سؤال وجواب
6- ما هو رأيكم في الربيع العربي، وما آل إليه، وتجربة الإسلاميين (سواء في مصر، أو تونس، أو السودان) في حكم الدولة الحديثة ؟
* الربيع العربي هو انتفاضة الشعوب ضد نُظُم الجور والتبعية والاستبداد والفساد، وتطلعٌ نحو الاستقلال والعدل والديمقراطية ..
ولقد انتكست هذه الانتفاضة، وعادت السلطة إلى أسوأ مما كانت عليه قبل هذه الانتفاضة، وتحقق قول الدكتور عبد الرزاق السنهوري باشا [1313- 1391 هـ / 1895- 1971م] الذي صاغه شِعراً عندما انتكس التوجه الديمقراطي في مصر عام 1954م قائلاً :
وكنا كمَن يخشى الصُّداعَ، فعندما *** أصيبَ به، داوَوْهُ بالسرطان !
ولقد تحالفت على الردة عن انتفاضة الربيع العربي قوى دولية وإقليمية عديدة :
- فالإمبريالية الأمريكية حذرت من هذه الانتفاضة، على لسان السيناتور الأمريكي "جون ماكين" [1936- 2018م] عندنا زار مصر في 2011م فقال : "إن الحدث الذي يحدث في مصر الآن هو الأخطر منذ سقوط الدولة العثمانية، وستكون له تداعيات محلية وعالمية"،
- والدولة الصهيونية رأت أن نجاح الربيع العربي سيؤدي إلى "قيام بحيرة إسلامية تغرق فيها إسرائيل"،
- والدول الخليجية النفطية، وهي مَحْميات أمريكية، رأت فيها الخطر على النُّظُم الرجعية التقليدية،
- ودولة ولاية الفقيه الفارسية رأت في الربيع العربي دعماً للمحور السني الذي يجمع دول الربيع العربي مع تركيا (المتوجهة شرقاً)،
- وأجهزة الدول العميقة (دول التبعية والاستبداد والفساد) التي قامت فيها هذه الانتفاضات، رأت فيها طَيَّ صفحة احتكارها للسلطة التي تكرست منذ عقود وعقود،
فتحالف الجميع على صُنع الردة على هذه الانتفاضة للربيع العربي.
* أما "الخطأ الأكبر" الذي وقع فيه الإسلاميون، وخاصةً بمصر، فهو "طموحهم المتعجل في السلطة العليا"، جاهلين الواقع المليء بـ "العسكرة" لكل ميادين الدولة والمجتمع .. ولو أدركوا حقيقة هذه "الألغام" التي تكرست على امتداد أكثر من نصف قرن لظلوا "حركة إصلاحية" تعمل - بالتدريج- على تطهير الأرض من هذه "الألغام" حتى يَحِينَ حينُ قطاف ثمرات الإصلاح في السلطة العليا للمجتمع .. لقد غفلوا عن الحكمة التي صاغتها الحركة الإصلاحية بقيادة الإمام محمد عبده، والتي تقول : "التربية قبل السياسة، والأمة قبل الدولة".
إن غفلة الإسلاميين عن "التدرج" في الإصلاح، وعن "ترتيب الأولويات" في الإصلاح، هو أهم أسباب الإخفاق الذي جاء بـ "السرطان" بديلاً عن "الصداع" !
وما لم يتعلم الإسلاميون، الذين نَجَوْا وحدهم من تجريف العسكر للفكر والسياسة والثقافة، من هذا الدرس القاسي، فسيظل الفشل محدقاً بهم - والعياذ بالله- .
(د. محمد عمارة - مارس 2019م)
وسوم: العدد 816