بطل في جبل الزاوية، قصة المجاهد الكبير إبراهيم هنانو
الفصل الأول
المشهد الأول
(الزمان: الصباح الباكر من اليوم الثاني والعشرين من شهر آذار - مارس عام 1921، المكان: ساحة في وسط قرية (احسم) بجبل الزاوية شمال سورية، من أعمال محافظة حلب آنذاك، يبدو في الطرف الأيسر من المسرح قسم من مسجد القرية، وفي طرفه الأيمن تبدو شجرة تين غليظة الجذع... مجموعة من المجاهدين السوريين بلباسهم الشعبي، وأسلحتهم يجلسون على الأرض، في مواجهتهم القائد (إبراهيم هنانو) واقفاً يقرأ رسالة وصلته للتو من عدوّه الجنرال الفرنسي (غوبو)... على بعد خطوات من إبراهيم هنانو وقف ضابط فرنسي مجرداً من السلاح، بلباسه العسكري، يحرسه اثنان من المجاهدين السوريين).
إبراهيم هنانو: (بصوت مرتفع مخاطباً المجاهدين): هذه رسالة الجنرال (غوبو) أوصلها إلينا الآن هذا الرجل (مشيراً إلى الضابط الفرنسي) الذي ترونه أمامكم، وهو يزعم في رسالته أن هذا الضابط هو مساعده العسكري الأول، وقد أرسله إلينا رهينة على أن نرسل إليه إبراهيم هنانو لإجراء مفاوضات مباشرة بحجة إختصار الجهود وحقن الدماء، والوصول إلى حلٍّ عادل على حدّ قوله يرضي الطرفين المتحاربين.
أحد المجاهدين: نرفض هذا العرض، أنه خديعة خسيسة أنه يريد أن يعتقل أبا طارق بالحيلة.
هنانو: دعونا نتأكد من صحة المعلومات (يتجه إلى الضابط الفرنسي) هل تتكلم العربية؟
الضابط: نأم (أي نعم بلكنة فرنسية).
هنانو: هل أنت المساعد العسكري الأول للجنرال غوبو، كما يقول في رسالته؟
الضابط: نأم مسيو.
هنانو: هل توافق على عرض رئيسك غوبو، وما يترتب عليه من خطر عليك إذا غدر بنا غوبو، وتخلّى عنك؟
الضابط: نأم مسيو.
هنانو (مخاطباً الحارسين): خذوا هذا الرجل إلى بيت الضيافة في آخر القرية، ولا تتركوه، أو تغفلوا عنه حتى ننتهي من هذه القضية.
الحارسان: أمرك أبا طارق.
(يقتادان الضابط، ويخرجان).
***
المشهد الثاني
(المنظر السابق. هنانو مخاطباً جنوده).
هنانو: حياكم الله، يا مجاهدي جبل الزاوية... لقد صدقتم العهد الذي قطعتموه على أنفسكم، بعد أن ضعف غيركم، وتخلى عن المسؤولية.
مجاهد: خيانة صبحي أفندي، لن تؤثر علينا أبا طارق.
هنانو: ها أنتم بقيادة زعيمكم (مصطفى الحاج حسين) تحتضنون الثورة السورية على المستعمرين الفرنسيين بعد أن أوشك علم الثورة أن يهوي.
مصطفى الحاج حسين: علم الثورة لن يهوي بإذن الله، مادمنا على قيد الحياة، يا أبا طارق.
هنانو: ها هو الجنرال غوبو جاءكم عبر مدينة (معرة النعمان) و(سراقب) و(إدلب) يريد غزوكم في عقر داركم بدباباته وطائراته وجيوشه التي خاضت أهوال الحرب العالمية حتى الانتصار.. إني أراكم تمسكون قلوبكم بأيديكم مشفقين من غرور هذا الجنرال الوحشي المتغطرس، وخصوصاً بعد أن كبَّدتموه هزيمةً منكرةً في معركة (كورين)، حيث انكفأت قواته في السفوح الشرقية، تطلب النجاة.
مجاهد: هذا برهان أكيد على أنَّ خيانة صبحي أفندي قائد جناح (إنطاكية) لا تزيدنا إلا قوة وإصراراً على تحرير سورية كلها..
إذا سقط مقرّ الثورة في (كلي) أو في (كفرتخاريم) فإنَّ مقرها الثاني في (إحسم) ما يزالُ عامراً راسخاً بعون الله.. وسوف ترى من رجالك ما يسرك ويرضيك.. الله معنا، يا أبا طارق.. ومن كان الله معه، فلا يخشى العالمين.. أليست هذه كلماتك يا أبا طارق؟!
هنانو: لذلك لا أرى مانعاً من ذهابي لمواجهة المجرم غوبو، والتفاوض معه مباشرة..
مصطفى حسين: يا أبا طارق، نحن جنودك المطيعون، لكننا سوف نعصي أمرك هذه المرة.. لن نسمح لك بمفاوضة غوبو مباشرة، وأنت تحت سيطرة سلاحه المعادي.. كل واحد منا يغني عنك في هذه القضية، ولن ندع غوبو يفرح بنجاح مكيدته.. إنَّ الفرنسيين غدارون كما تعلم، وكما علمتنا أنت.. إنهم لا يقيمون وزناً لأخلاق الفروسية وقوانين الحرب.. نحن لن ننسى غدر الجنرال غورو بأول حكومة سورية، وإن دماء شهداء معركة (ميسلون) لم تجف حتى الآن.. لو كانت للفرنسيين المستمعرين أخلاق لما غزوا بلادنا، وفرضوا استعمارهم علينا..
هنانو (بشيء من اللين): يا أخي مصطفى.. يا أبا الحجي اسمح لي هذه المرة أن أفاوض بنفسي .. إنَّ الحرب، كما تعلم، ليس باروداً ورصاصاً وحسب، هي أيضاً، وقبل كل شيء نفوسٌ تحرك تلك الآلات الجهنمية.. دعني ألقن العلج الفرنسي درساً لن ينساه.
مصطفى حسين: تعلم مدى حبي وثقتي بك، وتعلم أيضاً أهمية دورك في معركتنا الطويلة.. السوريون كلهم لا يعرفون مصطفى الحاج حسين، لكنهم يعرفون أبا طارق، يعرفون إبراهيم هنانو.
هنانو: لا تبالغ يا أبا الحجي، أنا وأنت جنود في معركة واحدة، معركة تحرير سورية العربية المسلمة من نير الاستعمار الفرنسي الغاشم الكافر، وهذا سر شرفنا وشهرتنا أنا وأنت وهؤلاء الأبطال المجاهدين.. ليس هنانو وحده الذي درس في الجامعة، وليس هنانو وحده الذي عمل مدير ناحية ثم قائم مقام، وليس وحده الذي انتخب عضواً في المجلس العمومي بحلب، أو عضواً في المؤتمر السوري بدمشق.. ليس هنانو وحده حمل السلاح في وجه الاستعمار الفرنسي أليس كذلك، يا أبا الحجي؟! قل لي من كان يعرف صبحي أفندي قبل اشتراكه معنا في الثورة، وفي مقاومة الفرنسيين في جبهة إنطاكية، فصار يعرفه القاصي والداني من الجزيرة السورية إلى حوران، إن صيته قد طبق الآفاق داخل سورية وخارجها، وصارت النساء تسمي أولادها باسمه، ثم تعرفون بقية القصة، لما خان أمته وقضيته، وباع نفسه للشيطان، فاستحق لعنة الله تعالى ولعنة الناس أجمعين، كما أصبح نسياً منسياً..
إذا غاب إبراهيم هنانو، ومن يضمن حياته للأبد، فكل واحدٍ منكم، كل مجاهد هو إبراهيم هنانو، وأفضل من إبراهيم هنانو.. أنتم تعلمون حق العلم أنَّ سورية الحبيبة لن تحرر من هذا الكابوس الطاغوتي الأجنبي حتى يصبح كل مواطن سوري مثل إبراهيم هنانو ومصطفى الحاج حسين. معركتنا طويلة وعدونا قوي.. فإذا ماتت ثورتنا بموت رجل مهما كان عظيماً فهذا يعني أن في ثورتنا خللاً، يجب علينا أن نعالجه قبل فوات الأوان.. لما توفي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وجزع لوفاته عمر بن الخطاب رضي الله عنه، هل تعلمون ماذا قال أبو بكر الصديق، رضي الله عنه؟ قال، وما أعظمه من درس: "من كان يعبدُ محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله، فإنَّ الله حيٌ لا يموت".
المجاهدون: الله أكبر، الله أكبر. لا إله إلا الله.
مصطفى حسين: أعترف أنك غلبتني، يا أبا طارق.. أفوض أمري إلى الله.
هنانو: لا أوصيك بولدي طارق، ولا بزوجتي أم طارق، إنما أوصيك بالأمة كلها، وأنت جدير.. أوصيكم جميعاً بتقوى الله العظيم، بالعهود والمواثيق الربانية: النصر أو الشهادة..
المجاهدون: حياك الله يا أبا طارق.. حياك الله أبا طارق.
مصطفى حسين: إذا كان لا بدَّ من ذهابك بنفسك، فمتى تعود إلينا بالسلامة، إن شاء الله؟.
هنانو: أعود إليكم، إن شاء الله، قبل غروب الشمس..
مصطفى حسين (ضرب كفاً بكف): لا حول ولا قوة إلا بالله..
تذَّكر يا أبا طارق الحبيب .. إذا لم ترجع إلينا قبل غروب الشمس، فإننا سوف نقتل الضابط الفرنسي الذي جاء يدعونا لمفاوضة سيده غوبو.
هنانو: وهو كذلك.
***
المشهد الثالث
(الزمان: وقت الضحى. المكان: ساحة وسط قرية (كورين) في جبل الزاوية أيضاً.. في الطرف الأيسر م المسرح دار القيادة الفرنسية يبدو منها غرفتان، بينهما ردهة.. الغرفة التي على اليمين هي غرفة الجنرال ومكتبه، فيها منضدة وبعض المقاعد لها نافذة واسعة تطل على يمين الساحة أو المسرح.. الغرفة التي على اليسار للاستقبال، فيها بعض الكراسي. الردهة مفتوحة على خلفية المسرح، حيث يبدو الجنود الفرنسيون حين يغدون ويروحون وراء الدار.
الجنرال غوبو في غرفة مكتبه مع اثنين من مساعديه ومترجم مغربي ذو ملامح إفريقية: بشرة سمراء داكنة اللون، شعر جعد مفلفل، كلهم باللباس العكسري حسب الرتب. خارج دار القيادة في أقصى يمين المسرح حارس فرنسي شاب مسلح بيده منظار لتقريب الرؤية البعيدة)..
حارس فرنسي مناد (ينادي من وراء المسرح بصوت واضح مسموع): وصل ثلاثة من الثوار الفرنسيين إلى مخفرنا.
الحارس ذو المنظار (بلكنة فرنسية): كرر ما تكول (أي: تقول). المنادي: (من وراء المسرح): وصل ثلاثة من الثوار السوريين إلى مخفرنا.
الحارس (بلكنة فرنسية): وسل ثلاثة من السوار السوريين إلى مهفرنا..
(تظهر حركة استعداد وترتيب في غرفة الجنرال نفسه.. الجنرال يقترب من النافذة ناظراً إلى يمين الساحة). المنادي: كل واحد منهم اسمه محمد.
الحارس: كل واهد منهم اسمه مهمد (بلكنة فرنسية).
المنادي: أحدهما برتبة ضابط كما يبدو..
الحارس (بلكنة فرنسية): أهدهما برتبة تابت كما يبدو.
المنادي: اثنان منهم حارسان لهذا الضابط.
الحارس: اثنان منهم هارسان لهذا التابت.
المنادي: رفضوا تسليم أسلحتهم.
الحارس: رفدوا تسليم أسلهتهم.
المنادي: طلبوا مقابلة الجنرال غوبو.
الحارس: تلبو مكابلة الجنرال غوبو.
المنادي: أنا خائف منهم.
الحارس (بلكنة فرنسية، لنفسه): أليك اللأنة (أي: عليك اللعنة) ماذا يكفيك منهم؟
المترجم (من وراء النافذة): ماذا يقول؟
الحارس: يكول إنه كايف منهم.
المترجم (مبتسماً) إنه يمزح، لا تصدقه.
الحارس: هذا لا يمزه.. هذا كبان (أي: جبان)، أنا أأرفه (أعرفه).
الجنرال يحاور المترجم.. يأمر أحد مساعديه بالتحرك لإرسال من يستقبل الوفد، ويأخذ أسلحتهم). الجنرال بالفرنسية:
المترجم: حين يصلون جردوهم من أسلحتهم.. هذا أمر الجنرال.
الحارس: أمرك جنرال غوبو (يقف وقفة استعداد مع التحية حين نطق بالجواب). هاكد وسل التلاتة.
***
المشهد الرابع
(يدخل إبراهيم هنانو مع اثنين من مرافقيه بأسلحتهم ولباسهم الشعبي، عليهم غبار السفر. ملامحهم جادة صارمة).
هنانو: (مسلماً على الحارس): السلام على من اتبع الهدى.
الحارس: وأليكم السلام.. اسمهوا لنا بأسلهتكم.
(يقترب من المجاهدين الثلاثة من الجنود الفرنسيين لاستلام الأسلحة).
هنانو: هل تخافون من ثلاث بنادق ضمن هذا الجيش العرمرم؟
الحارس: إندنا (أي: عندنا) تأليمات (أي تعليمات) لا مؤاكذة (أي: لا مؤاخذة).
هنانو: خذوا أسلحتنا، لعل جنرالكم يطمئن أكثر.
(ملتفتاً إلى رفيقيه، يشير إليهما بتسليم أسلحتهما، فيسلمان السلاح باشمئزاز).
(ما إن تم تجريد الوفد من السلاح حتى خرج الجنرال غوبو من غرفته مع المترجم ومساعديه، وأقبل على هنانو ومرافقيه يستقبلهم بالترحاب، ويدعوهم لدخول دار القيادة، والمترجم المغربي يترجم كلامه).
الجنرال (بالفرنسية):
المترجم: يقول الجنرال لكم: أهلاً وسهلاً.
الجنرال (بالفرنسية):
المترجم: تفضلوا بالدخول إلى دار القيادة.
(يلتف الجنرال ومرافقوه والوفد المفاوض حول دار القيادة، ويدخلونها من باب الردهة الخلفي، ثم يجلسون في غرفة الاستقبال.. طوال الوقت كان أبو رفعت، أحد مرافقي هنانو منشغلاً بتفرس ملامح المترجم: يتطلع إليه، ينصب إلى كلامه باهتمام، يتساءل بينه وبين نفسه: ألا يعرفه من قبل؟ يبدو ذلك من نظراته وحركات يديه وفمه: دهشة، تساؤل، ابتسام). (فجأة ينسحب الجنرال وأعوانه).
المجاهد أبو رفعت: هل عرفتم المترجم؟
المجاهد أبو طه: لم أعرفه.
أبو رفعت: إنه الجندي المغربي (مصطفى) الذي حذرنا من التفاف زملائه الفرنسيين في معركة (سرجة) من خلفنا، بعد أن رمانا هو وإخوانه الجنود بالحصا، قائلين لنا مشفقين: يا خويا، يا خويا، جوكم (جاءكم) الكفار، انتبهوا جوكم الكفار من خلفكم.
أبو طه: نعم، نعم.. الله! كيف عرفت الجندي مصطفى يا أبا رفعت؟
أبو رفعت (باسماً) أنا أخوك، يا أبا طه (يتصافحان فرحاً).
***
الفصل الثاني
المشهد الأول
(الزمان: بعد العصر. ترى الشمس مائلة من صدر المسرح.
المكان: المنظر في المشهد الأول: ساحة قرية (إحسم) حيث المسجد وشجرة التين. المجاهدون يخرجون من المسجد بعد صلاة العصر).
مصطفى حسين: تأخر أبو طارق يا شباب، فما العمل؟
مجاهد 1: تُرى هل سيكتشف غوبو شخصية أبي طارق، فيلقي القبض عليه؟
مجاهد2: ما أشجعك يا أبا طارق، وما أصبرك!َ كيف تُطيق مواجهة أعدى أعدائك عياناً بهدوء ببال خال وضبط أعصاب فوق العادة.. أنا يسهل علي أن أواجهه بالرصاص.. رصاصة واحدة وتنتهي المسألة.. أما أنا أناقشه.. فأنا لا أطيق، لا أطيق.
مجاهد 3: اذهب وناقش زوجتك، إذا كنت رجلاً.
مجاهد 2 (يضحك): فعلاً، ذكرتني بمناقشاتك لزوجتك.
مجاهد 3 (عابساً): الزم حدودك.
مجاهد 2 (ضاحكاً): لماذا تفرغ من قشة؟ ألست أنت الذي بدأت التحرش.. البادي أظلم.
مجاهد 2: أنا أعتذر إليك.
مجاهد 3: وأنا سامحتك يا أخي من أعماق قلبي (يتعانقان). مصطفى حسين: بارك الله فيكما.. هكذا الأخوة.. المشكلات الصغيرة يجب أن لا تشغلنا بها عن القضايا الكبيرة.
مجاهد3: تقصد أن مطالب الأمة مقدمة على مطالب الزوجة والأولاد.
مصطفى حسين: صدقت. تعلمون أنَّ الله تعالى أنكر وأغلظ على الذين يزعمون أنَّ سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام مثل الإيمان بالله واليوم الآخر والجهاد في سبيل الله، وعقَّب على ذلك قوله: (لا يستوون عند الله) (التوبة: 19). صدق الله العظيم.
المجاهدان: صدق الله العظيم.
مجاهد 2: نعود إلى الأمر الأهم.
مجاهد3: نعم، نعود إلى موضوع تأخر عودة أخينا الكبيرة أبي طارق، وما يترتب على ذلك من مخاطر.
مصطفى حسين: نعم سألتكم: ما العمل؟
مجاهد 2: العمل عندي أن نقتص من الضابط الذي حمل إلينا رسالة الخديعة..
مصطفى حسين: نقتص منه فقط لأنه حمل الرسالة الغادرة؟
مجاهد2: لأنه يعلم مضمونها أولاً، وقبل بالشروط المترتبة على الإخلال بالاتفاق، وهو عودة أبي طارق إلينا سالماً قبل غروب الشمس.. ثانياً: فهو طرفٌ في نقض العهد.
مجاهد 2: الشمس ما غابت حتى الآن. مجاهد3 (ناظراً جهة الشمس): لكنها مالت إلى المغيب.
مصطفى حسين (موجهاً أمره إلى مجاهدين آخرين):
أحضروا الضابط الفرنسي إلى هنا يا شباب.
مجاهد2: هل نناقشه في سبب تأخر أبي طارق.
مجاهد3: طبعاً كما يناقش غوبو أخانا الكبيرة أبا طارق، السن بالسن والعين بالعين.
مجاهد2: ما زال لدينا متسع من الوقت.
مجاهد3: لكن لا بدَّ من تهيئته للحساب.
مصطفى حسين: إن إخواننا المجاهدين بدؤوا يتململون ويتحدثون عن الإهمال والتفريط.
مجاهد 2: لكنك عارضت في ذهاب أبي طارق، ولم تقصر في تحذيره من نتائج إصراره على موقفه في ذهابه هو بالذات.
مصطفى حسين: ليست المشكلة الآن في رأيه أو رأيي..
القرار اتخذ جماعياً، ونفذ قدر الله تعالى ووقع المحذور، فما العمل؟ لا مجال للتلوم الآن أو تقويم ما حصل.. الموقف عصيب، والتحرك الحازم السريع المحكم مطلوب.
مجاهد3: الأمر واضح عندي. أولاً: السن بالسن..
ثانياً: يأتي ترتيب أوضاعنا من جديد بسبب غياب أبي طارق، إن حصل لا سمح الله..
***
المشهد الثاني
(يدخل مجاهدان مسلحان، وهما يجزان الضابط الفرنسي من قيود يديه.. حاسر الرأس.. عمرته العسكرية منحسرة عن مكانها.. شعره مشعث.. بادية عليه علامات الخوف).
الضابط الفرنسي (بلكنة فرنسية): أرجوكم، ارهموني.. أنا رسول.. ما ذنبي إذا كدر (أي: غدر) أسهابي (أصحابي) بأسهابكم؟ ارهموني، أرجوكم.
مجاهد2: يا كافر هيئ نفسك للذبح.. يبدو أنَّ سيدك الجنرال قد تخلى عنك، وغدر برجال وفدنا، وقد اشتركت أنت معه في الغدر وخيانة العهد.. فماذا ترجو؟
مجاهد3: وماذا تنتظر؟
مصطفى حسين: أحضروه إلى هنا (مشيراً إلى شجرة التين).. اربطوه إلى شجرة التين تمهيداً لذبحه.
مجاهد3: تذكر الشرط، يا مسيو (فوندان).. أليس اسمك (فوندان)؟ (يقول له ذلك بسخرية).
الضابط: نأم يا مسيو، يا سيدي، أنا جورج فوندام. الشمس ما غابت.. أسهابكم سوف يؤودون، والله سوف يؤودون سالمين.
مجاهد2: تذكَّر يا مسيو فوندان.. إذا لم يعد رجالنا فسوف نقتلك.
مصطفى حسين: هاتوا الحبال، يا شباب، اربطوه إلى هذه الشجرة. (يبدأ المجاهدان بربطه إلى الشجرة).
الضابط (بلكنة فرنسية): ارهموني.. أنا بريء.. والله أنا بريء.
مجاهد2: أنت تعرف الله، يا كافر؟!
الضابط: والله بريء.
مصطفى حسين: إذا كانت له حاجة من طعام أو شراب، فاطلب ما تريد، لقد نفذ صبرنا.
***
المشهد الثالث
(الزمان: قبل غروب الشمس. المكا: المنظر السابق في قرية (كورين) ساحة القرية ودار القيادة الفرنسية. هنانو ورفيقاه في غرفة الاستقبال ضجرين. الجنرال غوبو ومعاوناه والمترجم في غرفة الجنرال.. ينتقل المترجم من غرفة الجنرال إلى غرفة الاستقبال حاملاً إبريق ماء وأكواباً). المترجم (داخلاً غرفة الاستقبال): السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هنانو ورفيقاه: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
المترجم (يقترب من أبي رفعت، موجهاً كلامه إليه): أنا مصطفى المغربي، هل عرفتني؟
أبو رفعت (مبتسماً): إي والله عرفتك من أول لحظة.. حياك الله أخي مصطفى.
المترجم: وأنا شعرتُ بأنك عرفتني.. الحمد الله على نعمة الإيمان والسلام.
هنانو ورفيقاه: الحمد لله.
المترجم: يا إخوان، بصراحة تأكد لي أن الجنرال قرر أن يغدر بكم.. وهو يرجح أن فيكم المجاهد الكبير هنانو.. وهذه فرصة لا يريد أن يضيعها.. كل ما ادعاه عن تأخر جواب البرقيات التي أرسلها إلى المندوب السامي في دمشق وإلى حكومته في باريس، لا صحة له أبداً.. كذاب ابن كذاب.. لم يتصل بأحد أصلاً.
***
المشهد الرابع
(يبدأ المترجم بسكب الماء في الأكواب لوفد المجاهدين حين يدخل الجنرال معه ومعاوناه).
الجنرال (بالفرنسية مخاطباً هنانو):
المترجم: يا مسيو محمد، ما دمت تتقن اللغة الفرنسية، فماذا تصر على مخاطبتي باللغة العربية؟
هنانو: لكم لغتكم، ولنا لغتنا.
المترجم (مترجماً كلام هنانو إلى الفرنسية):
الجنرال (بالفرنسية):
المترجم: يقول الجنرال: أنا لا أتعصب للغتي الفرنسية ولكنني لا أعرف اللغة العربية حتى أتكلم بها.
هنانو: كان الأولى بك أن تتعلم لغة البلاد التي تزعم نفسك حاكماً لها.
المترجم (بالفرنسية مترجماً كلام هنانو):
الجنرال بالفرنسية:
المترجم: لغتكم صعبة لن أتعلمها.
هنانو: نحن أشد صعوبة من لغتنا.. سنقاتل دفاعاً عن لغتنا، كما ندافع عن ديننا وأوطاننا وأعراضنا.
المترجم (بالفرنسية مترجماً كلام هنانو): الجنرال بالفرنسية:
المترجم: يبدو أنه لا مجال للتفاهم معكم..
هنانو: بل أنتم قطعتم كل سبيل للتفاهم.. بدأتم بلغة السلاح والقوة، واستعمرتم بلادنا، ونهبتم خيراتنا، وهتكتم أعراضنا، واعتديتم على مقدساتنا، فماذا تريد أن نقول لك؟ وأكثر من ذلك تريدنا أن نتخلى عن لغتنا العربية!
المترجم:
الجنرال (بالفرنسية):
هنانو (يسبق المترجم، ويرد على الجنرال مغامراً): أنت فاهم جداً يا مسيو غوبو، وأعيد عليك ما قلناه مراراً.
نريد شيئاً واحداً فقط: اخرجوا من بلادنا كما خرج الألمان من بلادكم.
المترجم (باللغة الفرنسية يترجم كلام إبراهيم هنانو):
(يتظاهر غوبو بالغضب، فيخرج من غرفة الاستقبال، فيلحق به مرافقوه).
***
المشهد الخامس
(الحارس ذو المنظار يتكلم بالفرنسية وبالإشارات القلقة المضطربة.. الجنرال يتطلع من النافذة قلقاً.. يخرج من غرفته ويدخل إليها أكثر من مرة.. يعطي الأوامر، يوزع المهمات السريعة. حركات الجنود الفرنسيين تتسارع قلقة مضطربة غدواً ورواحاً في مقدمة المسرح وفي خلفيته. إبراهيم هنانو ومرافقاه تبدو عليهما علامات الفرح والاطمئنان. يدخل المترجم المغربي غرفة الاستقبال). المترجم: السلام عليكم.
المجاهدون: وعليكم السلام.
المترجم: أبشركم.. المجاهدون زحفوا بجموع غفيرة مقبلة من أعلى التل المقابل بكثافة غير معهودة من قبل. يقدر المخفر الأمامي عددهم بخمسين ألف مجاهد.
أبو رفعت: الله أكبر.. الله أكبر.
أبو طه: اقترب الفرج.
هنانو: هكذا حال المعتدين.. لا يفهمون إلا لغة القوة.
***
المشهد السادس
(يدخل الجنرال غرفة الاستقبال بنفسه مضطرباً).. الجنرال (مخاطباً المجاهدين بلين، بالفرنسية:
المترجم: أعتذر لكم عن التأخير غير المقصود، تعلمون أن البتَّ بالقضايا المطروحة ليس من صلاحيتي، مثل الجلاء عن سورية، وإعطاء الاستقلال.. يا مسيو هنانو، هذه قضايا كبيرة كبيرة جداً..
هنانو (محتجاً بصوت قوي غاضب): لماذا دعوتنا إذن؟
المترجم (مترجماً كلام هنانو إلى الفرنسية):
الجنرال بالفرنسية:
المترجم: عفواً، دعوتكم لكي تتعاونوا مع حليفنا المجاهد (صبحي أفندي).
هنانو: هذا ليس مجاهداً.. هذا خائن عميل.
المترجم (بالفرنسية، مترجماً كلام هنانو):
الجنرال (بالفرنسية):
المترجم: مسيو محمد.. كل المطلوب منكم أن تتعاونوا مع صبحي أفندي في نشر الأمن، واسترضاء بقية أنصاركم، وإقامة حكومة للدول السورية.
هنانو: هل هذه الدعوة الذليلة من مبادئ الثورة الفرنسية، يا مسيو غوبو؟! علم أننا لن نلقي السلاح ما دام في عروقنا عرقٌ ينبض، وفي بلادنا حجر يقاوم.. لا تحاول مرة أخرى أن تخدعنا. واعلم أن صبحي أفندي لم يعد يمثل أحداً إلا نفسه.. إنه مرتد خائن. ومن يتولكم منا فهو منكم.. ردوا إلينا أسلحتنا بسرعة.. هيا يا رجال.
المترجم (بالفرنسية مترجماً كلام هنانو، بينما يخرج هنانو ورفيقاه، ويسلكون الطريق الذي جاؤوا منه ويأمر الجنرال رجاله بإعادة الأسلحة للوفد). ***
المشهد السابع
(الجنرال وأعوانه جالسون ذاهلين. الحارس يتابع ويصف بصوت عالٍ حركة الوفد المفاوض من المجاهدين.. المترجم يتابع ترجمة كلامه). الحارس ذو المنظار: الآن هَبت التوار الثلاثة نهو المكفر (أي: المخفر) التالت.. ها هم الآن يشدون أتراك (أطراف) تيابهم (ثيابهم) لتأجيل (لتعجيل) المشي، وتجنب التأثر (تجنب التعثر) بالسكور (الصخور) والأهراش الجبلية (الأحراش الجبلية). وسلوا (وصلوا) الآن إلى مهفرنا الثاني.
المترجم (يترجم كلام الحارس ذي المنظار بصوت مهموس لا نرى منه على المسرح إلا الحركات والإشارات). الجنرال بالفرنسية:
المترجم (منادياً الحارس): يقول الجنرال: يا حارس لا تشغل نفسك الآن بحركة الثوار الثلاثة.. انقل لنا معلومات عن الجيش القادم من على التل المقابل.
الحارس (مكرراً المترجم بصوت مسموع): يكول الجنرال: يا هارس، لا تشأل نفسك الآن بهركة التوار الثلاثة.. انكل لنا مألومات أن الكيش الكادم من ألى التل المكابل...
المنادي (مكرراً كلام الحاررس من وراء المسرح بصوت مسموع).
(أصوات متتابعة تكرر الكلام السابق بشكل واضح في البداية، ثم بأشكال مختلطة من وراء المسرح).
المنادي (من وراء المسرح بصوت مسموع): بلغوا سيادة الجنرال أن الجيش المعادي الذي أثار في زحفه عجاجة الغبار الكثيفة مثل السحاب.. قد هبط التل، وأن السحابة الطويلة العريضة اقتربت من وسط السهل المجاور لجيشنا.
الحارس (مكرراً كلام المنادي بصوت مسموع): بلئوا سيادة الجنرال أن الكيش المؤادي الذي أتار في زهفه أكاكة الهبار الكثيفة مثل السهاب.. كد هبتت من التل، وأن السهابة التويلة الأريدة اكتربت من وست السهل المكاور لكيشنا.
المترجم (مترجماً كلام الحارس للجنرال.. تلاحظ الحركات والإشارة المعبرة لا غير).
الجنرال بالفرنسية:
المترجم (مخاطباً الحارس): يقول الجنرال اسأل المخفر الأمامي لجيشنا عن تقديره لعدد أفراد الجيش المهاجم بدقة، ونوع الأسلحة التي يحملها أفراده.
الحارس (بلكنة فرنسية مخاطباً المنادي): يكول الكنرال: اسأل مهفرنا الأمامي أن تكديره لأدد أفراد الكيش المهاكم بدكة ونوء الأسلهة التي يهملها أفراده.. (يؤدي التحية، ويقف وقفة استعداد) (نسمع صوت المنادي ثم سلسلة من المنادين والحراس ثم تتلاشى أصواتهم ببطء من وراء المسرح). المنادي (بعد انتهاء تبليغ أمر الجنرال السابق، ينادي موصلاً معلومات جديدة من المخفر الفرنسي الأمامي): بلغوا سيادة الجنرال غوبو أن غمامة الغبار الكثيف قد مرَّت قريباً من مخفرنا الأمامي، واتضح أنها ليست جيشاً محارباً.. إنها مجموعة قطعان الأبقار والدواب والأغنام العائدة من المراعي إلى قراها.. فإذا كان الجنرال يرغب أن نحصي أعدادها، فإنه صار بإمكاننا أن نحصي أعدادها وتنفيذ رغبته..
الحارس (مكرراً كلام المنادي بلكنة فرنسية): بلهوا سيادة الكنرال غوبو أن أمامة الهبار الكتيف كد مرت كريباً من مهفرنا الأمامي، وأتدة أنها ليست كيشاً مهارباً.. إنها مكموآت كتآن الأبكار والتواب والأهنام الآئدة من المرائي إلى كراها.. فإذا كان الكنرال يرأب أن نهسي أأدادها، فإنه سار بإمكاننا أن نهسي أأدادها وأن ننفذ رأبته.
المترجم (يترجم للجنرال كلام الحارس، لا ترى إلى الحركات والإشارات المعبرة عن ذلك). الجنرال (ينهض من مكانه غاضباً مزمجراً) (بالفرنسية): المترجم (مخاطباً الحارس): اطلب من رجال جيشنا أن يعتقلوا رجال الوفد الثلاثة قبل أن يخرجوا من نطاق جيشنا..
الحارس: أمرٌ من سيادة الجنرال غوبو إلى ركال مهفرنا الأمامي، وإلى كل ركال المهافر الفرنسية الأهرى (الأخرى) التنفيذ فوري: ألكوا الكبد (ألقوا القبض) ألى (على) التوار السوريين التلاتة كبل أن يهركوا (يخرجوا من نتاك (نطاق) الهملة (الحملة الفرنسية. هول (حول). آكل كداً (عاجل جداً).
المنادي (مكرراً كلام الحارس بصوت مسموع من وراء المسرح) (أصوات وراء المسرح تتعالى مكررة كلام المنادي والحارس والمترجم والجنرال).
المنادي (بعد تبليغه أمر الجنرال السابق ينقل معلومات جديدة بصوت مسموع من وراء المسرح): بلغوا سيادة الجنرال أن أمره قد وصل متأخراً، وأن رجال الحملة آسفون لعجزهم عن تنفيذ هذا الأمر.. وقد أفاد رجالنا في المخفر الأمامي الأول أنَّ الثوار السوريين الثلاثة قد خرجوا من نطاق الجيش الفرنسي منذ خمس دقائق، وأصبحوا خارج مرمى الأسلحة الفرنسية بسبب هبوط الظلام، ووعورة الأرض وكثرة الأشجار المثمرة.. حول...
الحارس (مكرراً كلام المنادي بلكنة فرنسية): بلهوا سيادة الكنرال أن أمره كد وسل متأهراً، وأن ركال الهملة آسفون لأجزهم أن تنفيذ هذا الأمر، وكد أفاد رجالنا في المهفر الأمامي الأول أنَّ التوار السوريين التلاتة كد هرجوا من نتاك الكيش الفرنسي منسو همس تكائك، وأسبهوا هارج مرمى الأسلحة الفرنسية بسبب هبوت الزلام، ووؤورة الأرد، وكترة الأشكال المتمرة.. هول..
المترجم (مترجماً كلام الحارس، لا ترى إلا الحركات والإشارات المعبرة.. الجنرال يتخبط في مشيه وحركاته ضارباً كفاً بكف)..
صوت جهوري (من وراء المسرح يتلو بشكل مجوّد قوله تعالى):
﴿إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (38) أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِير﴾ (الحج: 38 – 39).
وسوم: العدد 755