مع بهيجة مصري إدلبي
الشاعرة الأديبة السورية
بهيجة مصري إدلبي لأخبار الثقافة:
للخطاب الروائي أسرار تختلف عن الخطاب الشعري
بهيجة مصري إدلبي
شاعرة متفردة، وأديبة تتميز بالعطاء والبحث عن مكانة تليق باسمها في سماء الأدب.. لها العديد من الإصدارات وكذلك نصيب من الجوائز الأدبية. حضورها مميز، وصوتها الأدبي لا بد أنه يحمل من العمق ومن الجمال الكثير.. في هذا الحوار الحصري مع "أخبار الثقافة" حاولنا الاقتراب منها أكثر، فكان هذا اللقاء..
أخبار الثقافة: كيف تكتب القصيدة شاعرا؟
بهيجة إدلبي: أنا والقصيدة للغياهب ننتمي
أنا في دماها وهي تسكن في دمي
نسعى إلينا من مواجد عشقنا
سعي المريد إلى النداء الملهم
أسلمتها نفسي لتكشف سرها
فتفيض بوحا من غياب معتم
أنا والقصيدة بيننا ما بيننا
روحان منذوران للكون الظمي
القصيدة تعرف الطريق إلى الشاعر/ المبدع كما يعرف النهر الطريق إلى العذوبة وكما تدرك الريح أين تسوق سحابها، لأن العلاقة بين القصيدة والشاعر علاقة وجود والوجود هنا كنه السؤال الإبداعي وكنه المسافة بين القصيدة والشاعر. لذلك عندما تكون القصيدة تأويلا لقلق الشاعر وأسئلته الغامضة والكامنة في عمقه الإنساني لن تخطئ السبيل إليه
أخبار الثقافة: وكيف يصنع الشاعر قصيدة؟
بهيجة إدلبي: بين القصيدة والشاعر ما صنع الغيب ، لذلك فالشاعر لا يصنعها وإنما تهتدي إليه كما يهتدي إليها ، وفي لحظة اللقاء بينهما على حافة الوجد المطلق تتجلى القصيدة في الرؤى وتنهض رؤيا الشاعر في القصيدة . وعطفا على السؤال السابق تصبح العلاقة بين الشاعر وقصيدته (الشاعر/المبدع والقصيدة/المشرقة ) كعلاقة الكائن بظله، كعلاقة الكلمة بالفكرة علاقة الطفل بالفطرة فكل يهتدي للآخر بالفطرة التي تنهض من روح الخلق فيه.
أخبار الثقافة: هل ثمة مكان للشعر في زمن القنابل الموقوتة؟
بهيجة إدلبي: كما أن الطبيعة تجدد ذاتها، رغم كل أشكال الموت وأدواته عبر العصور، كذلك الشعر يخصب الوجود الإنساني، لأنه مصل مضاد للموت، فهو سؤال الكائن عن خلوده، ينهض من لحظات الموت ليحيا كما ينهض من كل لحظات الحياة ليصنع خلوده، وينهض من خلوده سرا أبدي الوجود. ليست هذه الرؤية تفاؤلا عابرا في زمن الموت، ولكنها حقيقة لا محيد عنها وبدونها تسقط الحياة فيه ويسقط الوجود الإنساني، لأن الشعر في النهاية زمننا الذي نصنعه لنحيا به، لا كي نموت. فالقنابل تصنع الموت والشعر يصنع الحياة وشتان بين الصناعتين.
أخبار الثقافة: متى يشعر الشاعر بالتعب إذا؟
بهيجة إدلبي: عندما تخطئ القصيدة طريقها إليه ، ولم يكن على هدى إليها ، أما والوصل بينهما يعانق وجدهما فلا تعب ولا توقف ، لأن الشعر كحالة خلق تُدخل الشاعر في حالة من الديمومة واستمرارية الوجود .
أخبار الثقافة: أنت شاعرة، وروائية أيضا. كيف تفسرين أن أغلب الشعراء توجهوا إلى كتابة الرواية؟
بهيجة إدلبي: صحيح أن معظم الشعراء قد توجهوا إلى الرواية، ولكن ليس كل من توجه إلى الرواية أدرك سر ذلك الجنس، وربما لم يترك أثرا يذكر كما يمكن أن يتركه في الشعر، لأن الخطاب الروائي له أسراره التي تختلف عن الخطاب الشعري، ولابد لمن يتوجه إلى ذلك الخطاب من أن يدرك تلك الأسرار حتى يحقق شرط نجاحه، لذلك قلة هم الشعراء الذين أنجزوا روايات مهمة. بصرف النظر عن الدوافع التي كانت وراء توجههم، سواء كان الحضور الكبير والملفت الذي حققته الرواية عالميا وعربيا، أو كان الرهان المادي الذي تروج له دور النشر لدوافع في نفس يعقوب، وهناك شعراء لم يتجهوا إلى الرواية توجها برانيا أي متساوقا مع البريق الإعلامي للرواية وإنما كانت الرواية تشكل جزءا من تجربتهم الإبداعية وتتداخل مع عوالم الشعر في ذاتهم، وأعتقد أن توجه هؤلاء إلى هذا الخطاب إنما هو حالة إبداعية استدعتها الذات واستدعاها الخلق الإبداعي وهذا ما جعلني أعبر عن ذلك بالأبيات التالية
رحلتي في السر للسر غواية ْ
لوح نسياني غفت فيه الحكايةْ
إنني بعض ضلال في المرايا
وضلالي في الرؤى سر الهداية ْ
بعض ذاتي أينعت شعرا وبعضي
سردته الريح في صمتي رواية
أخبار الثقافة: ألا يعني هذا أن القصيدة تراجعت، في غياب قارئها على الأقل؟
بهيجة إدلبي: القصيدة الحقيقية لم تتراجع والقارئ الحقيقي مازال في بحث دائم عن القصيدة الحقيقية كما هو في بحث دائم عن الرواية الجيدة ، أما الذي تراجع فهو اللاشعر، وبالتالي اللاقارئ، خاصة في ظل هذا الانفجار الإعلامي على الشبكة العنكبوتية التي رغم كل الإيجابيات التي تركت أثرها الواضح على الإبداع وعلى الانتشار الإبداعي وعلى اجتراح أجناس جديدة كالرواية التفاعلية والقصيدة التفاعلية والمسرحية التفاعلية، إلا أن ثمة سلبيات كثيرة أيضا فقط أصبح كل من أتقن أو لم يتقن حرفا في هذا المحيط الهادر من المنتديات شاعرا كبيرا، وسيجد على الشبكة من يصفقون له ويؤمّنون على تجربته ويطلقون عليه ألقابا ما أنزل الله بها من سلطان، ربما هذا هو سبب أيضا يضاف إلى أسباب أخرى جعلت القراءة تنحسر بشكل عام وليس قراءة الشعر فحسب.
أخبار الثقافة: كيف تنظرين إلى واقع القراءة في الوطن العربي؟
بهيجة إدلبي: عطفا على الجواب السابق أقول إن واقع القراءة في الوطن العربي كواقع الثقافة المأزومة، ولا ألوم القارئ، أو المتلقي، لأن ثمة أسباب خارجة عن إرادته تقف عائقا أمامه في الحصول على الكتاب وألقي اللوم على بعض المؤسسات الثقافية التي لا تخدم الكتاب ولا الإبداع كما تخدم حفلا فنيا أو مباراة رياضية، لأن الكتاب إذا لم يصل إلى القارئ فلن تجد ظاهرة يراهن عليها في فعل القراءة، هذا إلى جانب ما أشرت إليه في جواب سابق وهو أن دور النشر في معظمها تقدم الهدف التجاري على أي هدف آخر لذلك فثمن الكتاب مرتفع ولا يتناسب مع دخل الفرد في كثير من الدول العربية، هذا إذا استطاع هذا الكتاب أن يصل إلى القارئ وسمحت له الرقابة بالوصول، ربما تقول لي أنه في ظل الشبكة العنكبوتية أصبح الكتاب متاحا ولا سلطة للرقيب عليه، أقول أن هذه الشبكة أحيانا ترهق المتلقي للوصول إلى بغيته، فالكتاب الجديد غير متاح للتحميل المجاني، وإذا أتيح فثمن النسخة الإلكترونية لا يقل عن ثمن النسخة الورقية وربما أكثر، إلى جانب أمر آخر يمكن أن أضيفه وهو أننا ما زلنا نعاني من أمية ثقافية في مجال الإنترنت، وما نراه لم يحقق التفاعل الثقافي الحقيقي إلا في مواقع قليلة جدا قياسا إلى آلاف المواقع التي وضعت لمجرد التسلية كما هو شأن الفضائيات العربية والفعل الإعلامي العربي فإذا كان الأعلام العربي متخلفا، والفعل الثقافي منزاحا، فالقراءة في الوطن العربي فعل متخلف لا يراهن عليه.
أخبار الثقافة: أين الخلل في كون المواطن العربي يبحث عن التغيير وفي ذات الوقت لا يقرأ لأجل إحداث التغيير؟
بهيجة إدلبي: المواطن العربي لا يسعى إلى التغيير وإنما يتمنى التغيير لأنه لا يملك من أمره شيئا فإن لم يكن غائبا نتيجة اليأس الذي أدخله في اللامبالاة فهو مغيب في عتمة ما، والتغيير الحقيقي لا يقوم به الأفراد وإن ساهموا فيه وإنما تقوم به مؤسسات اجتماعية فعالة، وأمثال هذه المؤسسات شبه غائبة في مجتمعاتنا العربية للأسف، إلى جانب غياب الوعي الثقافي الذي يجب أن تقوم به مؤسسات ثقافية تفعل دور الفرد في فعلها الثقافي وبالتالي تؤسس لحالة تغيير حقيقية، وإذا ربطنا ما قلناه في حديثنا عن القراءة وتخلفها سيصبح الأمر واضحا، لأن فعل التغيير يجب أن يمهد له فعل القراءة ، وبالتالي لابد من استعادة القارئ العربي ، لأن القراءة كحالة فردية يمكن أن تغير ولكن التغيير الاجتماعي والثقافي وووالخ هو بالنتيجة فعل جماعي تشكله رؤية حقيقة تستعين بوعي الفرد لتحقيق نهوض فاعل مناهض للتخلف الذي ينخر في جسد الأمة بأشكال مختلفة .
أخبار الثقافة: رواية "ألواح من ذاكرة النسيان" رواية مشتركة، اعتمدت على السوريالية في البناء، تنبعث من حروفها تلك الدهشة الأولى إزاء نص تقرأه لأول مرة.. كيف كانت ظروف هذه الرواية؟
بهيجة إدلبي: رواية ألواح من ذاكرة النسيان هي الرواية التي كتب أبان قصف العراق في عام 1998 وكانت كرد على الموت الذي كان يحصد الأرواح والأحلام ولعها كانت تحمل نبوءة لما سيحدث بعد ذلك وحدث فعلا بعد سنوات طويلة من صدور الرواية فالرؤية الذي كشفت عنها بوابة المستقبل كانت دمارا وغبارا ودماء، لأن المستقبل كما جاء في الرواية نتيجة فعل الحاضر. الرواية كانت محاولة لقراءة العمق التاريخي الأسطوري لوجودنا ككائنات تؤمن بالحياة وتدافع عنها بل وتصنعها في أقصى وأقسى ظروف الموت، إنها قراءة للذات العربية بين الماء والماء وبالتالي دعوة لنفض الغبار عن ألواح الذات وألواح الوجود الحقيقي لنا، وهنا أريد أن أشير إلى أمر متصل بفعل القراءة أيضا وهو أن الرواية بقيت في أدراج الرقيب لمدة ثلاث سنوات رغم فوزها بجائزة عربية إلى أن صدرت عام 2002 في بيروت ..
أخبار الثقافة: كيف تفسرين أن الرواية المشتركة أكثر رواجا ونجاحا في فرنسا وإيطاليا، بينما في الوطن العربي تكاد تكون حادث سير؟
بهيجة إدلبي: الرواية المشتركة تنهض في مجتمع يؤمن بالحوار، وفي مجتمع يسعى إلى ما هو مشترك كفعل يبشر بمستقبل مختلف، مستقبل أكثر حوارا وتفاعلا واشتراكا أما في وطننا العربي فالفردية طاغية في كل شيء لذلك لا حياة لإبداع مشترك، لأن هذا الإبداع يحتاج لمن يعترف به وهذا الاعتراف يتطلب تغييرا في مفهوم الذات وفي المفاهيم الاجتماعية والثقافية والسياسية وبالتالي لابد من تأمين المناخ الحواري لينهض إبداع مشترك يؤسس للحوار الحقيقي بين الذات والذات. ولاشك أن الإصرار على هذا الفعل لابد وأن يحقق بعض أحلامه، رغم كل المناوئين له إن كان على المستوى الفردي أو على المستوى المؤسساتي، لأن ما نقدمه ليس اشتراكا في كتابة عمل إبداعي أو نقدي ما وإنما نقوم بفعل مشترك في إنجاز هذا العمل لخلق ظاهرة مختلفة في مجتمعاتنا العربية التي مازالت ترفض كل مختلف خارج عن السرب.
أخبار الثقافة: ما الذي يتطلب توفره في كاتبين يشتركان في كتابة نص واحد؟
بهيجة إدلبي: من أهم الأشياء التي يجب أن تتوفر في كاتبين يشتركان في كتابة نص واحد
1 ـ الانسجام : والانسجام هنا يكون على كافة المستويات الفكرية والمعرفية ولا يعني الاتفاق، لأن الاتفاق لا يولد حوارا، وإنما يعني في جوهره الجدل والحوار وكأنه جدل في ذات واحدة، لأن فعل الجدل هو الذي يجعل النص الإبداعي مختلفا عن النص الذي ينجزه فرد بذاته، وهذا ما أشرت إليه في جواب سابق بالفعل الحواري الذي يؤلف بين الرؤى..
2 ـ الإيمان بالحوار الذاتي والحوار مع الآخر كذات أخرى وبالتالي عدم طغيان ذات على ذات ،
3 ـ الإيمان بالعمل ذاته سواء على مستوى الرؤية أو على مستوى الموضوع وبالتالي خلق أرضية واحدة للحوار والجدل والإبداع.. وهذا الأمر تحقق لدينا بعد سنين طويلة فكانت لنا إنجازات في مختلف أجناس الأدب كالرواية والمسرحية والنقد، ونتمنى أن يكون لهذه التجربة مناخها الصحي الذي تعيش فيه.
أخبار الثقافة: يقول "غارسيا" أن الأدب هو ما لا يقال في النهاية... إلى أي مدى تتطابق هذه المقولة مع واقع الكتابة العربية؟
بهيجة إدلبي: هذه المقولة تصل بالكنه الإبداعي والكنه الأدبي أي ما يسمى اصطلاحا ( الأدبية) و(الشعرية ) وهي تتأسس على مفهوم المستقبلية التي تصل بالرؤيا لأن الإبداع فعل مستقبلي، فعل تنبؤي، ودون ذلك يصبح الإبداع فعلا عاديا. ولعل هذا الأمر هو الذي جعل الشاعر التركي ناظم حكمت يقول أيضا (أجمل القصائد تلك التي لم أكتبها بعد) فثم جوهر إبداعي ونص أدعوه بالنص (المثال) في مخيلة المبدع، وكل نص هو محاولة للاقتراب من ذلك النص المثال، الكامن في المعنى المطلق للإبداع ، ولذلك يختلف مبدع عن مبدع ونص عن نص بمدى الاقتراب من ذلك الكنه أو النص المثال، وهذا الاقتراب هو الذي يحدد العمر الزمني للإنجاز والأثر الفاعل في الزمن. هذا عن الفكرة أما عن مدى تطابقها مع واقع الكتابة العربية فأعتقد أن المبدع العربي مازال في مرحلة البحث عن الذات والبحث عن الذات درجة من درجات الإبداع الذي يسعى للاقتراب من النص المثال . أي لتقليص المسافة بين ما هو في خيال الكاتب وبين ما يقوله ليتحقق الفعل الإبداعي الحقيقي..
أخبار الثقافة: وماذا عنك؟ هل قلت ما ترغبين في قوله؟
بهيجة إدلبي: ما يرغب الكاتب أن يقوله هو على مدى طموح مشرعه الإبداعي وما أرغب قوله هو ما أسعى إليه في مشروعي الإبداعي كاملا شعرا وقصة وراية ونقدا فمقولتي هي أنا ولن يستطيع الكائن تحقيق ذاته إلا إذا أدركها، وإذا أدركها فهو في مقام لا يدركه الحرف، ومن هنا فالمبدع سؤال إذا أجاب عنه انتهى، لذلك فمشروع المبدع أي مبدع حقيقي هو البحث في ذاته وعنها ليكشف كوامنها ويكشف عن العتمة والإشراق فيها وأعتقد أن هذا يكفي ليكون راضيا عن سعيه.
أخبار الثقافة: دعيني أسألك الآن كيف تقرأين الواقع الثقافي في سورية؟
بهيجة إدلبي: الواقع الثقافي في سورية لا يختلف كثيرا عن الواقع الثقافي العربي بشكل عام ، فهو واقع لا يخلو من الحراك ولا يخلو من الأمراض أيضا والتأزمات على مستوى الأفراد وعلى مستوى المؤسسات، لذلك لابد من تفعيل الحراك بين المؤسسات والأفراد لإنجاز فعل ثقافي حقيقي متجاوز لتأزماته ومنحاز لغناه الذي لا يُكشف عنه إلا بالحوار. وإفساح المجال أمام مختلف التوجهات على المستوى الثقافي أو على مستوى الأجيال الثقافية..
أخبار الثقافة: هل صحيح أن ما يعكر الفضاء الإبداعي هو الصراع بين الأجيال؟
بهيجة إدلبي: ليس دائما فمعكرات الفضاء الإبداعي كثيرة ومتصلة بعوالم أخرى وإن كان الصراع بين الأجيال جانب من تلك الجوانب وليس كلها ، فغياب الحرية يعكر الفضاء الإبداعي والواقع الثقافي المأزوم يعكر الفضاء الإبداعي والواقع السياسي ووو الخ ، أما قضية صراع الأجيال فهي حالة متصلة بالوعي ومتصلة بغياب الحوار بين الأجيال والسبب يتحمله كلا الجيلين السابق واللاحق لأن التشارك والحوار يجب أن ينطلق من كليهما حتى يغيب الصراع أما والطرفان كل يريد أن يغتال الآخر فأعتقد أن حالة من الصراع ستعكر الفضاء الإبداعي العام وبالتالي ولن يكون الهَمُ إبداعيا وإنما يتحول إلى حالة من إلغاء ذات لذات أخرى ، ويجب ألا ننسى أن ثمة صراع بين أفراد الجيل نفسه قد يفوق الصراع بين الأجيال المختلفة ، وقد يساهم في تعكير الفضاء الإبداعي أكثر من غيره .
أخبار الثقافة: هذا الصراع موجود في الواقع، كأن يغيّب الجيل الأدبي الأول الجيل الجديد بتهمة " الاستعجالية" الكتابية؟
بهيجة إدلبي: كما أن تهمة الإستعجالية يُتهم بها الجيل الجديد من قبل الجيل السابق ، كذلك تهمة الاستبدادية يوجهها الجيل الجديد لسابقيه ، فالأمر كما قلت سابقا يحتاج إلى مزيد من الوعي ومزيد من الفعل الثقافي الحقيقي البعيد عن الاتهامات لإنجاز إبداع بعيد عن قلق الصراع بين الأجيال فلكل رؤيته ولكل مداه ، ولكن ثمة رؤية لابد أن يلتقي عليها الأطراف وهي الإبداع الحقيقي
أخبار الثقافة: وأين تضع "بهيجة إدلبي" نفسها كأديبة؟
بهيجة إدلبي: أضع نفسي أمام ذاتي أولا ليكتشف الآخرون مكاني في نصي ، فثمة طموحات وثمة مشاريع وثمة أحلام وكل ذلك تدفعه إرادة الوجود ، وإرادة تحقيق الذات ، وأضع نفسي في مرآة الآخرين ثانيا كي أكتشف حضوري فيهم ، وهذا الأمر يدفعني إلى تأمل العلاقة التفاعلية بيني وبينهم ، لتجاوز الذات لأن مفهوم الإبداع الذي أؤمن به هو فعل تجاوز وفعل تفاعل في داخل الذات وبين الذات والآخر .
أخبار الثقافة: وما مدى اقترابك من الأدب الجزائري؟
بهيجة إدلبي: اقترابي من الأدب الجزائري حميم جدا ولعل النافذة الأكثر اتساعا كانت من خلال الأدب الروائي، والأكثر حميمية كانت من خلال أعمال الراحل الكبير الطاهر وطار الذي كان له حضور كبير وعميق لدينا وكانت لأعماله الروائية أصداء متشاكلة في واقعنا العربي، وأول ما تعرفت إليه كان من خلال روايته (تجربة في العشق) التي أثارتني بشخصية المجنون، وذكرت له هذا العشق رواية تجربة في العشق في إحدى الرسائل بيننا على الإيميل فيما بعد، وتبعتها برواية (عرس بغل) ومن ثم الشمعة والدهاليز هذا الأمر كله كان أيام الدراسة الجامعية وعندما تعرفت إليه من خلال الشبكة العنكبوتية، كان ذلك منذ سنوات، كانت بيننا مراسلات وسعدت كثيرا عندما طلب مني بعض المواد ونشرها في مجلة التبيين، وفي صحف جزائرية مختلفة، كان بكل ما تعني الكلمة عرّاب الأدب الجزائري إلينا ولعل موقع الجاحظية هو الآخر عرفنا بالأدب الجزائري شعرا وقصة ونقدا ورواية خاصة من خلال المجلات ( التبيين ـ القصيدة ـ الإشعاع ) وكلها متاحة على الشبكة. فالطاهر وطار عمنا الطاهر كان الجسر الحقيق من خلال عمله وثقته بمستقبل هذه الأمة ومن يعرفه يدمن معرفته لأنه رجل لا يساوم على مبدأ ولا يساوم على إبداع ، وإنما هو نموذج للمبدع الحقيقي والمثقف الذي تعني الثقافة لديه عملا حقيقيا من المستقبل ولم يعرف لحظة واحدة من عمره إلا وجعلها لحظة إشراق في حياته وحياة الآخرين وأنا الآن عاكفة على قراءة عمله الأخير الذي كتبه أيان مرضه ( قصيدة في التذلل ) . وطبعا لدي اطلاعات على أنماط مختلفة من الأدب الجزائري بنسب مختلفة وإن كنت أتابع الأعمال الروائية أكثر من غيرها ربما لأنها أكثر الأجناس إشكالية إلى جانب العمل البحثي الذي أشتغل عليه في دراسة الرواية العربية فقد قرأت لواسيني الأعرج ( طوق الياسمين ) و ( باب الحديد ) وأنتهيت منذ فترة من قراءة رواية ( الطاهر بن جلون ( عندما تترنح ذاكرة أمي ) . فالأدب الجزائري أدب غني بإختلافة، ومختلف بغناه وبحاجة إلى دراسات معمقة تكشف عن هذا الغنى الحقيقي وإن شاء الله تكون لي وقفات مطولة لإنجاز بعض تلك الدراسات سواء في الخطاب الروائي أو في الخطاب الشعري .
أخبار الثقافة: هل يحتاج الكاتب إلى الفرصة أم إلى القدرة لأجل أن يكون مبدعا في حضوره وفي غيابه؟
بهيجة إدلبي: يحتاج إلى القدرة أولا لأن القدرة قد تصنع له الفرصة، ويحتاج إلى الفرصة ثانيا لأن الفرصة ـ إن كانت لديه قدرة كامنهـ تكشف عنها فالإبداع طاقة كامنة وفرصة متاحة.
أخبار الثقافة: ماذا تقولين لقراء موقعنا؟
بهيجة إدلبي: أقول إن هذا الموقع من المواقع التي تجهد في تحفيز العمل الثقافي العربي وتحفيز الحوار الثقافي وخلق أرضية حقيقية مشتركة للثقافة العربية وهو بمثابة جسر بين مثقفي ومبدعي الأمة من محيطها إلى خليجها وأهميته تنطلق ليس من حالة التواصل التي يخلقها فحسب، وإنما من خلال المادة الثقافية التي ينشرها وفي النهاية أقول:
رؤانا معا توقظ الحلم فينا
وتورثنا حكمة ويقينا
وتمنحنا في الوجود وجودا
وتمسح بالسر فينا الجبينا
لنمشي كأنَّا جميعا مرايا
إذا نادى وجدٌ جميعا عُنينا
سلام عليكم عليهم عينا
على كل من فاض حلما مبينا
لأنَّا معا نملك السر وجدا
ونمشي إلى وجدنا عاشقينا