الحلم بوطن زائف
هذا مصطفى يجلس إلى طاولة مكتب في غرفة أنيقة ,خزانة فخمة خلفه خزانة نضد بها بعض الكتب والأضابير , أما الكرسي الدوار الذي يجلس عليه مصطفى لا يملّ من الحركة في كل الاتجاهات , إلى يمين المكتب يقبع هاتف عجوز بصمت مطبق , وبجانبه تنتصب صورة مصطفى داخل برواز أنيق ولافتة مكتوب عليها ( مكتب الأصدقاء للسياحة والسفر)
مصطفى : ( يتكلم بالهاتف الجوال ) هكذا إذن ..حزمت أمرك ..لا بأس بالتوفيق
أنا ؟ أنا أمانع طبعا ..ولكن أنت حر ..إذا أردت الاستمرار في هذا الطريق فأنا لا أملك لك إلا الدعاء بالتوفيق , لاتنس المبلغ الذي اتفقنا عليه ..أنا في الخدمة .
بدخل شاب في مقتبل العمر , جميل المحيا , أنيق الثياب , يسلم بكل أدب الشاب: السلام عليكم
مصطفى: يردّعليه بإيماءة ,ويشير له بيده إلى الكرسي وهو يتابع حديثه بالجوال الشاب : شكرا ..يجلس بأدب وهدوء
مصطفى : ينهي المكالمة .. أهلا وسهلا ..أهلا وسهلا
الشاب : أهلا بك أخي مصطفى .. أنا محمود..أريد أن أستشيرك بموضوع وأرجو أن تنصحني
مصطفى : حياك الله سيد محمود أنا في الخدمة تفضل
الشاب : أريد أن أسأل عن طريقة ....
يرن الهاتف الجوال .. يلتقطه مصطفى ويضعه غلى أذنه ويقول للشاب :
لو سمحت دقيقه الشاب : لابأس تفضل ..يجول بناظريه قي المكان ابتداء من المكتب فالهاتف العجوز ويتأمل صورة مصطفى ويتوقف عند اللافتة المركونة بجانب الصورة (مكتب الأصدقاء للسياحة والسفر )
مصطفى : على الجوال .. يا هشام .. يا هشام ( وهو اسم المتحدث على الطرف الآخر)
اسمعني فقط .. اسمعني .. أعطني فرصة لأشرح لك ... ليس الموضوع سكن وراتب فحسب ..أنت تغامر بأثمن شيء , وأعز شيء , الأمر ليس فسحة , إذا ذهبت مستحيل أن تعود ستبقى هناك ولا أحد يكترث بك , ثم يقفل الجوال
الشاب: يا أخ مصطفى أريد أن أسألك عن كيفية الهجرة إلى الخارج وطلب اللجوء
هل تستطيع أن تفيدني في هذا الموضوع ؟
مصطفى : يرفع حاجبيه متعجبا نسال عن الهجرة واللجوء !!؟
الشاب :نعم سيدي فأنت تعلم ما نعانيه .. كل يوم فصف .. قتل ... هدم .. لا عمل
لا مورد .. لا أكل ولا شرب
مصطفى : وقد قالوا لك أن هناك في البعيد .. في الغربة .. هناك الجنة بعينها أليس كذلك !؟ الشاب : نعم .. نعم فالوا لي هناك يتوفر الأمن والاستقرار والسكن والمصروف وربما العمل بمردود مريح .. ماذا نفعل هنا غير انتظار الموت !؟
يرن جوال مصطفى .. يقول للشاب : لحظة من فضلك
مصطفى : ألو .. من معي؟ أهلا رامي .. أين أنت با رامي ؟ ماذا حدث لك ؟ .. هل
وصلت ؟
رامي : وكان صوته مسموع بشكل واضح .. يا ليتني يا مصطفى سمعت كلامك
وقبلت نصيحتك ..
مصطفى : خير .. خير .. هل من مشاكل ؟
رامي: الوضع سيء جدا .. حياتنا هنا لا تشبه الحياة ..لا يوجد هنا غير عصر
الروح وخنق القلب .. حياة لا يحتملها حتى الجيوان الأعجم !
لو بقيت في وطني ألوك التراب .. وآكل الحصى .. لكان خيرا لي..
مصطفى : لقد بينت لك , وشرحت , ونصحت .. ماذا أفعل لك سامحك الله
رامي : هل تصدق أننا ننام ونقوم .. نأكل ونشرب مثل الدواب .. لا نحس أننا أحياء
لا نشعر بأننا بشر .. لا نرى من نكلمه .. ولا نفهم ما الذي يجري حولنا (ثم يبكي ) نحن حيوانات في زريبة ..حيوانات في زريبة.. يغلق الجوال
ولا يزال يبكي . مصطفى : لا حول ولا قوة إلا بالله .. لقد نصحته .. لقد بينت له أن لا شيء يغني
..عن الوطن لا شيء يعوض عن إشراقة شمسه .. أو قطرات مائه .. أو
أو هبات نسائمه .. الوطن منبت الروح .. وروضة الفلب ..الوطن مهما
جار لا يفرط بأبنائه..ولا يضيق بهم ..
يرن الجوال من جديد
مصطفى : ألو .. من؟ راجي ؟ ابن أنت با راجي ؟ ألمانيا ؟ وصلت أخيرا ...
مبروك .. ماذا تقول ؟ كل شيء موجود ولا وجود لشيء .. ماذا يعني
ذلك ؟ ماذا ؟ كل الطرق سالكة باتجاه القهر والحزن والعذاب !
راجي: يسمع صوت بكائه من الهاتف.. يا مصطفى هل سمعت بالجحيم ؟.. هنا
الجحيم .. نعيش هنا في جحيم رغم مظهرنا الأنيق ..
مصطفى : أعرف .. والله أعرف ..ألم أبين لك وأنصحك ؟ يفصل الخط
محمود: وقد مل ّمن الانتظار كأنه لم يسمع الحوار من الجوال فلجأ إلى طريقة يحدّث بها مصطفى وقد أخذ يكلم بفسه : يبدو أن مصطفى لا بسمع إلا من
الهاتف .. فما أن أغلق مصطفى هاتفه حتى عاد إلى الرنين
مصطفى : ألو .. من معي ؟ محمود ؟ أهلا يا محمود
محمود : بحدّث مصطفى من الجوال وهو جالس معه يا رجل سألتك أن تنصحني .. فأنا أريد الهجرة إلى الخارج لعلي أحصل على اللجوء.. ما رأيك ؟
مصطفى: يردّعلى محمود دون أن ينتبه أنه جالس معه
يا سيد محمودمن يهاجر ويترك هذا الوطن لا يجد الراحة ولا يبقى له
وطن , يعيش نكرة ويموت نكرة
محمود :معقول با رجل ! عشرات الآلاف هاجروا وحصلوا على حق اللحوء
في الغرب .
مصطفى : كلامك صحيح .. عشرات الآلاف باعوا هذا الوطن بثمن بخس جدا
وتركوه بين أيدي الثعالب والذئاب, تنكروا لهذا الغالي , وخانوا التراب
والهواء والماء...
محمود : تقصد أني إذا هاجرت للغرب فأنا خائن لوطني !!
مصطفى : يامحمود لمن نترك الديار .. لمن نترك البيوت .. لمن نترك هذه الجنات
من يدافع عنها , من يرد ّ كيد الأغداء , الأرض هي العرض أليس كذلك
يا محمود ؟؟
محمود : يبكي ويعلو صوت بكائه .. صدقت .. صدقت أنترك بلدنا وديارنا وأرزاقنا هكذا طائعين .. أنترك الوطن يتيما بين يدي اللئام !!؟ لا والله هذا لا يكون هذا بكون.
وسوم: العدد 653