مروة مصطفى
رائدة فكرة الكتاب الزاجل
السيد إبراهيم أحمد
بعيدًا عن أعين الجهات الثقافية التي تحاول التواصل مع الشباب فتخفق كثيرًا، وتنجح قليلاً، قامت شابة من مدينة السويس بجمهورية مصر العربية بابتكار فكرة لإثراء الحركة الثقافية بين أبناء جيلها المهتم بالقراءة، فأطلقت مبادرتها الثقافية تلك التي رعتها بالفكر والتطبيق، نظريًا وعمليًا، تحت اسم: "الكتاب الزاجل".
** حيث أنك غير معروفة من قبل من خلال تفاعليات ثقافية سابقة، وهذه هيَّ المرة الأولى لكِ، فنحب أن تقدمي نفسك لأولئك الذين يحبون أن يعرفون من أنتِ؟
ــــ أولاً أشكرك وافر الشكر أن أتحتَ لي هذا الحوار لأطل على من عرفوني من خلال تلك التفاعلية الثقافية، وممن لم يعرفوني: أنا مروة مصطفى، خريجة قسم الجغرافية عام 2009، مواطنة مصرية تسكن مدينة السويس المعروفة بالصمود قديمًا وحديثًا، وأبلغ من العمر 26 عامًا ومتزوجة حديثًا ولي طفل أضاف لحياتي مذاقًا جديدًا ومختلفًا.
** في سؤال يبدو تقليديًا ولكنه ضروريًا وتوثيقيًا واستقصائيًا: كيف نبتت الفكرة في رأسك، وكيف وقعتِ على هذا الاسم الجذاب الذي يشكل تواصلاً مع التراث؟
ــــ مثل كثير من أبناء جيلي، كانت القراءة هي هوايتنا الأولى، وكذلك هواية أخي وأختي التي عرفنا من خلالها قصص المغامرات إلى الحد الذي كان يدفعنا لاقتطاع جزء معقول من مصروفنا وندخره من أجل شراء تلك القصص وغيرها التي كانت تصدر في سلاسل أسبوعية وشهرية.
من المعروف أن ليس كل من يتخرج مهما كان تقديره يجد الوظيفة التي تناسبه في انتظاره إلا قليلاً، وهكذا وقفتٌ في طابور المنتظرين حتى أحاطني الفراغ من كل جانب، فبحثت في أعماقي عن هوايتي التي انصرفت عنها نوعًا ما بسبب واجبات أسرتي الصغيرة، ونظرًا لندرة وجود المكتبات العامة بمدينتي اللهم إلا أكشاك الجرائد والمجلات، وتلك لا توفر الكتب المنوعة والنوعية التي أنتظرها مما كنت أنتظر معه إقامة معرض الكتاب السنوي بالقاهرة حتى أستطيع الحصول على ما أريده من كتب، ومن هنا نبتت في رأسي الفكرة في شكل سؤال ظل يراودني مرارًا: لماذا لا توجد آلية لتبادل الكتب بين الناس وخاصةً من أبناء جيلي من هم في مثل عمري أو أكبر أو أصغر، وأعتقد أن كل من سيشارك سيُفيد ويستفيد بتحريك هذه الكتب الراكدة والمنسية في بيوتنا. أما الاسم فقد اقترحه أحد الأصدقاء؛ إذ تخيل أن الكتب مثل الحمام الزاجل تطير حاملةً رسالة هامة لكل فرد من الذين يقرأون.
** كيف استقبل الشباب الفكرة وتعاطى معها؟
ــــ كان استقبالهم أكثر من رائع، غلبت الدهشة على ترحابهم بالفكرة لبساطتها ومن كونها تنطلق خارج دائرة حسابات الأرباح والنفعية والمصالح الشخصية.
** نفتقد في مجتمعنا العربي عملية "فريق العمل"، فهل تتفضل مروة مصطفى لتدلنا على من تعاون معها من العائلة والأصدقاء؟ أم أن الجهد كله كان فرديًا محضًا؟
ـــ نعم، نحن نفتقد العمل الجماعي، لكن في حالتي تلك كان أول من ساندني رفيق روحي زوجي الحبيب، ثم انضم باقي أفراد العائلة، وكذلك كثير من الأصدقاء المقربين.
** ماهيَّ المراحل التي مرت بمبادرة "الكتاب الزاجل" حتى وصلت لشكلها الأخير؟
ــ ظهرت تلك المبادرة إلى النور عندما أشركني أحد الأصدقاء في جروب اسمه (تكعيبة) موجود على صفحة التواصل الاجتماعي، ودارت نقاشاتنا حول تعميم تلك التفاعلية حتى تغطي مصر كلها.
** عبر اتصالك بقطاع كبير من أبناء وبنات جيلك ممن يتصلون بمشروعك الثقافي، هل تستطيعين أن تصنفي لنا النوعيات الثقافية التى تلقى نهمًا منهم، وتلك التي يحجمون عنها؟
ـــ للأسف حتى القراءة دخلت عالمنا مثل الموضة في الأزياء؛ فقد انتشر بشدة الإقبال على الروايات وخاصة تلك التي تحمل اتجاهًا صوفيًا، مثل: (قواعد العشق الأربعون) للكاتبة التركية الأصل الفرنسية المولد "إليف شافاك" أو "شافاق"، وهيَّ مترجمة للعربية واحتلت مكانة متميزة في قائمة الكتب الأكثر مبيعًا في مصر خلال الفترة الأخيرة، يليه في الاهتمام روايات الرعب، ثم يأتي بعد ذلك الاهتمام بالروايات التي تحمل الشك في معظم أوراقها وغالبًا ما تكون نهايتها مفتوحة فتجد الشباب يعترض على الرواية وكاتبها، أو تكون نهاية بعضها غير مقنعة بشكلٍ كاف، أما ما يحجم عنه الشباب في الآونة الأخيرة ــ للأسف ــ الكتب الثقافية ومنها الدينية وبخاصة تلك التي يحمل بعضها أفكارًا مليئة بالتعصب أو التطرف أو المفاهيم المغلوطة، وليست كلها.
** هل تواصلت معكِ أي جهة ثقافية من أجل تنمية المشروع؟
ـــ لم تهتم ولم تتواصل معنا ولا جهة ثقافية، مع أن الفكرة تحتاج إلى الدعم والتطوير والتمويل، ولكن لكونها غير ربحية فبالتالي هيَّ غير مجدية ومجزية وغير مغرية لهم، مع كونها مربحة فكريًا بالنسبة للشباب، ولكن يبدو أن هذا لايهم تلك الجهات.
** وبالعكس ألم تسعى مروة مصطفى لتلك الجهات؟ وفي حالة الإجابة بالنفي لما لم تفعلي؟
ــ لم أسعَ في الواقع، وذلك مخافة أن تحاول تلك الجهات بسط سلطانها على تلك المبادرة، أو تحاول مد سيطرتها على عقولنا وتوجيهنا إلى ما تنتهجه من سياسات، ولهذا فقد فضلتُ أنا وكل الأصدقاء بالتكعيبة الاعتماد على ذواتنا حتى لا نفقد استقلال وذاتية مبادرتنا.
** لماذا لا تبحث مروة مصطفى عن "سبونسر" أي ممول من المهتمين بالثقافة من خارج الجهات الحكومية وإن تكن جمعية أو حزب للإنفاق على المشروع؟ ولماذا؟
ـــ المبادرة مُحلِقةٌ في السماء، لا أريد أن أجعلها قالب في يد جمعية أو حزب، لأن كل تجمع يحمل فكره وعرض مختلف في كل محافظة قمنا بزيارتها، وأيضًا لنفس الأسباب التي قلتها سابقًا من الاستقلالية والبعد عن الهيمنة.
** متى تسللت بعض موجات اليأس إلى نفسك من أن هذه الفكرة سيكون مصيرها الوأد والفشل؟
ــــ تأتي تلك الموجات دائمًا قبل كل تجمع، وذلك نابع من طبيعة شخصيتي التي تتسم بالتردد والقلق الدائمين، لكن عندما أرى إقبال الشباب على التفاعلية تطير تلك الموجات من رأسي تمامًا.
** نفتقد في بعض أفكارنا ومبادراتنا غير العمل الجماعي، النظام المؤسسي، ونميل إلى ربط الفكرة بالشخص، فهل فكرت مروة مصطفي أن تُكسِب مشروعها نكهة المؤسساتية؟
ــــ مازالت الفكرة وليدة، وأتمنى أن تكبر ويكون لها مجلس للأعضاء المؤسسين، وأعضاء غيرهم يتقدمون من خلال الانتخابات، حتى نستطيع تكوين مجلس إدارة يتولى مهامها، وهذا ما ينفي تمامًا شخصنة الفكرة، أو أن تكون مرتبطة بي، المهم عندي أن تنجح الفكرة وتنتشر.
ولهذا فأحلامي لاتتوقف عند هذه الفكرة فقط بل تمتد إلى أن أفتتح مكتبة للاستعارة، وأقيم بها ندوات للشعراء والروائيين والمثقفين من مختلف الأجيال، وكذلك أحلم بأن ألحق بتلك المكتبة مطبعة تساهم في نشر إنتاج الأدباء الشباب بسعر رمزي ليباع بسعر رمزي أيضًا. تلك أحلامي التي أسعى إلى تحقيقها مهما امتد بي العمر.
** تموت المشاريع الناجحة والمبادرات الطيبة والأفكار الجميلة، إذا لم تمتد إليها يد التطوير، فما هيَّ آليات التحديث والتطوير التي تكمن في وعي وفكر صاحبة الفكرة مروة مصطفى لتنقذ مبادرتها من مهاوي الهلاك، وموجات النسيان؟
ـــ ما ذكرته سابقًا يدخل ضمن آليات التحديث والتطوير، إلى عزمنا وكل إرادة أعضاء جروب التكعيبة إلى محاولة التواجد في جميع محافظات مصر، وتعمل كل جماعة تتبنى الفكرة في كل محافظة على بث روح التجديد والابتكار فيها، وكما قلت سابقًا سأعمل جاهدة ولو وقفت وحدي من أجل استمرارها، ليس من أجل مجد شخصي أو مادي ولكن من أجل بناء العقول التي ستبني الوطن، فبذلك أساهم بفكرتي في بناء الوطن.
** كلمة أخيرة تخاطب بها مروة مصطفى الشباب الذي يحجم عن التواصل بكم، والجهات التي لم تسمع بكم، أو سمعت ونفضت يدها منكم؟
ــــ أخاطب الشباب: عليكم بالقراءة فهي الحل والعلاج لكل ما نحن فيه أو معظمه، وأقول لتلك الجهات: سوف ننجح، لأن العصر الذي نعيش فيه يختلف عن عصركم وعقولكم التي كل همها فقط الربح والبعد عن الخسارة، مدوا أيديكم فأنتم أحوج إلى الشباب وربما أكثر مما هو محتاج إليكم، فهم القادم.. الآتي.. هم مستقبل مصر.