن واحداً من أفراد الأسرة.. إن كان هذا لا يضايقك بالطبع.
شرتوك: هذا لطف كبير منك. وإني باسمي وباسم الوكالة اليهودية وباسم المجمع الصهيوني العام أقدم لك أخلص آيات الشكر والامتنان.
السكرتير: (يتنحنح) لعلك يا سيدي جئتني بشيء معك؟
شرتوك: لا تعجل يا سيدي فلم نتحدث فيما جئت من أجله بعد.
السكرتير: معذرة يا سيدي.. حقاً ليس من اللياقة ولا الكياسة أن أبدأ بهذا ولكن يشفع لي أننا في هذه الحجرة. (مشيراً إلى الخزانة) انظر! إنني قد أنتظر ولكن هذه الملعونة لا تنتظر! (يتضاحك).
شرتوك: أعتقد أنها مدينة لنا بنصيب كبير مما تحتويه وأنها لذلك تثق بنا أكثر مما تثق بغيرنا وأرجو ألا يكون صاحبها أقل ثقة بنا منها!
السكرتير: تأكد يا سيدي أن ثقتي بك لا حد لها. أما هذه فيؤسفني أنك أطريتها أكثر مما ينبغي. فهي لا تثق أبداً إلا بالراتب الشهري الذي تضمنه سبع وخمسون دولة. أما ما وراء ذلك فلا تثق منه إلا بما قد دخل إليها فعلاً. فهل لك يا سيدي أن تطمئننا أولاً؟
شرتوك: قبل أن نتحدث؟
السكرتير: لم لا؟ سيكون لدينا بعد ذلك متسع من الوقت للحديث.. إني قد فرغت نفسي لك الليلة لك وحدك.
شرتوك: حسناً (يخرج ربطة من الأوراق ويسلمها له).
السكرتير: أتسمح لي أن أعدها؟
شرتوك: افعل.
السكرتير: إني واثق بك كل الثقة غير أني سأعدّها من باب الاحتياط.. ومن يدري لعلي أجد فيها زيادة فأردها لك (يعد الأوراق بسرعة ثم يودعها في الخزانة) قليلاً من الثقة يا ملعونة! فقد أحرجتني مع أعز أصدقائي. (يغلقها ثم يعود إلى مجلسه) في وسعك أن تتحدث الآن كما تشاء يا مستر شرتوك؟
شرتوك: يؤسفني أن أصارحك يا مسيو تريجفي لي بأنك لم تصنع لنا حتى الآن شيئاً.
السكرتير: لم أصنع شيئاً؟ أتقول هذا جاداً يا مستر شرتوك؟
شرتوك: كل الجد.. وليس هذا برأيي أنا فحسب بل هو رأي جميع اليهود في العالم.
السكرتير: واقلة حيلتاه! ماذا أستطيع أن أصنع ليرضى عني هذا الشعب الحبيب؟ لقد صنعت كل شيء في سبيلكم حتى ليخيل إلي أحياناً أنني لست سكرتير هيئة الأمم المتحدة وإنما أنا سكرتير الوكالة اليهودية أو سكرتير الجمعية الصهيونية العامة. والله لولا خوفي على مصلحة قضيتكم لجهرت بهذا الرأي على رؤوس الأشهاد وعلى رغم أنوف العرب وإن كانت نقودهم تصل إلى يدي كل شهر!
شرتوك: أيعطونك شيئاً؟
السكرتير: هؤلاء لا يعطون أحداً شيئاً.. إنما أعني نقودهم التي تصلني في راتبي الشهري.
شرتوك: (يبدو عليه الاضطراب) يخيل إلي أنني أسمع حركة..
السكرتير: ماذا بك؟ هل ارتعت لذكر العرب؟ اطمئن يا مستر شرتوك فليس هنا منهم أحد.
شرتوك: كلا.. إني لا أخافهم.. ولكني سمعت حركة هناك..
السكرتير: أين؟
شرتوك: خلف تلك الستائر.
السكرتير: ها.. هناك غرفة نومي.. لا تخف.. تلك كيتي تلعب خلف الباب.
شرتوك: كيتي.. من كيتي؟
السكرتير (يبتسم): قطيطتنا العزيزة.
شرتوك: ظننت أن...
السكرتير: كلا.. كلا هذه حجرتي الخاصة.. ومع ذلك سأرى من باب الاحتياط (ينهض مسرعاً ويدخل خلف الستائر ثم يعود) إنها كيتي كما قلت لك تلعب خلف الباب.. تحدث بملء حريتك فأنت في أمان.
شرتوك: إننا لا نهتم إلا بالنتائج يا مسيو تريجفي لي.. الصفقة لا تهمنا ولكن يهمنا الربح.
السكرتير: فقد ربحنا لكم قرار التقسيم. من كان يحلم بمثل هذا النجاح المنقطع النظير؟ هذا حدث فريد في تاريخ الدبلوماسية الحديثة. ألم تر كيف اتفقت عليه الجبهتان المتضادتان لأول مرة في تاريخ الهيئة؟
شرتوك: هذا راجع إلى قوة حقنا ونصاعة بضاعتنا لا إلى جهد أحد..
السكرتير: لا تدعني يا مستر شرتوك أغير جميل رأيي في ذكائك وحسن إدراكك للأمور (يتنهد) آه.. هكذا الناس دائماً: حينما ينزل ركاب الباخرة إلى الشاطئ ينسون فضل بحارتها (مشيراً بيده إلى نفسه) وفضل ربانها!
شرتوك: إننا لا نريد أن نجحد فضلك ولا فضل أصدقائنا الذين أيدونا في قضيتنا العادلة.. ولكن الباخرة – إذا أذنت لي أن أستعير المثل الذي ضربته الساعة – ماتزال في وسط العباب تهددها الأمواج والعواصف.
السكرتير: غداً تهدأ العواصف وتسكن الأمواج. (يتثاءب ويمسح عينيه كمن يطرد عنهما النوم).
شرتوك: بعد أن تتحطم الباخرة ويغدو ركابها طعماً لكلاب البحر وحيتانه؟
السكرتير: أما أنا فأعتقد أن الباخرة قد وصلت إلى شاطئ الأمان. ولكن لا بأس أن أجاريك على رأيك جدلاً فاعلم إذن أن الباخرة لن تتحطم أبداً ما دام بحارتها من العمالقة المدربين وما دام ربانها –دعني أطر نفسي قليلاً يا مستر شرتوك.. إن الناس لا يعرفون من مقدرتي إلا قليلاً مما أعرف في نفسي- نعم ما دام ربانها العظيم ساهراً عليها.. (يزداد تثاؤبه ويظهر النعاس في عينيه) ما دام ربانها العظيم ساهراً عليها (بصوت متراخ من شدة النعاس) لا تفوته شاردة ولا تأخذه سنة!.
شرتوك: ها هو ذا النعاس في عينيك.. إنك نصف نائم الآن!
السكرتير: (يتثاءب ويمسح النعاس من عينيه) هاه.. هاه.. هذا صحيح.. ولكني الساعة في منزلي ولست في البحر.. أعني أنني لست على ظهر الباخرة.. نعم أنا الآن في منزلي... هذه خزانة أموالي. (يتثاءب) هاه.. هاه.. وتلك زوجتي تلعب خلف الباب –عفواً... تلك كيتي.. كيتي. قطيطتنا العزيزة كما قلت لك آنفاً. (يتثاءب) هاه.. هاه.. ماذا بك يا مستر... يا مستر يا مستر شرتوك.. يا مستر شرتوك.. موسيه شرتوك.. مستحيل أن أنسى هذا الاسم ولو كنت في سبات عميق... ألا تصدقني يا مستر شرتوك؟ أتريد أن أريك إياها؟
شرتوك: (منفعلاً) تريني ماذا؟
السكرتير: كيتي.. قطيطتنا العز.. هاه.. هاه.
شرتوك: (ثائراً محتدماً) ماذا يهمني أنا من قطيطتك الملعونة!
السكرتير: كلا يا مستر.. يا مستر شرتوك لا تلعنها.. العن هذه الخزانة إن شئت. أما كيتي فهي عندي غالية جداً.. دعني أحدثك عنها قليلاً..
شرتوك: كلا.. لا أريد أن أسمع عنها شيئاً.. إنني ما جئت لهذا.
السكرتير: ولكنك لعنتها فلا بد أن تسمع عنها شيئاً لتغير رأيك فيها.
شرتوك: (يتنهد) آه..
السكرتير: إنني حين آوي إلى السرير تجيء كيتي فتلحس رأسي بلسانها حتى أنام ثم تأوي هي إلى جنبي.
شرتوك: (كاظماً غيظه) هه.. ثم ماذا بعد؟
السكرتير: والعجب العجاب أنني وأنا كثير الحركة والتقلب في نومي وهي تنام لصقي لم يحدث مرة قط أنني وقعت عليها فلا أدري والله هل تبيت يقظى طول الليل أم أن لها إحساساً غريباً يقيها الخطر وهي نائمة؟ ما رأيك في تعليل هذه الظاهرة يا مستر.. هاه.. هاه.. يا مستر شرتوك.
شرتوك: (مغيظاً يلوح الخبث في عينيه) أغلب ظني أنها لا تنام على سريرك!
السكرتير: كلا.. إني أجدها دائماً بجانبي حين أستيقظ في الصباح.
شرتوك: (بلهجة التشفي) تلحس رأسك حتى تنام فتبرح سريرك ثم تعود إليه قبل استيقاظك بقليل!
السكرتير: فأين تبيت طوال الليل إذن؟
شرتوك: من يدري لعل قطاً آخر ينتظرها!
السكرتير: قطاً آخر.. ماذا تعني؟
شرتوك: أعني قطاً آخر غير رفيقها الخاص.. أليس لقطتك رفيق خاص؟
السكرتير: بلى إن لها رفيقاً ظريفاً جداً هو قط جيراننا ويدعى جيجو وكثيراً ما يزورها هنا في المنزل.
شرتوك: وأنت في المنزل؟!
السكرتير: نعم.. ما المانع؟ إنه قط ظريف وإذا لم نسمح له بالدخول فستخرج كيتي إليه كما فعلت ذات مرة فغابت عنا أياماً وليالي لم يهنأ لنا فيها نوم لأني تعودت ألا أنام إلا بعد أن تلحس لي راسي.
شرتوك: (متذمراً) قد سمعت عن كيتي ما فيه الكفاية فدعنا نتحدث فيما نحن بصدده.
السكرتير: مازال عندي عن كيتي حديث شائق.. ألا تحب أن تسمعه؟
شرتوك: لا . لا أرب لي في سماع أسرارك العائلية.
السكرتير: أجل.. إنا نعتبر كيتي من العائلة ولكن لا بأس أن أطلعك على أسرارها فما أنت عنا بغريب.
شرتوك: أواه.. دعنا فيما جئت من أجله.
السكرتير: (يتثاءب) حسناً.. هاه.. قل يا مستر شرتوك..
شرتوك: لا حق لك أن تتناعس عند وجودي.
السكرتير: إن كنت تلومني على هذا فأنت ممن لا يحبون لي خدمة القضية الصهيونية.
شرتوك: عجباً أتخدمها بهذا النعاس؟
السكرتير: نعم؟
شرتوك: (غاضباً) أتقول لي هذا بكل صراحة وبكل بساطة؟
السكرتير: نعم إني أحب الصراحلة والبساطة يا مستر شرتوك.. هاه.. هاه..
شرتوك: وبدون خجل؟
السكرتير: لو كنت أخدمكم علناً لربما شعرت بشيء من الخجل ولكني سكرتير هيئة الأمم المتحدة رسمياً وإن كنت سكرتيركم الأمين في الحقيقة والواقع.
شرتوك: (يستشيط غضباً) تخدمنا بالنعاس وتتقاضى منا المال كل حين ثم تدعي أنك سكرتيرنا؟
السكرتير: ها.. قد التبس عليك معنى قولي يا مستر.. هاه.. هاه..
شرتوك: تخدمنا بالنعاس. هذا صريح ليس فيه أي التباس.
السكرتير: إن هذا النعاس الذي تلومني عليه إن هو إلا نتيجة يوم طويل قضيته في خدمتكم وهو كذلك استجمام ضروري ليوم طويل أقضيه في خدمتكم أيضاً. فماذا ترى؟
شرتوك: أردت أن توهمني بأنك تعبت اليوم في خدمتنا.. ماذا عملت اليوم؟
السكرتير: شيئاً كثيراً يا مستر شرتوك.. هاه.. هاه.. اتصلت تلفونياً بالرئيس ترومان وبكل ذي خطر يعمل في مكتبه وأعطيتهم تعليماتي...
شرتوك: بخصوص ماذا؟
السكرتير: بخصوص أمور كثيرة.. تنفيذ التقسيم بالقوة.. إنشاء ميلشيا يهودية.. رفع الحظر عن إرسال الأسلحة إلى يهود فلسطين.. التوكيدات بأن الدول العربية ستخضع للأمر الواقع وبأن المملكة العربية السعودية لن تخل بامتيازات البترول من أجل فلسطين.. هاه..
شرتوك: وماذا أيضاً؟
السكرتير: نجحت اليوم في عقد قران المسز روزفلت نهائياً على شيخكم صهيون! وأنت بالطبع تعرف ما أعني بهذه العبارة.
شرتوك: هذه تميل إلينا من قديم.
السكرتير: الميل شيء والزواج شيء آخر. نعم قد كانت تميل إلى صهيون ولكنها- شأن الأرملة القريبة العهد بوفاة زوجها- كانت تتحشم وتتحرج فما زلت بها حتى أقنعتها بزواج صهيون فهي اليوم زوجته وهو زوجها أمام الله وأمام الناس وأمام التاريخ (يتضاحك) قل لي أليس هذا تعبيراً مجازياً رائعاً يا مستر شرتوك؟
شرتوك: ربما لا ينطبق هذا كثيراً على الواقع.
السكرتير: بل ينطبق على الواقع انطباقاً تاماً وهذ سر قوته وبلاغته أؤكد لك يا مستر شرتوك أنها لولا جلال الذكرى للرئيس الراحل وتعلق الشعب الأمريكي به لسمت نفسها اليوم المسز صهيون!
شرتوك: هل تتوقع أنها ستضاعف نشاطها في خدمتنا عن ذي قبل؟ هذا هو المهم.
السكرتير: هذا يتوقف على مدى ما يناله الزوج الجديد من الحظوة عندها والقبول؟ (يتضاحك) ولا حيلة لنا فيما بين الزوجين يا مستر شرتوك!
شرتوك: وماذا صنعت لنا أيضاً؟
السكرتير: (يتثاءب) هاه.. هاه.. قابلت صديقي ومواطني المندوب النرويجي فاقترحت عليه أن يلقي محاضرة عن أعمالكم الإنشائية في الأرض المقدسة.
شرتوك: وهل قبل؟
السكرتير: نعم وعدني بذلك ولكني وعدته كذلك بأنكم لن تنسوه فأرجو ألا تخلوا أنتم بوعدي.
شرتوك: وماذا أيضاً؟..
السكرتير: ألا يكفيك أن أقوم بهذا كله في يوم واحد؟ ألا تراني أستحق بعد هذا أن أنعم بنوم لذيذ لأنهض مبكراً من الغد فأتصل بأعضاء مجلس الشيوخ واحداً واحداً ؟ أوه.. إنك لشديد الطمع قليل الشكر!
شرتوك: كلا يا مسيو تريجفي لي.. لا يسعني إلا أن أقدم لك شكري وشكر الوكالة اليهودية والجمعية الصهيونية العامة.
السكرتير: هذا جميل منكم ولكن الشكر وحده لا يكفي.. هاه.. هاه..
شرتوك: عندي لك الليلة سهرة حمراء مدهشة.. فهل لك..
السكرتير: (بصوت خافت) هس! لا تسمعك كيتي! (بصوت مرتفع) إنني لا أسهر يا مستر شرتوك إلا في بيتي فإذا شئتم أن تقيموا لي حفلة تكريم فأعطوني نفقات الحفلة وكفى، فذلك أحب إلى قلبي وأجلب لرضاي.. هاه.. هاه..
شرتوك: (ينهض لينصرف) إذن فسأنصرف الآن يا سيدي لننام.
- 3 -
في الهزيع الأخير –السكرتير نائم على سريره- تدخل الزوجة فتنير المصباح وهي مرتاعة؟
الزوجة: (تناديه لتوقظه) لي! لي! قم يا لي! قم!
السكرتير: ماذا تريدين؟ إني الليلة متعب.. دعيني في نومي!
الزوجة: انهض يا رجل! انظر ماذا جرى لخزانتك الحديد!
السكرتير: (يهب من سريره مذعوراً) ما بالها؟ ماذا جرى؟
الزوجة: سمعت هناك حساً وحركة وهمساً كهمس الحديث..
السكرتير: لصوص في المنزل؟ يا للداهية! (يسرع فيقفل باب حجرة النوم عليه وعلى زوجته ثم يقصد جهة التلفون).
الزوجة: ماذا تريد أن تصنع ؟
السكرتير: سأتصل بالبوليس.
الزوجة: لا تفعل.. لا أحد هناك.
السكرتير: هل دخلت الحجرة؟
الزوجة: نعم.
السكرتير: وفتشت خلف الستائر؟
الزوجة: نعم.. لا أحد هناك.
السكرتير: (يتناول مسدسه) هلمي إذن معي.. أريني ماذا هناك!
- 4 -
في الحجرة التي فيها الخزانة الحديد –يقف السكرتير وزوجته أمام الخزانة.
السكرتير: إنك يا عزيزتي لكثيرة الأوهام.
الزوجة: كلا ليس ما سمعته بوهم.
السكرتير: هل تأكدت أن الصوت كان من داخل الخزانة؟
الزوجة: نعم فقد كنت واقفة قريبة منها.
السكرتير: أخشى أن يكون صرصاراً أو جرذاً يتلف لي الأوراق المالية (يفتح الخزانة ويبحث فيها ملياً ويقلب أوراقها) لم أجد شيئاً يا عزيزتي.. لا ريب أن ما سمعته كان وهماً.
الزوجة: كلا بل كان حقيقة .
السكرتير: ناوليني تلك المضخّة.. مضخة الديديتي تلك.
الزوجة: (تناوله المضخة) ماذا تصنع بها؟
السكرتير: (يرش بها على الخزانة) هذا على سبيل الاحتياط وإن كنت لا أعتقد البتة أن صرصاراً أو جرذاً يقدر أن يدخل هذه الخزانة المحكمة!
الزوجة: لم أقل لك إنه صرصار أو جرذ. بل قلت لك إنني سمعت همساً كهمس الحديث.. سمعت كأن أناساً يتحدثون..
السكرتير: (ينظر إليها مستغرباً ثم يقفل الخزانة ويأخذ بيد زوجته) هلمي يا عزيزتي.. لا شك أنك متعبة.. هلمي استريحي الآن.. غداً سأعرضك على الطبيب.
الزوجة: ماذا تعني؟
السكرتير: لاشيء يا عزيزتي.. هلمي.. هلمي.. إلى المخدع لننام.
"ستار"