فيروز حميد رشك: أبسط قصائدي هي أجملها عندي
تعتبر رشك قلمها بمثابة صدى لهموم الناس
نشأت في بيت دافئ مهتم بالأدب والثقافة ومشجع لكل موهبة تبحث عن جمال في اللغة والشعر والأدب، وبعد أن هيأت روحها وفكرها ثقافيًا، أطلقت العنان لقلمها ووظفته في خدمة الناس، تتطرقت إلى واقعهم من آلام وأفراح، ولجراحات الأرض والوطن من الدمار والحرمان. ورغم أنها متمكنة في اللغة العربية وكتبت بعض قصائد عميقة إلا أنها غيرت مسار القلم وابتعدت عن الغموض الشعري وتتبع الأسلوب السهل الممتنع اعتقادًا منها أنه الأسلوب الأقرب إلى قلب القارئ، إنها تكتب ما تعيشه حالياً فما أكثر من مشاهد النزوح والتهجير والقتل ... على مساحة وطنها!
هي من قرية تسمى "توبو" وقد ترعرعت بين حقولها، تعرفها كل الدروب المؤدية إليها والخارجة منها، تعشق أشجارها وأطفالها وعجائزها وأبارها. درست في مدرستها الطينية، وتقول كان معلمها الأول فيها والدها ثم أستاذها الثاني الكاتب إبراهيم اليوسف اللذان تركا بصمتهما في تفاصيل شخصيتها لتكون شاعرتنا (...).
انتقلت إلى مدينه الحسكة في سن الثانية عشرة، درست مراحل دراستها فيها حتى حصلت على شهادة إعداد المدرسين قسم اللغة العربية عام 1993، ومنذ ذلك التاريخ تعمل كمدرسة اللغة العربية في مدارس الحسكة، وأم لِخمسة أولاد. ولا تزال متشبثة ببيتها وتراب مسقط رأسها رغم الظروف الحرب القاسية هناك.
كتبت ونشرت أشعارها منذ سن الثامنة عشر باللغتين في مجلات وجرائد كُردية وعربية، وتنشر الآن في مواقع عديدة منها: واحة الفكر Mêrga raman وولاتي مه... وصحف مثل كُردستان وبوير وقلم جديد...إلخ
مطبوعاتها: مجموعة شعرية عام 2014 بعنوان "اشتاقك في هديل احتراقي" ـ مشاركة في كتاب مشترك بعنوان "بارين أيقونة الزيتون". مخطوطاتها: ـ مجموعة شعرية بعنوان "عشر رسائل وغيمه" ـ مجموعة شعرية بعنوان "خذ بيد قلبي " ـ مجموعة قصصية بعنوان "حكاية آخر الربيع" ـ مجموعة شعرية بالكُردية.
فيروز حميد رشك شاعرة كُردية من مواليد 1973 قرية "توبو" بريف مدينة عامودا التابعة لمحافظة الحسكة ـ سوريا
نص الحوار ...
في بداية الحوار، تستذكر تاريخ فيروز الإنسانة بطريقتها وباقتضاب فتقول:
ـ وأنا أدق باب الحياة تألم قلب أمي المسكين كثيرًا حين نهرها جدي الكُردي لقدومي اللامرغوب فيه، وتألم أكثر حين خدعها أبي ولم يؤذن لي كباقي صغار القرية بل نبه قلبي لقصائد الريح والماء الكثير الذي تحتاجه أنثى لإخماد حرائقها.
الآن، أتألم أكثر من أمي فالقصائد كالبلاد الجميلة تبقى مغتصبه. ربما هذه الأسطر هي هوية كل فتاة كُردية تكتب، وهي فيروز ابنة تلك القرية القابعة في حضن عامودا المدينة المناضلة. أعشق هذه الأرض ولأنني كُرديه أعشق مثلها أبنائي الخمسة، أعتز بالخط البياني لحياتي.
ترعرعت في بيئة مناسبة للشعر والأدب ولذلك تجاوزت المعوقات التي صادفتها في بداية مسيرتها:
ـ عالم الشعر كان جزءً هامًا في بيتنا حيث، كان أبي مدرسًا للغة العربية وكان مهتمًا بالأدب الكُردي والعربي فأينما كنت تنتقل في زوايا بيتنا الدافئ ترى كتابًا شعريًا أو رواية عالمية، كان أبي يشجعنا على الكتابة والقراءة، وفي سن الثامنة عشرة بدأت القصيدة تنضج عندي وبدأ أبي وأستاذي إبراهيم يوسف بنشر قصائدي في مجلات وجرائد كُردية وعربية مثل مواسم والحوار وسعاد الصباح. وطبعا لكل بداية صعوبات عانيت منها لكنني وبفضل أبي تجاوزتها.
تنبهها هموم الناس للبدء بمشروع القصيدة:
ـ نوبة ملهمة قريبة من الواقع لا من الجنون هي التي توقظني وتنبهني إلى ضرورة كتابة الشعر فأنا واقعية في كتاباتي أكثر ما أكون مجنونة، ألمس الواقع واكتبه فالشجرة قصيدة والدمعة وابتسامة الطفل كل هذا يجعل قلمي مطيعًا.
أبسط قصائدي هي أجملها عندي....
رغم تمكنها في اللغة العربية لكنها تفضل أسلوب السهل الممتنع القريب من واقع القارئ كما تعتقد:
ـ أنا مُدرسة لغة عربية ومتمكنة من الكلمات الجزلة منها والقوية لكنني كثيرًا ما لا احتاج إليها ولا أحب اللغز في القصيدة أحب الصورة القريبة من واقع القارئ التي تشعره بأنني أقصده الآن أو ربما قبل عشرون سنه فالأسلوب السهل السلس هو الأقرب إلى القلب وليس تصفيف الكلمات رغم إنني كتبت قصائد فلسفية وعميقة لكن أبسط قصائدي هي أجملها عندي.
تعتبر رشك قلمها بمثابة صدى لهموم الناس:
ـ ربما هناك دور للخيال في موضوع بعض القصائد عندي ولكن أكثرها واقعية فأنا أتنفس القصيدة من الواقع ألمسها ثم أكتبها، وفي سنوات الحرب التي عشتها كأي أم كُردية عانت التهجير والخوف على أبناءها من الأخطار كتبت ما عشت ولا أزال حتى ظهر ذلك في صوري وبناء نصي.
تصف إحساسها عند ولادة القصيدة والديوان على الشكل التالي:
ـ الانتهاء من كتابة قصيدة هو حالة رائعة لأنه إنجاز. شعور جميل بولادة شيء ما من الأعماق، شيئًا دفينًا يشرحك أما ولادة ديوان شعري هو بالنسبة لي ولادة طفل وزيادة في عدد أبنائي الأعزاء.
قرأت وتقرأ لهؤلاء الأدباء:
ـ قرأت وأنا صغيرة لـ رياض صالح الحسين الشاعر السوري الذي ترك بصمته على روحي وكتاباتي كذلك قرأت لـ محمود درويش في سن مبكرة ولـ إبراهيم يوسف وكتاب عالميين، مؤخرًا قرأت روايات لـ باولو كويلو وكلما أعطتني الحياة فرصة أقرأ وأشعر بالسعادة حين أقرأ لذا لا أحرم نفسي من أي فرصة لتغذية روحي، وأنا قبل هذا الحوار معك كنت أقرأ رواية عتبة الألم لـ حسن سامي يوسف.
معاني عناوين دواوينها ومخطوطاتها:
ـ لدي مجموعة شعرية مطبوعة عام 2014 بعنوان "اشتاقك في هديل احتراقي" عنوانها مستلهم من حالة عشتها وهي هجرة ولدي البكر وأخي الصغير فكان عنوان المجموعة حالة أم تعاني بعد ولدها وأخاها بسبب ظروف الحرب وما تحدثه هذه الحالة من أشواق تبقى متقدة حتى اللقاء.
أما المخطوطان الشعريان فالأول بعنوان "عشر رسائل وغيمه" وهو مجموعة شعرية فيها قصائد على شكل رسائل وقصائد للحب والحرب. والمجموعة الثالثة بعنوان "خذ بيد قلبي "ربما يشرح هذا العنوان حاجة النفس الإنسانية إلى سند في زمن الحرب المر، ومجموعتي القصصية بعنوان "حكاية آخر الربيع" فيها قصص واقعية للمجتمع الكُردي وحياة الأنثى فيه ...
قريبًا، مجموعة شعرية باللغة الكُردية:
ـ أنا كُردية وأعتز بكرديتي ولغتي الأم ولكن بحكم الثقافة العربية التي كانت سائدة فقد درسنا بالعربية وثم كتبنا بها لكنني أعتز بلغتي ولي قصائد بالكُردية ستكون قريبًا في مجموعة وسأكون فخورة بولادتها جدًا.
..................................
على الصعيد الكُردي والشخصي...
تصف الحالة الثقافية في المناطق الكُردية وسوريا عمومًا بالطبيعية لما للحرب آثار سلبية جمة:
- المسألة برمتها لا يمكننا اعتبارها خيار وفقوس فالمشهد برمته ضبابي، بل مشوه في بعض جوانبه، وهنا لا يمكنني الجزم حول الحالة الثقافية في روج آفا كُردستان ـ شمال شرق سوريا وسوريا عموماً، وسط هذا الخراب والدمار، ناهيك عن المعاناة والقهر اليومي الذي يواجهه السوري، والحالة الثقافية والأدبية تتأثر بهذا المشهد بمختلف أشكاله ووجوهه.
برأيي مهما كانت نوعية المشاركات في أي نشاط أدبي وثقافي هابطاً أو متدنياً، أراها حالة ربما طبيعية، إذا قرأنا المشهد والحالة والعوامل التي أثرت عليهما. لعل أهمها هجرة الكثير من المبدعين، وكذلك امتناع البعض في الانخراط بالمشهد، هنا يبدأ المتسلقين بإبراز عضلاتهم الثقافية.
إذن، حين نقرأ الحالة علينا قراءتها من جوانبها كي يكون تشخيصنا منصفاً.
عن تعدد الاتحادات الأدبية في المشهد الكُردي السوري وما يمكن أن تقدمه للكاتب أو العكس، أجابت قائلةً:
- بتأكيد ليست حالة صحية، حالة تشرذم والتشتت التي تعاني منه الوسط الأدبي والثقافي وبالأخص في مناطقنا/ روج آفا كُردستان ـ شمال شرق سوريا.
مع الأسف الانقسام السياسي في الشارع وفي الحركة السياسية الكُردية، انعكست على الحالة الثقافية وأطرها التنظيمية.
وطالما هذه الاتحادات والأطر تنقسم بين طرفي الانقسام السياسي، فلا يمكن أن تقدم للكاتب أو الأديب أي شيء ولا يمكن للأديب والكاتب تقديم مشروعه الإبداعي كما ينبغي، وتالياً يبقى المجهود الفردي هو الأكثر نجاحاً في إيصال رسالة الكاتب لقرائه.
تدافع عن دور المثقف الكُردي بشدة فيما يخص محنة الكورد الطويلة:
- أؤكد وأجزم أن المثقف الكُردي تطرق إلى الجرح الكُردي بكثافة. الكاتب والمثقف الكُردي يحمل موروث ثقافي متراكم منذ مئات السنين، هذا الموروث بإضاءاته التاريخية ووجعه وجرحه الذي لازمه منذ ولادة بواكير وعيه، وأصبح هذا الجرح أكثر وطأة في مائة السنة الأخيرة، حيث انفتاح الأفق أمام وعيه السياسي وأدراكه مدى الظلم الذي لُحق بالشعب الكُردي.
لذا أتمنى عدم حمل المسؤولية للكاتب والمثقف أكثر من طاقته، فهو عانى مثله مثل هذا الشعب، بل أن تضحيته لا تقل عن مَن قاتل في ساحات المعارك وخوض الحروب في صراع مستدام دفاعاً عن الذات والهوية.
الشاعرة فيروز رشك لا تزال في الداخل السوري متشبثة بالأرض والوطن، لديها أمل بغد أفضل رغم المخاطر وعمليات التهجير والنزوح:
- نعم، بقيت في الداخل متشبثة بأرضي وشعبي، وهذا نابع من قناعاتي، تجاوزنا ظروف ومعاناة قد نستغرب بـذات يوم كيف تحملنا كل ذلك؟ لكن أؤكد "ما زلنا نحتفظ بذواتنا وقادرين على الصمود حيث تأقلمنا"
مثلي مثل هذا الشعب الصامد، أتفاعل مع الحالة الشعبية، مع أم الشهيد وهي تزف فلذة كبدها إلى مثواه الأخير.
نعم زادت وتيرة تشبثنا بأرضنا وبتماسكنا الشعبي بعد الاحتلال التركي ومرتزقته لعفرين وسري كانيي/ رأس العين وكرى سبي/ تل أبيض، واندفاعنا لنجدة النازحين الذين هجروا من بيوتهم وتركوا ممتلكاتهم، بسبب أطماع السلطان التركي أردوغان واستبداده، لكن، يبقى الأمل قائماً بأننا سنعود يوماً ما كما كنا.
الوطن بالنسبة لها: الوطن ليس بطاقة شخصية ندسها في حقيبتنا الكتفية، هو الانتماء، الهوية، الذات والآخر. الحب بمعانيه السامية ودلالاته الإنسانية.
أحلامها: أحلامي قائمة طالما أحمل في ذاتي مشروعي الشعري، ودائماً القصيدة في حالة مخاض عندي. وحلمي هو أن تتوقف هذه المحرقة في وطني.
في الختام، أحب أن أشكر شخصك الكريم على هذه الفرصة الجميلة وأشكرك على كافة جهودك المبذولة في طريق الأدب، وأقول لك لأنك شاعر
لذا سنقول معًا نحن نكتب فنحن لن نموت.
نهاية الحوار
وسوم: العدد 865