رافع علم التحرير والكرامة
رافع علم التحرير والكرامة
إبراهيم خليل إبراهيم
علم الدولة هو رمزها وشعارها المقدس وبه تعرف بين الدول ويعد علم جمهورية مصر العربية أقدم أعلام المعمورة بل كان الأساس لفكرة أعلام الدول الأخرى .
وفي حرب السادس من أكتوبر 1973 مـ اهتز الوجدان المصري والعربي وتحركت القلوب والمشاعر خلال مشاهدة الصورة التاريخية لأول مجموعة مصرية تعبر قناة السويس وتقتحم خط بارليف الحصين وترفع علم مصر الحبيبة على أول نقطة تم تحريرها وهذه الصورة واللقطة التاريخية مازالت حتي يومنا هذا تدخل السرور والفرحة والفخر علي قلوب المصريين والأمة العربية .. ومن هذا المنطلق نقدم البطل الذي نال شرف رفع أول علم مصري يوم العبور العظيم وقتل 30 من الإسرائيليين في دقائق معدودة .. انه البطل محمد محمد عبد السلام العباسي المولود في الحادي والعشرين من شهر فبراير عام 1947 بمدينة اشتهرت بالنخيل وكانت القوافل التي تمر بمصر أثناء قدومها من الشام محملة بالطوب لبناء مسجد قايتباي بالقاهرة تستريح لبعض الوقت تحت ظلال نخيلها ومن أشجار النخيل اشتهرت نخلتان بقرنيهما ومن هنا جاء اسمها .. إنها مدينة ( القرين ) بمحافظة الشرقية .. كما حرصت القوافل علي بناء مسجد بها أطلق عليه أيضا مسجد قايتباي .. و بالإضافة لشهرة المدينة اشتهرت أيضا بمواقفها الوطنية ضد المعسكر الأجنبي بالتل الكبير أبان الاحتلال وكذلك أثناء العدوان الثلاثي علي مصر ، فقد كان الأهالي يهاجمون معسكرات العدو ويعودون بالأسلحة والعتاد ويسلمونها للسلطات المصرية .. وشاهد ( محمد ) كل هذه المواقف فشرب الوطنية ، وعندما ألحقه والده بالكتاب حرص علي تعلم القراءة والكتابة وحفظ القرآن الكريم ثم حصل علي الشهادة الابتدائية من مدرسة القرين ثم حصل علي الشهادة الإعدادية واكتفى بهذا القدر من التعليم واتجه إلى التجارة ورزقه الله من المحل التجاري الذي يديره رزقا كثيرا .
وعند بلوغه سن 16 سنة تم زفافه وفرحت به الأسرة لأنه اكبر الذكور حيث كان له أخ يصغره وأختان تكبرانه .. ومرت الشهور ورزقه الله بمولود اسماه ( جلال ) وقبل نكسة 1967 بقليل تم استدعاء ( محمد محمد عبد السلام العباسي ) للتجنيد وبالفعل التحق بالخدمة العسكرية في الأول من شهر يونيو عام 1967 وفي بداية عام 1968 انتقل إلى الإسماعيلية وخضع مع زملائه من الجنود المصرية للتدريبات العسكرية في سلاح المشاة ، وشارك في معارك الاستنزاف والتي قال عنها الضابط الهندي الكولونيل نارايان في كتابه( الحرب الإسرائيلية العربية الرابعة :
لقد بدأت حرب الاستنزاف بقصف نيراني مستمر من المدفعية المصرية ضد المواقع الإسرائيلية علي طول مواجهة القناة ، ولم يكن في مقدور المدفعية الإسرائيلية أن تسكت المدفعية المصرية فاضطرت إلي القيام بتوجيه ضربات جوية في يوليو عام 1969 ضد مرابض نيران المدفعية المصرية ، ولكن هذه الضربات لم تنجح في التقليل من تأثير المدفعية المصرية ، ولذلك قررت إسرائيل شن حرب استنزاف ضد مصر بالقيام بغارات علي بعض الأراضي المصرية ، لقد أثبتت حرب الاستنزاف للمصريين أن المثابرة والعزيمة هما الضمان الرئيسي للنجاح كما اكتسبت القوات المصرية خبرة في مواجهة الغارات الجوية الإسرائيلية والتكتيكات البرية .
يقول اللواء الدكتور محمد أسامة عبد العزيز :
في يوم التاسع من مارس عام 1969 استشهد الفريق اول عبد المنعم رياض في يوم لا ينساه الشعب المصري وفي فترة تميزت بالإعداد والتجهيز ليوم الثأر ففي صباح ذلك اليوم كنت قائدا لموقع جزيرة الفرسان شرق الإسماعيلية والتي تشرف علي بحيرة التمساح وجزء من السويس في مواجهة المعبر رقم 6 وحيث النقطة الحصينة للعدو في المواجهة ، وأبلغت بزيارة الفريق أول عبد المنعم رياض رئيس هيئة أركان حرب القوات المسلحة المصرية وبصحبته اللواء عدلي سمير قائد الجيش واللواء عبد المنعم خليل نائبه .. وعندما وصل الفريق أول عبد المنعم رياض اخذ يسألني عن أفراد الموقع وروحهم المعنوية ومستوى التدريب والاستعداد للرد علي العدو والاشتباك معه .. وقد كان حوارا عسكريا ومعنويا برغم صغر رتبته وقتئذ ، وفي الساعة الحادية عشرة والنصف من صباح ذلك اليوم غادر الفريق أول عبد المنعم رياض جزيرة الفرسان وبعد ساعة تم احد الاشتباكات التي اعتدى عليها الجنود مع العدو وقبل زوال شمس التاسع من مارس عام 1969 كان الخبر الحزين باستشهاد الفريق أول عبد المنعم رياض وإصابة اللواء عدلي قائد الجيش بعد قصف العدو المباشر والغير المباشر لسيارات القيادة في أثناء تفقده للوحدة المجاورة .
جعل يوم التاسع من شهر مارس من كل عام عيدا للشهيد تكريما للفريق أول عبد المنعم رياض وللشهداء الأبرار .
وتأثر البطل محمد العباسي عندما علم باستشهاد الفريق أول عبد المنعم رياض وزاد إصراره على الأخذ بالثأر من العدو الذي قام بضرب مدرسة بحر البقر ومصنع الحديد والصلب بـ (أبو زعبل) .
وبالفعل قام البطل محمد العباسي مع زملائه بزرع الألغام وراء خطوط القوات الإسرائيلية .
شاهد أيضا الاستفزازات التي كان يقوم بها بعض الجنود الإسرائيليين ، فقد كانوا يعلقون لافتات تحمل عبارات غير لائقة ، ويجلسوا علي شاطئ قناة السويس مع الفتيات الإسرائيليات في أوضاع مخلة بالآداب والأخلاقيات ، وذات يوم قال ليعقوب -الجندي الإسرائيلي - أثناء وقوفه على الضفة الأخرى لقناة السويس : يا يعقوب مش هتمشوا من هنا بقى ؟
فقال يعقوب : يا محمد مش هنمشي من هون حتي لو جبتوا محمد بتاعكوا ؟! ويقصد بذلك خير البرية صلي الله عليه وسلم .
فاستشاط غيظا و قرر البطل محمد العباسي مع زميله محمد القصاص إحضار بعض الإسرائيليين كأسرى ، و بالفعل تم اقتناص احد الإسرائيليين وتم أسره ، ومنح البطل محمد العباسي مكافأة قدرها 50 جنيها ، ثم قامت مجموعة مصرية أخري بأسر 4 من جنود القوات الإسرائيلية بالإضافة إلى تدمير 4 ناقلات و 2 دبابة ، وفي تلك العملية أصيب البطل محمد العباسي في رجله اليسرى وتم نقله إلى المستشفى ثم عاد لموقعه وواصل التدريبات العسكرية انتظارا ليوم الكرامة .
وجاء يوم الجمعة الموافق الخامس من شهر أكتوبر 1973 - التاسع من رمضان 1393 هـ في الصباح تلقي البطل و زملائه الأوامر بالإفطار ، ودارت خطبة الجمعة حول المعارك التي خاضها الجيش الإسلامي خلال شهر رمضان المبارك علي مدار التاريخ ، و مكانة الشهيد في الإسلام ، وبعد الخطبة صلى الجنود على علم جمهورية مصر العربية .
وفي صباح السادس من أكتوبر 1973 - العاشر من رمضان 1393 بدأت عمليات التمويه ، وفي ساعة الصفر بدأ الجنود في عبور قناة السويس وكان البطل محمد العباسي في طليعة القوات العابرة ، و فرح كثيرا عندما شاهد الطيران المصري عائدا بعد أن دك المطارات الإسرائيلية فنظر البطل إلى السماء فشاهد (الله اكبر) مكتوبة بخطوط السحب فهلل مع الجنود ( الله اكبر ) وكانت صيحة العبور .
أسرع البطل نحو دشمة من دشم خط بارليف و لم يعبأ بالألغام والأسلاك الشائكة التي مزقت ملابسه ، وبمجرد وصوله للدشمة فتح نيران سلاحه علي جنود العدو فقتل 30 إسرائيليا ثم القي قنبلة من خلال فتحة الدشمة فسمع صراخ الإسرائيليين وكأنها زغاريد فرح ، وتم اسر 21 جنديا إسرائيليا ، ثم صعد إلى قمة الدشمة ومزق العلم الإسرائيلي ورفع مكانه العلم المصري معلنا تحرير أول نقطة بالقنطرة شرق ودخوله التاريخ من أوسع وأشرف وأنبل الأبواب لأنه بذلك يعد أول مصري يرفع العلم المصري يوم العبور العظيم على أول نقطة تم تحريرها يوم العبور العظيم .
بعد الاستيلاء على خط بارليف أصاب قادة إسرائيل الخوف والفزع والدهشة فقال حاييم بارليف :( من قال أن هناك خطا يسمى خط بارليف ) ؟
وبكت جولدا مائير أثناء مكالمة هاتفية مع الرئيس الأمريكى نيكسون وطلبت منه إنقاذ إسرائيل .. وعلى الفور أرسل إليها مايقرب من 22500 طنا من الأسلحة الذكية من صواريخ موجهه ضد الطائرات وقنابل تليفزيونية وعنقودية .
وبعد وقف إطلاق النار تم السماح للبطل (محمد العباسى) بزيارة أهله وبالفعل زار أهله ثانى عيد الفطر ومكث ساعات بعد أن استقبلته القرين بالحب والفخر والاعتزاز ثم عاد ثانية إلى الجبهة .
ورزق البطل (محمد العباسى) بمولود أطلق عليه اسم (نصر) اعتزازا وافتخارا بنصر أكتوبر الخالد .
بعد تأدية الخدمة العسكرية عاد البطل إلى القرين التى خرجت عن بكرة أبيها واستقبلت ابنها وابن مصر البطل (محمد العباسى) وبعد مدة قليلة تم تعيينه بالوحدة الصحية بالقرين .
ابتهاجا واحتفالا بنصر أكتوبر قام الحاج حسن فهيم خطاب احد أبناء محافظة الجيزة بإهداء فيلا رائعة بالهرم إلى وزارة الحربية لتهديها بدورها إلى أول من قام برفع علم مصر يوم العبور العظيم .. فقامت الوزارة بإهداء الفيلا إلى البطل (محمد العباسى) فى حفل كبير حضره لفيف من القيادات الرسمية والشعبية .. وأثناء الاحتفال طلب الحاج حسن فهيم من البطل محمد العباسى تسجيل اسمه كابن من أبناء محافظة الجيزة فقال البطل : أنا ابن مصر كلها .
كما تم تكريم البطل من قبل قريته واللواء ( فؤاد عزيز غالى) قائد الجيش الثانى الميدانى كما كرمته جامعة الزقازيق.
ويحرص البطل ( محمد العباسى ) على الجلوس مع أولاده (جلال .. نصر .. هيام .. أمال) وأحفاده ليقص عليهم قصص البطولة
وأثناء جلوسنا مع البطل (محمد العباسى) أثناء أجراء محاورة لاحظت حفظه للقرآن الكريم وعندما تتحدث معه تشعر كأنك تتحدث مع أستاذ جامعى .